الحركات الإرهابية توسع أنشطتها إلى خليج غينيا

TT

الحركات الإرهابية توسع أنشطتها إلى خليج غينيا

عززت المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي من انتشارها، وبدأت تتسلل رويداً رويداً إلى مناطق في خليج غينيا، وتحديداً في شمال كل من دولتي بنين وساحل العاج، ما جعل بلدان غرب أفريقيا تعكف على إعداد خطة إقليمية لمحاربة الإرهاب سيتم اعتمادها ديسمبر المقبل، وستكلف خزائن هذه الدول (15 دولة) مليار دولار.
في شهر مايو (أيار) الماضي قام مسلحون يتبعون لإحدى هذه الجماعات بتنفيذ أول عملية إرهابية على أراضي دولة بنين، المحاذية لدولة بوركينافاسو، عندما اختطفوا أربعة سياح (فرنسيين وأميركيا وكوريا جنوبيا)، وقعت العملية في حديقة (بندجاري) الوطنية في أقصى شمالي بنين، ولكن الخاطفين عبروا الحدود نحو شمال بوركينافاسو، حيث توجد معاقل تنظيم «أنصار الإسلام» المرتبط بتنظيم داعش الإرهابي.
إلا أن الجنود الفرنسيين المنتشرين في منطقة الساحل الأفريقي، في إطار عملية «برخان»، نجحوا في قطع طريقهم وتحرير الرهائن والقضاء على الخاطفين، وهي العملية التي قتل فيها جنديان فرنسيان، وكانت أول ما لفت الانتباه إلى توسع التنظيمات الإرهابية نحو بلدان خليج غينيا.
إن الخريطة التي تمثل تموقع هذه المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل تتغير وتتوسع بشكل لافت، حتى أن هذه المجموعات تتوالد وتتكاثر فتخرج من رحمها تنظيمات ومجموعات جديدة، لتنتشر كالفطر في المناطق التي تغيب فيها الدولة ويسود فيها الفقر والجهل والمرض.
شمال مالي كان البؤرة الأولى لهذه الجماعات مع مطلع الألفية الثالثة، حين وصلته طلائع «إمارة الصحراء» في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عام 2003 وأقامت فيه مخيمات ومعسكرات تدريب أقبل عليها الشبان الموريتانيون والعرب والطوارق من سكان (أزواد)، قبل أن يبدأ في الأعوام اللاحقة بشن هجمات ضد الجيشين الموريتاني والمالي، انتهت بالسيطرة الكاملة عام 2012 على شمال مالي ومدنه الرئيسية (تمبكتو، غاو وكيدال).
اليوم يُعد شمال مالي منطقة نفوذ تقليدي لجماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وهي تحالف بين أربع جماعات إرهابية تشكل قبل أربع سنوات، وهذه الجماعات هي: إمارة الصحراء في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، جماعة المرابطين (يقودها الجزائري مختار بلمختار المعروف ببلعور)، جماعة أنصار الدين (يقودها الزعيم الطارقي إياد أغ غالي)، جبهة تحرير ماسينا (يقودها الداعية الفلاني ممادو كوفا).
يتولى القيادة العامة لجماعة (أنصار الإسلام والمسلمين) الزعيم الطارقي إياد أغ غالي، والذي يلقب في الأوساط الجهادية بكنية (أبو الفضل)، ويعد أحد المطلوبين البارزين على قائمة الإرهاب التي تصدرها الولايات المتحدة الأميركية، ويلاحقه الفرنسيون منذ عدة سنوات في الجبال والصحارى الشاسعة في منطقة الصحراء الكبرى.
تشن جماعة (أنصار الإسلام والمسلمين) هجماتها في مناطق واسعة من دولة مالي، ولكنها تركز بشكل كبير على شمال ووسط البلاد، وتتورط في الصراع الإثني بين قبائل الفلاني والدونغو، إذ تسعى إلى اكتتاب شباب مقاتلين في الفلاني، وهي قبائل مسلمة تقول إنها تعاني الظلم والتهميش لأنها أقلية في البلاد.
أما في غرب النيجر، وعلى الشريط الحدودي مع دولة مالي، فتوجد مناطق انتشار مقاتلي (تنظيم داعش في الصحراء الكبرى)، وهو تنظيم حديث النشأة، ظهر اسمه عندما أعلن أبو الوليد الصحراوي، الذي كان يقود كتيبة من (جماعة المرابطين)، مبايعة تنظيم داعش الإرهابي عام 2015. ما أثار خلافاً قوياً مع الجزائري مختار بلمختار الذي تمسك ببيعة تنظيم القاعدة، لينفصل الرجلين ويصبح أبو الوليد الصحراوي زعيم «داعش» الصحراء.
ظل هذا التنظيم يتحرك في منطقة محدودة، ويشن عمليات بين الفينة والأخرى ضد الجيش النيجري، ولكن العملية الكبيرة التي أوصلته إلى وسائل الإعلام وبدأ الحديث عنه وقعت أكتوبر (تشرين الأول) 2018 عندما نصب كمينا لوحدة من الجيش النيجري كانت تتلقى تدريبات على يد قوات خاصة أميركية، وقتل ثلاثة جنود أميركيين وسبعة نيجريين.

مؤخراً تحولت بؤرة الأحداث الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، من شمال مالي إلى شمال بوركينافاسو، وذلك بسبب النشاط المتزايد لمقاتلي جماعة تدعى (أنصار الإسلام) وهي جماعة حديثة النشأة إذ تأسست نهاية عام 2016 على يد داعية محلي يدعى (مالام إبراهيم)، قتل على يد الفرنسيين بعد تأسيس الجماعة بعدة أشهر، ولكن ابنه خلفه على رأسها، وأصبحت أكثر شراسة ودموية.
تتضارب الأنباء حول علاقات هذه الجماعة، ففي الوقت الذي تؤكد الشواهد والمعلومات أن مؤسسها كان أحد الناشطين في صفوف جماعة (أنصار الدين) التي تنشط في شمال مالي، تشير بعض المعطيات إلى وجود صلات وعلاقات بتنظيم داعش الصحراء.
ولكن الجماعة بسطت نفوذها في العديد من مناطق شرق وشمال بوركينافاسو، وفرضت قانونها هناك، ومنعت التدريس في المدارس وأغلقت مراكز الشرطة والدرك، وحاولت تطبيق تفسير متشدد للدين الإسلامي، كما استهدف مقاتلوها الكنائس، وكأنها تحاول استنساخ تجربة (بوكو حرام) في شمال شرقي نيجيريا.
جماعة (بوكو حرام) يمكن وصفها بأنها أقدم التنظيمات الحالية، إذ تأسست مطلع الألفية الثالثة، في ولاية (بورنو) بشمال شرقي نيجيريا، ولكنها في البداية لم تكن حركة مسلحة، وإنما تيار ديني متشدد يرفض التعليم العصري وكثيراً ما يصطدم مع الدولة المركزية، ولكنه منذ 2009 عندما توفي مؤسس الجماعة في السجن، تحول إلى واحد من أكثر التنظيميات الإرهابية دموية في أفريقيا. وتنشط (بوكو حرام) بشكل أساسي في شمال شرقي نيجيريا، ولكنها مؤخراً وسعت مجال هجماتها لتشمل جميع دول حوض بحيرة تشاد (نيجيريا، تشاد، النيجر والكاميرون)، وقد شهدت الجماعات عدة انقسامات من أشهرها ما حدث عام 2015 عندما قرر فصيل قوي الانقلاب على زعيمها التاريخي (أبو بكر شيكاو) ومبايعة تنظيم داعش الإرهابي، وتحويل اسم الجماعة إلى (تنظيم داعش في غرب أفريقيا)، إلا أن شيكاو احتفظ بالاسم القديم وتمسك ببيعة تنظيم القاعدة، إلا أنه مع الوقت تقلصت قوته وتراجع نفوذه.
الخبراء يؤكدون أن هذه التنظيمات وإن بدت متباينة في مناطق نفوذها، ومختلفة في تقنياتها العسكرية والدعائية والفكرية، إلا أن هنالك بعض المعطيات التي تؤكد وجود روابط تجمعها، وأن هنالك قنوات اتصال سرية فيما بينها، فهي وإن بدت مختلفة إلا أن أجزاء من لوحة واحدة لشبح يجثم على صدر القارة الأفريقية.



الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
TT

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)
الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، خلال عملية عسكرية خاصة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي. في حين أعلن الجيش الموريتاني أن المواطنين جرى توقيفهم داخل أراضي مالي، وأكد أنه «لن يسمح» بأي انتهاك لحوزته الترابية.

الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

وقالت مصادر محلية إن المواطنين الموريتانيين أفرج عنهم بعد ساعات من التوقيف، وكانت وحدة «فاغنر» قد سلّمتهم إلى الجيش المالي الذي حقّق معهم ثم أفرج عنهم، ليعودوا إلى الأراضي الموريتانية ليل الأربعاء/الخميس.

اختراق الحدود

بعد توقيف الموريتانيين من طرف وحدة «فاغنر»، المرافقة للجيش المالي، تداول ناشطون موريتانيون على وسائل التواصل الاجتماعي معلومات تُفيد بأن مقاتلي «فاغنر» وقوات الجيش المالي «اخترقوا» الحدود، وأوقفوا مواطنين موريتانيين.

ولكن الحكومة الموريتانية نفت أن يكون قد حدث أي اختراق للحدود، وقال الوزير الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد أمدو: «إن وحدات من الجيش المالي كانت تتحرك في مناطق تابعة لحدودها، وأثناء مرورها اعتقلت هذه المجموعة».

وأضاف ولد أمدو، في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، أن القرية التي دخلها الجيش المالي وقوات «فاغنر»، «تابعة لدولة مالي»، مشيراً إلى أن «اتصالات جرت بين السلطات العسكرية الموريتانية والمالية أسفرت عن إطلاق سراح الموقوفين».

لا تسامح

وأصدر الجيش الموريتاني بياناً صحافياً حول الحادثة، وقال إن ما تداولته الصحف المحلية وبعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي حول اختراق الحدود «مجرد معلومات مغلوطة وأخبار زائفة»، وقال: «إنه لن يسمح لأي كان بانتهاك الحدود».

وأوضح الجيش الموريتاني أن «الأمر يتعلق بوصول وحدة من الجيش المالي إلى قرية الأغظف الموجودة داخل التراب المالي»، وشدّد على أنه «لم تصل القوات المالية مطلقاً إلى خط الحدود بين البلدين».

وقال الجيش الموريتاني: «إن الوحدة العسكرية المالية أوقفت 18 شخصاً في المناطق التي مرت بها، قبل أن يجري إطلاق سراح الموقوفين لاحقاً، بعد اتصالات ميدانية بين الجهات المعنية بموريتانيا ومالي».

وخلص الجيش الموريتاني إلى «طمأنة المواطنين بأن الوحدات العسكرية الموريتانية المرابطة على الحدود، لن تسمح لأي كان بانتهاك الحوزة الترابية للبلاد»، وفق نص البيان الصحافي.

احتفاء محلي

كان توقيف المواطنين الموريتانيين قد أثار حالة من الرعب في أوساط السكان المحليين، في ظل مخاوف من تصفيتهم، كما سبق أن حدث مع موريتانيين خلال العامين الماضيين، أوقفتهم «فاغنر» وعثر عليهم في مقابر جماعية، ما كاد يقود إلى أزمة في العلاقات بين مالي وموريتانيا.

وبعد الإفراج عن الموقوفين سادت حالة من الارتياح في أوساط السكان المحليين، وأصدرت مجموعة من السياسيين والمنتخبين المحليين بياناً، قالت فيه إن سكان محافظة باسكنو الحدودية «يثمنون إطلاق سراح المختطفين على الحدود المالية».

وقال النائب البرلماني، محمد محمود ولد سيدي، إن الإفراج عن الموقوفين «لحظة تحمل في طياتها فرحة كبرى، وترسم أفقاً جديداً من الأمل والطمأنينة في قلوب الجميع».

وأضاف عضو البرلمان الموريتاني عن دائرة باسكنو، أن السكان يشكرون الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني «الذي قاد بحكمة وحزم مسار الجهود المبذولة لتحقيق هذا الإنجاز الوطني الكبير».

وأرجع النائب جهود الإفراج عن الموقوفين إلى ما سمّاه «الدبلوماسية العسكرية (الموريتانية) التي أظهرت قدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية، وأثبتت بالدوام نجاعة وحنكة عاليتين في التعامل مع هذا التحدي الأمني الكبير».

حرب مالي

وتعيش دولة مالي على وقع حرب، منذ أكثر من 10 سنوات، ضد مجموعات مسلحة موالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقبل سنوات قاد ضباط ماليون انقلاباً عسكرياً، وسيطروا على الحكم في البلد، ليعلنوا التحالف مع روسيا، وجلب مئات المقاتلين من «فاغنر» لمساعدتهم في مواجهة المجموعات الإرهابية.

ويثير وجود «فاغنر» داخل الأراضي المالية، خصوصاً في المناطق الحدودية، مخاوف الموريتانيين؛ إذ تسببت عمليات «فاغنر» في مقتل عشرات الموريتانيين داخل الشريط الحدودي بين البلدين.

وتوجد في الشريط الحدودي عشرات القرى المتداخلة، بعضها تتبع موريتانيا ويقطنها مواطنون ماليون، وأخرى تتبع مالي ويقطنها مواطنون موريتانيون، وذلك بسبب عدم ترسيم الحدود بشكل نهائي بين البلدين.