هل ستتم إقامة «المنطقة الآمنة» شمال سوريا؟

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يعرض خريطة لخطط «المنطقة الآمنة» شمال سوريا خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (أ.ف.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يعرض خريطة لخطط «المنطقة الآمنة» شمال سوريا خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (أ.ف.ب)
TT

هل ستتم إقامة «المنطقة الآمنة» شمال سوريا؟

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يعرض خريطة لخطط «المنطقة الآمنة» شمال سوريا خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (أ.ف.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يعرض خريطة لخطط «المنطقة الآمنة» شمال سوريا خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت أنقرة وواشنطن في أغسطس (آب) على إنشاء «منطقة آمنة» شمال سوريا. ورغم أن تركيا تواصل التشديد على أنه يجب إقامتها قبل نهاية سبتمبر (أيلول)، يبقى هناك كثير من الأسئلة حول حدودها وكيفية استخدامها.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة هذا الأسبوع كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن خريطة تظهر الخطط الطموحة لهذه المنطقة، وأوضح في مقابلة أجرتها معه الصحافة التركية لدى عودته من نيويورك هذا الأسبوع أن المنطقة سيبلغ طولها 480 كلم على طول الحدود في شمال سوريا، وعمقها 30 كلم.
وقال إنها يمكن أن تسمح لثلاثة ملايين لاجئ سوري بالعودة إلى بلادهم. وأصبح هذا الأمر له أهمية قصوى لإردوغان الذي يواجه انتقادات داخلية بسبب وجود 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، وهو أعلى رقم في العالم، حسب ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».
وتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن عمق مماثل للمنطقة الآمنة. لكن قوات سوريا الديمقراطية أشارت إلى منطقة بعمق خمسة كيلومترات أو حتى تسعة، وممكن أن تصل إلى 14 كلم في بعض المناطق بين رأس العين وتل أبيض.
والسبب الرئيسي لمطالبة إردوغان بهذه المنطقة هو الضرورة بالنسبة لأنقرة أن تقيم منطقة عازلة بين حدودها والأراضي الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، التي تصفها أنقرة بأنها «مجموعة إرهابية» لكنها متحالفة مع الولايات المتحدة.
والسبب الآخر بالنسبة لإردوغان هو التمكُّن من إعادة اللاجئين، ولذلك يريد أن يتوسَّع نطاق تلك المنطقة لتصل إلى الرقة ودير الزور، إلى جنوب الأراضي السورية.
وتقول دارين خليفة المحللة في مجموعة الأزمات الدولية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تبين أن بلوغ اتفاق مقبول لتركيا ووحدات حماية الشعب الكردية في الوقت نفسه أمر صعب. ويبدو أن مطالبهما الأساسية لا يمكن التوفيق بينها».
وبدأت القوات الكردية في نهاية أغسطس (آب) الانسحاب من الحدود التركية، خصوصاً مع سحب بعض وحدات حماية الشعب الكردية. وحتى الآن، قام الجيشان التركي والأميركي بدوريتين مشتركتين، شمال شرقي سوريا، بهدف إزالة تحصينات وحدات حماية الشعب.
وتضيف خليفة: «لكن الولايات المتحدة كانت واضحة جداً حيال واقع أنها لم توافق على الاتفاق الذي يشمل الإعادة غير الطوعية للسوريين إلى هذه المنطقة».
ويرى حسن أونال الأستاذ في جامعة مالتيبي أن أنقرة وواشنطن تواجهان صعوبة أيضاً في التوصل إلى اتفاق. وقال: «يبدو أنه ليس هناك اتفاق واضح وجلي بين الطرفين، والتسوية تبدو هشة».
بالإضافة إلى ذلك، يرى المحلل أن إردوغان عاد من نيويورك من دون التمكُّن حتى من لقاء ترمب، وبالتالي «خالي الوفاض» إلى حد ما.
وكان إردوغان حذر، في الأسابيع الماضية، من أنه في حال لم تتم إقامة «المنطقة الآمنة» قبل نهاية سبتمبر(أيلول)، فإن تركيا ستتولى الأمور بنفسها وصولاً إلى إطلاق عملية عسكرية، شمال شرقي سوريا. وفي حال تمت تلك العملية فإنها ستكون الثالثة التي تنفذها القوات التركية في سوريا منذ 2016.
وفي مطلع 2018، قامت خصوصاً بالسيطرة على عفرين، إحدى المناطق الثلاث في منطقة الإدارية الذاتية الكردية المعلنة في 2016.
وفي هذا السياق، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الخبير في شؤون سوريا فابريس بالانش، قوله إنه «من غير الممكن إرسال ثلاثة ملايين شخص إلى تلك المنطقة حيث مساحة المناطق التي يمكن السكن فيها محدودة، لأن غالبية المنطقة شبه صحراوية».
لكن في المشروع الذي عرضه أمام وسائل الإعلام التركية ونظرائه خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدث إردوغان عن خطة بناء قرى ومدن يمكنها استقبال ما يصل إلى مليون شخص.
وقال بالانش: «هدف إردوغان كما يبدو إقامة (حزام عربي) مؤيد لتركيا على الحدود التركية عبر إبعاد الأكراد عن تلك المنطقة»، وبحسب قوله، فإن المنطقة تعدّ حالياً 2.5 مليون نسمة، بينهم أكثر من مليون كردي يقيمون خصوصاً قرب الحدود التركية.
وتابع الباحث: «إذا كان إردوغان يريد وضع اللاجئين على الحدود، آلاف أو حتى مليون شخص، فسيؤدي ذلك إلى تشتيت لحمة السكان الأكراد». ويؤكد حسن أونال أيضاً على مشكلة أن الأراضي التي تخطط تركيا أن تبني فيها «تعود ملكيتها لجهات أخرى على الأرجح»، بالإضافة إلى ذلك يبقى السؤال، مَن يريد السكن في هذه المجمعات العقارية؟!
بالنسبة لبالانش فإن «مئات آلاف الأشخاص المتحدرين من تلك المنطقة فقط يمكن أن يعودوا إذا توافرت الشروط الاقتصادية والأمنية». وفي حال لم تتمكن تركيا من إيجاد مليون إلى ثلاثة ملايين متطوع للعودة، فإن القانون الدولي لا يسمح بالإعادة القسرية.
وصرح إردوغان بأن استعدادات تركيا والولايات المتحدة بموجب اتفاق إنشاء منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا تمضي وفق الجدول الزمني المحدد، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا غير راضية عن وضع المحادثات الحالية مع الولايات المتحدة لإنشاء المنطقة الآمنة. وكرر جاويش أوغلو للصحافيين، بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تحذير أنقرة من أنها ستعمل من جانب واحد، إذا لم تحقق المحادثات نتائج، حسب ما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.