غير بيدرسن ابن الواقعية السياسية... ينجز جزئياً وينتظره الكثير

عدته «خريطة طريق» مرسومة في القرار 2254 وبيان جنيف وأمامه حفر عميقة

غير بيدرسن ابن الواقعية السياسية... ينجز جزئياً وينتظره الكثير
TT

غير بيدرسن ابن الواقعية السياسية... ينجز جزئياً وينتظره الكثير

غير بيدرسن ابن الواقعية السياسية... ينجز جزئياً وينتظره الكثير

يأمل كثيرون أن يكون الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسن آخر مسؤول أممي يتولى شأن التفاوض من أجل خروج سوريا من محنتها المتطاولة، وأن تسفر الجهود الدولية عن نهاية للعنف، وإعادة المهجرين، والتفاهم على حل سياسي بعد ثماني سنوات من القتل والتهجير والانهيار الاقتصادي ناهيك من مختلف أنواع التدخل العسكري الأجنبي، المباشر وغير المباشر. وكانت الخطوات الأخيرة التي وافق عليها النظام وفريق «الائتلاف» الذي يمثل طيفاً من أطياف المعارضة السورية تتعلق بإنشاء لجنة دستورية مهمتها التفاوض على إقرار دستور جديد للبلاد.

أحدث المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، منذ تعيينه في هذا المنصب، فرقاً واضحاً في طريقة التعامل مع واحدة أصعب الأزمات التي تعصف في الشرق الأوسط والعالم. وهو أنجز أخيراً جزءاً من المهمة التي خنقت الجهود الدبلوماسية لسلفه السياسي السويدي - الإيطالي ستافان دي ميستورا واستعصت على من سبقه المخضرم الجزائري الأخضر الإبراهيمي، وخذلت أولاً الأمين العام للمنظمة الدولية الراحل كوفي أنان. غير أن الطريق لا تزال طويلة الآن أمام هذا الدبلوماسي النرويجي بعد إعلان الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية، استناداً دائماً إلى القرار 2254.
استفادة من دروس التاريخ
لقد استفاد بيدرسن من دروس التاريخ في الواقعية السياسية وانطلق من واقع يتغيّر على الأرض.
تحرك وفقاً لـ«عدة الشغل» المتوافرة لديه، وأبرزها القرار الذي رسم ملامح «خريطة الطريق» الواجب اتباعها لإيجاد تسوية للحرب الطاحنة المتواصلة منذ نحو ثماني سنوات، فضلاً عن بقية القرارات الدولية ذات الصلة، من دون أن ننسى طبعاً «بيان جنيف 1» لعام 2012.
بيدرسن يدرك أن الحفر كثيرة وبعضها عميق للغاية بين الأطراف المعنية. وهو يتحرك بين الأطراف المتنازعة التي هي: داخلياً، حكومة النظام السوري، وأطراف المعارضة على مختلف مشاربها المشتتة هنا وهناك... تتماهى معها أو فيها جماعات مصنفة إرهابية في لوائح الأمم المتحدة جزء منها جاء من خارج الحدود.
وخارجياً، هناك جيوش لدول كبرى على الأرض، بعضها من وحدات الجيش الأحمر الروسي وبعضها الآخر من القوات الأميركية التي تقود تحالفاً دولياً لمحاربة الجماعات الإرهابية على امتداد العراق وسوريا. وأيضا هناك، كما بات القاصي والداني يعرف جيداً، تشارك القوات الإيرانية من «الحرس الثوري» ومن ميليشيات تابعة له مثل «حزب الله» اللبناني و«العصائب» العراقية وغيرها، في المقتلة السورية الدامية.
وفي مكان ما، بل وفوق أمكنة عديدة، تمارس إسرائيل، على عادتها ومن دون إذن، حق «التبختر العسكري» في أجواء سوريا وعند مرتفعات الجولان المحتل، وربما أبعد. وأخيراً، وليس آخراً، تضخم قرص «الجارة الشمالية» تركيا في «عرس» الموت السوري لتسيطر عملياً على المزيد من الأراضي في هذا البلد العربي.

ظروف بالغة الاستثنائية

يعمل بيدرسن تحت ظروف بالغة الاستثنائية، إذاً. إلا أنه يعرف أيضاً كيف ذاق الشعب السوري مرارات كثيرة... ذلك الذي أرغمه نظام البعث بقيادة آل الأسد على تجرّع سموم القهر والاضطهاد، ثم عمل على «سحق» الثورة الشعبية التي قامت ضده وبدأت سلمية اعتراضية في مدينة درعا بأقصى الجنوب السوري. لقد قتل، بحسب تقديرات المنظمات الدولية أكثر من نصف مليون من السوريين خلال السنوات الثماني الماضية، بينما تصل الحصيلة وفق تقارير غير رسمية إلى نحو مليون. كذلك لجأ الملايين إلى دول الجوار. تحوّلت مدن عامرة، مثل حلب وحمص، إلى خرائب عششت فيها الجماعات الإرهابية التي ولدت في الداخل على أيدي إرهابيين أجانب. وبالتالي، تحوّلت سوريا أرضاً خصبة لـ«حروب الآخرين» - تماماً مثلما حصل في لبنان من منتصف السبعينات إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولكن بأضعاف مضاعفة.

«اللجنة الدستورية»... وغيرها

يعمل غير بيدرسن على جبهات عدة في محاولة لتسيير عجلة لا بد منها من أجل إنهاء الحرب. وبالإضافة إلى «اللجنة الدستورية»، التي يرتقب أن تعقد أول اجتماعاتها في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سيسعى المبعوث الدولي إلى تحريك ملف السجناء والمفقودين والمخطوفين، أملاً في بدء بناء أجواء من الثقة بين أطراف الحرب محلياً.
ومن المتوقع، أن يستفيد الدبلوماسي النرويجي المجرّب من عمله سابقاً كممثل خاص للأمم المتحدة في جنوب لبنان بدءاً من عام 2005. وللعلم، قبل ذلك كان بيدرسن مدير قسم منطقة آسيا والمحيط الهادئ في دائرة الشؤون السياسية لدى المنظمة الدولية. وبهذه الصفة، عمل على ملفي عملية السلام في الشرق الأوسط والعراق.
أيضاً سيكون بمقدر الموفد الأممي الجديد التعويل أيضاً على خدمته بين عامي 1998 و2003 كممثل لبلاده لدى السلطة الفلسطينية. وهو، بالمناسبة، تولّى بين عامي 1995 و1998 مناصب عدة في وزارة الخارجية النرويجية في أوسلو، منها منصب كبير الموظفين في الوزارة. كما تجدر الإشارة إلى أنه عمل كدبلوماسي أيضاً في كل من الصين وألمانيا. وفي العام 1993، كان عضواً في الفريق النرويجي خلال «محادثات أوسلو» السريّة التي أدت إلى توقيع «إعلان المبادئ» والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. ثم إنه كان بين عامي 1993 و1995 مديراً للمعهد النرويجي للعلوم الاجتماعية التطبيقية، مركزاً على مسوح الظروف المعيشية في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.

بطاقة هوية

ولد غير أوتو بيدرسن في العاصمة النرويجية أوسلو، يوم 28 سبتمبر (أيلول) من عام 1955، أي أن عمره اليوم 64 سنة. ولقد تلقى تعليمه فيها، وهو يحمل درجة الماجستير في التاريخ. أما على الصعيد العائلي، فهو متزوج وأب لخمسة أولاد.
بدأ العمل في وزارة الخارجية النرويجية عام 1985، ورقي عام 1997 ليصبح رئيس دائرة في الوزارة. وهو اليوم يسير على خطى عدد كبير من الدبلوماسيين الذين عملوا في مهام مختلف مع منظمة الأمم المتحدة، مع الإشارة إلى أن الأمين العام الأول للمنظمة كان النرويجي تريغفي لي (1896 - 1968)، الذي تولى منصب الأمانة العامة بين 1946 و1952 عندما خلفه دبلوماسي اسكندنافي آخر هو داغ همرشولد.

تعيينه للمهمة الحالية

يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، أعلن أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة عن قرار تعيين بيدرسن، موفداً خاصاً له وللمنظمة الدولية وجامعة الدول العربية لمعالجة الأزمة السورية، وذلك خلفاً للدبلوماسي الإيطالي – السويدي ستافان دي ميستورا الذي كان قد تولى المهمة في يوليو (تموز) 2014. وبالفعل، حصل التسلم والتسليم بين الرجلين في مطلع العام الحالي، وبذا ورث بيدرسن عبئاً ثقيلاً لم ولا يخفف منه فشل المنظمة الدولية، أولاً في وقف القتال في سوريا، وثانياً في فرض تسوية حقيقية مبنية على مخرجات مفاوضات جنيف الأولى عام 2012. ثم مفاوضات جنيف الثانية عام 2014، وهي ما عُرف لاحقاً بـ«مسار جنيف».
التطورات والمبادرات والتصعيد
«مسار جنيف» الذي ارتبط بمساعي كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة أبصر النور كجملة من المبادرات والخطط الهادفة إلى تسوية النزاع الذي تفاقم بعد الانتفاضة الشعبية على نظام الرئيس بشار الأسد في مارس (آذار) 2011 في سياق الانتفاضات المشابهة التي شهدتها كل من تونس ومصر واليمن وليبيا. وكان واضحاً من البداية، ولا سيما، بعدما اختار النظام سلاح القوة المفرطة مواجهة الانتفاضة التي بدأت في مدينة درعا بمنطقة حوران في أقصى الجنوب السوري.
استمر القمع الممنهج، واتسع مع اتساع رقعة الاحتجاجات التي تحولت إلى انتفاضة مسلحة بعد انشقاق عناصر من الجيش السوري وتوافد متطوعين ومسلحين من خارج سوريا للمشاركة في المواجهات، منضمة إلى الفريقين... أي قوات النظام وقوى الانتفاضة – أو الثورة – ومعها المنشقون عن الجيش، الذين أسسوا في حينه «الجيش السوري الحر».
الولايات المتحدة باشرت بفرض عقوبات على النظام ثم جمدت أرصدة الحكومة، في حين وقفت روسيا مع الأسد منذ البداية، معتبرة أن ما تشهده مؤامرة تنفذها جماعات إرهابية. وتجسد الموقف الروسي الداعم للنظام عملياً لأول مرة عندما استخدمت روسيا ومعها الصين حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يطالب النظام بالوقف الفوري لأعمال القمع المسلح. وتكررت الفيتوهات الروسية والصينية لاحقاً دعماً للقمع، ثم تصعيد القمع. أما على الصعيد العربي فقد اتخذت جامعة الدول العربية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 قراراً بتعليق عضوية سوريا في الجامعة.
ومع تكرار روسيا والصين استخدام «الفيتو» داخل الأمم المتحدة، وتصاعد القمع ضد المدنيين، أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في دمشق خلال الأسبوع الأول من فبراير (شباط) 2012. ويوم 16 فبراير التقى الأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي أنان الذي بات موفداً خاصاً لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة بممثلي النظام والمعارضة السوريين في تركيا وبحث معهم إنهاء العنف وإطلاق المحتجزين والمسجونين. وفي أبريل (نيسان) عقد اجتماع في إسطنبول بتركيا لمجموعة «أصدقاء سوريا» اعترفت فيه رسمياً بـ«المجلس الوطني السوري» ممثلاً شرعياً للشعب السوري.
غير أنه وسط تفاقم العنف، أعلن أنان تنحيه عن مهمته، كما انشق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب وانضم للمعارضة، التي عجلت من إجراءات تنظيم مؤسساتها وتجمعاتها بالتوازي مع تصاعد القتال وحدة الانقسام الدولي. ويوم 26 سبتمبر (أيلول) أعلن وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أن لدى واشنطن دلائل على استخدام النظام أسلحة كيماوية ضد المناطق المدنية، وفي الشهر التالي زار السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين مناطق سيطرة المعارضة داخل سوريا. ثم في شهر يونيو (حزيران) أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن نظام الأسد «تجاوز الخطوط الحمراء» في استخدامه السلاح الكيماوي ضد خصومه الذين كانوا يناشدون واشنطن دعمهم بالسلاح لمواجهة الدعم الروسي للنظام، ناهيك من تدخل الميليشيات التابعة لإيران في القتال بجانب قوات النظام. غير أن بيان «الخطوط الحمراء» لم يعقبه أي إجراء فعال من قبل إدارة أوباما، ومع هذا الموقف... تصاعدت ثقة القوى الداعمة للنظام بأن واشنطن لن تفعل شيئا مؤثراً على الأرض لدعم المعارضة.

آستانة بديلاً لجنيف

نتيجة تراجع واشنطن عن معاقبة النظام، في أعقاب رفض البرلمان البريطاني تأييد لندن التدخل العسكري ضد الأسد، شجعت موسكو على تعزيز الجسر الجوي التسليحي لقوات النظام والعمل سياسيا على نسف «مسار جنيف» الداعي ضمن ما دعا إليه إلى «مرحلة انتقالية» بعد تغيير السلطة في دمشق. والحقيقة أن موسكو رفضت أصلاً كل مُخرجات جنيف، لكن إحجام واشنطن عن اعتماد الحسم، دفع الروس للاستعاضة عن «مسار جنيف» بمبادراتها الخاصة التي تجسدت في مسارين بديلين هما «مفاوضات آستانة» بشراكة إيرانية - تركية ثم «مفاوضات سوتشي».
ومع إعلان الولايات المتحدة، مجدداً، أن هدفها إزاء سوريا بات التصدي لخطر إرهابيي «داعش» الذين ظهروا فجأة في الساحة السورية وتمددوا ودمروا وجعلوا من مدينة الرقة لفترة من الزمن عاصمة لهم، صعدت موسكو من حضورها العسكري، فبات في خريف 2015 حضوراً مباشرا ثم مشاركة فعلية في القتال... أيضاً بحجة قتال «الجماعات الإرهابية المتطرفة». وعام 2016 ساعد الروس قوات النظام على السيطرة على مدينة حلب، وبعد ذلك أكملوا دعمه للسيطرة على كامل منطقتي الغوطة ووادي بردى.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».