غمس نجلي الأصغر، جوليانو، الكرواسان في الحليب، وأكل قطعة منه ثم نظر إلى وقال: «لكن يا أبي، إذا قمت بعمل جيد هناك فهذا يعني أنك لن تعود إلى هنا ثانية». ما زلت أتذكر ذلك اليوم جيداً حتى الآن، لأنه اليوم الذي استقبلت فيه المكالمة الهاتفية التي غيرت كل شيء في حياتي. وكانت هذه المكالمة من مسؤولي نادي أتليتكو مدريد، الذين قالوا إنهم يريدون أن يتحدثوا معي لأنهم يريدون أن أتولى قيادة الفريق.
كنت في ذلك الوقت في مدينة «مار ديل بلاتا» الساحلية في الأرجنتين لقضاء بضعة أيام مع جوليانو، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك ثماني سنوات فقط، وكنا نجلس في مقهى وأحتسي أنا القهوة في حين كان هو يشرب الحليب، وقلت له: «انظر، هناك فرصة لتولي القيادة الفنية لنادي أتليتكو مدريد، ولا أعرف ماذا أفعل». فكر جوليانو في الأمر لبرهة، ثم قال: «هل ستذهب وتكون مديرا فنيا لفالكاو؟ وهل ستلعب ضد ميسي؟ وهل ستلعب ضد رونالدو؟» كان الطفل يقول كل ذلك لي، وأنا أرد عليه قائلا: نعم. لكنه صمت قليلا ثم قال: «يا أبي، لو قمت بعمل جيد هناك، فلن تعود إلى هنا أبدا».
وفي الحقيقة، كان لهذا الأمر مميزات وعيوب، فمن جهة كانت هذه فرصة جيدة لأن أقدم عملا جيدا، لكن من جهة أخرى كان من الصعب للغاية أن أفكر في أن يكبر أولادي بعيدا عني. لقد كنت في السابعة والعشرين أو الثامنة والعشرين من عمري عندما قررت أن أكون مديرا فنيا. كنت أعود إلى المنزل بعد نهاية التدريبات في لاتسيو، وأمسك بعض الأوراق وأتخيل أنني أتحدث إلى اللاعبين في حصة تدريبية. لقد كنت أتصرف مثل الأطفال الذين يتخيلون بعض الأشياء ويقومون بها وهم ويلعبون. لقد كنت أقوم بنفس الشيء وأنا شخص بالغ، وأتخيل أنني مدير فني. لقد تخيلت أنني أقود فريقا وأنني أقود جزءا من التدريبات، وتخيلت المباراة القادمة وخططت لكل ما أحتاجه في تلك المباراة!
وبنهاية ذلك اليوم، كنت محاطاً بالكثير من الأوراق، وكل ورقة منها عليها بعض الرسومات أو الملاحظات التي دونتها. لقد كنت أحب تدوين أي شيء يخطر في بالي، كما أن القيام بكل هذه الأشياء قد ولد الكثير من الحماس في نفسي. إن أكبر شغف لأي مدير فني هو أن يعمل على تحسين وتطوير لاعبيه. ورغم أن الجميع يرغب في الطبع في الحصول على البطولات والألقاب، إلا أنني أعتقد أن أفضل «بطولة» للمدير الفني هي رؤية لاعبين مثل كوكي ولوكاس هيرنانديز وأنخيل كوريا – الذين بدأوا الطريق من بدايته وجاءوا من الدوريات الأدنى وأصبحوا لاعبين محترفين على مستوى عالٍ.
وعندما حان الوقت للتوقف عن اللعب والبدء في العمل كمدير فني، عدت إلى الأرجنتين؛ حيث أنهيت مسيرتي الكروية مع نادي راسينغ كلوب. وفي المرة الأولى التي عرضوا علي فيها العمل كمدير فني للنادي، رفضت العرض، وحدث نفس الأمر في المرة الثانية. لكنني وافقت على القيام بهذه المهمة عندما عرضوا علي قيادة الفريق للمرة الثالثة.
لقد كان الفريق في حالة يرثى لها، وكنت أعرف ذلك جيدا. لكنني كنت أعرف اللاعبين أيضاً، لأنني كنت ألعب معهم وكنت أعرف جيدا أنه يمكننا القيام بعمل جيد. وبدأت العمل على الفور، ويمكنني أن أقول إن الجلوس على مقاعد المدربين لأول مرة هو أصعب شيء يمكن أن يمر به أي مدير فني. وبالنسبة لي، فقد استغرق الأمر بعض الوقت لكي أتكيف مع الوضع الجديد.
وللأسف، خسرنا أول ثلاث مباريات، ولم نسجل أي هدف، وكان الناس في راسينغ كلوب متوترين للغاية. وكان النادي يعاني من الكثير من المشكلات، لكن المرور بهذه التجارب جعلنا أكثر قوة، وأعطانا المزيد من الطمأنينة بشأن ما نقوم به. إن أبرز صفتين في شخصيتي هما الإصرار والعزيمة، وعندما أريد القيام بشيء فإنني لا أتوقف مطلقا عن السعي لتحقيقه فشخصيتي لا تعرف المستحيل.
ويعيدني هذا مرة أخرى إلى نادي أتلتيكو مدريد، فعندما رحلت عن النادي عام 2005 لم أكن أشارك كثيرا مع الفريق، وكنت أعرف جيدا أنني لم أقدم المستوى المتوقع هناك لأنني لم أتمكن من إقناع المدير الفني بقدراتي كما ينبغي، نتيجة للكثير من الأمور، من بينها الحديث آنذاك عن تقدمي في السن وتأثير ذلك على الصحافيين والجمهور وكل ما هو محيط بي.
لكن منذ اللحظة التي رحلت فيها عن مدريد، بدأت أستعد لعودتي مرة أخرى. كنت أعرف أنني سوف أنهي مسيرتي الكروية في الأرجنتين وأنني سأبدأ العمل في مجال التدريب هناك بعد ذلك. لكنني، بطريقة ما، كنت أعرف أيضاً أن الفرصة ستأتي لتولي قيادة أتلتيكو مدريد عندما يمر النادي بفترة صعبة، لذلك كنت أستعد لتلك اللحظة.
وعندما حدث ذلك، لم أفكر كثيراً فيما سأقوله في لقائي الأول مع اللاعبين. في الحقيقة، لم أكن أبداً ذلك الشخص الذي يقوم بإعداد كافة التفاصيل المتعلقة بما سيقوله للاعبين، وأحاول دائما أن أكون تلقائيا وعفويا، وأن أتكلم بما أشعر به. وكنت أعرف أن لدي ميزة كبيرة وهي أنني قد لعبت في هذا النادي لمدة خمس سنوات ونصف، وبالتالي كنت أعرف كل شيء يحدث داخل جدران النادي، فقد كنت أعرف الكثير من اللاعبين والمسؤولين والعاملين ورئيس النادي، ومقاعد ملعب «فيسنتي كالديرون»، وبعض الأشخاص الذين يجلسون عليها. وبالتالي، فإن معرفة كل هذه الأمور منحتني الفرصة للتوجه مباشرة نحو ما يريدون.
لقد كان الجميع في أتليتكو مدريد يريدون بناء فريق قادر على المنافسة على البطولات والألقاب، فريق قوي من الناحية الدفاعية ويلعب على الهجمات المرتدة ويكون مصدر إزعاج للأندية الكبيرة. وبالتالي، ركزت على تحقيق هذه الأهداف. وعندما وصلت إلى مدريد، لم يكن النادي يمر بفترة جيدة؛ حيث كان يحتل المركز العاشر في جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز، كما ودع كأس ملك إسبانيا بعد الخسارة أمام فريق الباسيتي، لكنني كنت أؤمن تماما بأنه يمكن لهذه المجموعة من اللاعبين أن تحقق ما يريده النادي. وكانت هناك علاقة قوية للغاية بين الجمهور واللاعبين، وبالتالي كان يجب استغلال هذه العلاقة في تحسين نتائج وعروض الفريق.
وكانت نقطة البداية الحقيقية بعد خمسة أشهر من وصولي لهذا النادي؛ حيث حصلنا على لقب الدوري الأوروبي، وهو ما كان بداية لمرحلة جديدة ومهمة في تاريخ النادي، وكان ذلك بمثابة تتويج لجهودنا والتزامنا خلال الفترة السابقة. وقد ساعدنا ذلك على أن نرى الحقائق بوضوح من حولنا. ومن دون أدنى شك، كان الفوز بلقب الدوري الأوروبي هو نقطة البداية والانطلاق لهذه المجموعة من اللاعبين، الذين آمنوا منذ البداية بقدرتهم على القتال ضد الفرق الكبيرة. إن الفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز على حساب ريـال مدريد وبرشلونة يعد أمرا شبه مستحيل. وعلى مدار هذا العقد من الزمان، كان هذان الفريقان يضمان كوكبة من اللاعبين البارزين.
لكن من خلال العمل الجاد والاستمرارية والمثابرة، وكذلك اللاعبين الكبار - لأنه من دون لاعبين كبار لا يمكنك تحقيق ما حققناه - نجحنا في تحويل المستحيل إلى ممكن. لكن كيف حققنا ذلك؟ من خلال العمل الدؤوب بشكل يومي والإيمان بقدرتنا على تحقيق ما نسعى للقيام به. وفي ثاني موسم كامل لي مع الفريق، كانت الفرصة سانحة لنا للمنافسة على اللقب، لأن أحد هذين الفريقين العملاقين، وهو ريـال مدريد، كان قد انحرف قليلا عن المسار الصحيح، وبالتالي كان يتعين علينا أن نتفوق على العملاق الآخر المتبقي وهو برشلونة.
وفي اليوم الأخير من ذلك الموسم، ذهبنا لمواجهة برشلونة على ملعب «كامب نو» ونحن بحاجة لنقطة واحدة فقط من أجل الفوز بلقب الدوري. لقد كان يتعين علينا أن نفرض أسلوبنا داخل الملعب، وهو الشيء الذي يكاد يكون مستحيلا أمام العملاق الكتالوني على ملعبه ووسط جمهوره. وبعد صافرة النهاية، بدأت أنا ومساعدي، جيرمان بورغوس، في الضحك. لقد كنا نعلم أنه بإمكاننا الفوز باللقب، لكن عندما تأكد ذلك وأصبح أمرا واقعا، كان أول شيء شعرت به هو السعادة الغامرة. لكن بعد ذلك انتابني مزيج كامل من المشاعر والأحاسيس.
ومن المؤكد أن هذا الموسم سيظل خالدا في تاريخ كرة القدم الإسبانية. لكن في عالم كرة القدم، من المستحيل أن تتوقف وتفكر وتستمتع بما حدث، لأنه حتى عندما تخلد إلى النوم يكون هناك شخص آخر يعمل بكل قوة. وفي بعض الأحيان نتساءل عما إذا كان من الممكن أن نعمل لمدة 24 ساعة في اليوم، بحث يعمل أحدنا هنا والآخر في مكان آخر، لأن كرة القدم صعبة للغاية وتتطلب الكثير من العمل المتواصل.
في الحقيقة، ليس لدينا نفس الخيارات المتاحة أمام الأندية العملاقة. لذلك، علينا أن نحاول أن نكون مبدعين، مع مراعاة ما نحتاجه لجعل الفريق أفضل واللاعبين الذين يجب تطوير قدراتهم من أجل تحسين أداء الفريق ككل. ونحن نعمل عاما بعد عام على إضافة عناصر القوة للفريق، وهذا يعني أنه يتعين علينا أن نعمل بشكل متواصل وأن نتجنب الإخفاقات فيما يتعلق بالتعاقد مع اللاعبين الجدد.
وفي الحقيقة، يعد هذا أمرا صعبا ومرهقا للغاية، وأنا أدعو الله دائما أن يمنحني القوة التي تجعلني أتحلى بالهدوء والقدرة على أن أقول ما أشعر به. وهذا أصعب شيء يجب الحفاظ عليه، لأنه من يوم إلى آخر قد تخور قواك ولا تعود قادرا على تقديم المزيد.
ويمكنك أن ترى أن مسيرتي كلاعب تؤثر بشكل كبير على الطريقة التي أعمل بها كمدير فني. ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من الأشياء التي اكتسبتها من اللعب في إيطاليا وإسبانيا والتي تجعل الكثيرين يقولون إنني مدير فني ألعب بطريقة دفاعية. لكن الحقيقة هي أن هناك اختلافا كبيرا بين اللعب والتدريب. فعندما تكون لاعبا فإنك لا تفكر سوى في نفسك فقط، بصرف النظر عن معرفة احتياجات الفريق. لكن عندما تكون مديرا فنيا فيتعين عليك أن تهتم بكل صغيرة وكبيرة تحدث داخل الفريق، ويتعين عليك أن تجعل كل شيء جيداً وأن تفكر في كيفية مواجهة نقاط القوة لدى منافسيك وأن تستغل نقاط القوة لديك.
وقبل كل شيء، يجب أن تكون قوياً لأنك ستواجه، طوال الموسم، الكثير من الأوقات التي يتعين عليك خلالها أن تجد الكلمات المناسبة في الوقت المناسب حتى يمكنك تحفيز اللاعبين دائما لكي يواصلوا العمل بنفس القوة. ولكي تتمكن من إيجاد هذه الكلمات يتعين عليك أن تكون متفتح العقل وأن تستمع كثيرا لآراء الآخرين وأن تسأل كثيرا أيضا. وبعد ذلك، فإنني أفعل ما أعتقد أنه الأفضل للجميع.
ولا يختلف الأمر عما فعلته في ذلك المقهى في مدينة «مار ديل بلاتا» عندما قلت لنجلي جوليانو: «لا أعرف ماذا أفعل». وبعد مرور سبع سنوات، يجب أن أقول إن أتليتكو مدريد قد أصبح هو كل حياتي، خاصة أنني عملت مع هذا النادي لمدة 13 عاما، كلاعب وكمدير فني، وقد تمكنت خلال هذه الفترة من تحويل شبه المستحيل إلى حقيقة على أرض الواقع.
ولا شك في أن عملية إعادة البناء التي يمر بها أتلتيكو مدريد في الوقت الراهن ليست سهلة على الإطلاق، خاصة بعد رحيل الكثير من النجوم مثل أنطوان غريزمان ودييغو جودين. بالطبع لم يكن الأمر سهلا في ظل هذه التغييرات الكثيرة، النادي يعمل من أجل الحصول على اللاعبين الذين نحتاجهم في هذا المشروع الجديد. ويعد اللاعب البرتغالي جواو فيليكس أحد الوافدين الجدد على أتلتيكو مدريد في فترة الانتقالات الصيفية الحالية، كما يعد الصفقة الأغلى في تاريخ النادي الإسباني. جواو مثله مثل جميع اللاعبين الشباب الآخرين، إنه يعمل بأفضل طريقة ممكنة، ويمكنه، ببعض التوفيق، أن يكون أكثر تطورا في المستقبل. يتميز بطريقة لعب جيدة، لقد استمتعت بمشاهدته منذ مجيئه، لديه رؤية جيدة، وتحكم جيد، سنساعده على النمو والتطور ليصبح لاعبا أفضل وأقوى.
دييغو سيميوني: شخصيتي لا تعرف المستحيل
المدير الفني لأتلتيكو مدريد يؤكد أن أبرز صفاته الإصرار والعزيمة
دييغو سيميوني: شخصيتي لا تعرف المستحيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة