معرض «بيكاسو والأسرة»... مفهوم النواة العائلية بريشة فنان عالمي

تستضيفه بيروت في 20 لوحة بعضها يعرض للمرة الأولى

زوار يقفون أمام لوحة «الفتاة الحافية» لبيكاسو أثناء عرضها بمتحف سرسق ببيروت أمس (أ.ف.ب)
زوار يقفون أمام لوحة «الفتاة الحافية» لبيكاسو أثناء عرضها بمتحف سرسق ببيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

معرض «بيكاسو والأسرة»... مفهوم النواة العائلية بريشة فنان عالمي

زوار يقفون أمام لوحة «الفتاة الحافية» لبيكاسو أثناء عرضها بمتحف سرسق ببيروت أمس (أ.ف.ب)
زوار يقفون أمام لوحة «الفتاة الحافية» لبيكاسو أثناء عرضها بمتحف سرسق ببيروت أمس (أ.ف.ب)

أن تلتقي بريشة الفنان العالمي بيكاسو شخصياً بعيداً عما سبق وخزنته ذاكرتك من كتاب أو مجلة يتناولان لوحاته، لهي محطة استثنائية يتيحها «متحف سرسق» لزواره في بيروت ضمن معرض «بيكاسو والأسرة».
ففي حدث يعتبر الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، تم افتتاح هذا النشاط الثقافي الذي يجري بالتعاون ما بين «المتحف الوطني (بيكاسو)» في باريس و«متحف سرسق»، وبدعم من وزارة الثقافة اللبنانية. وبمنحة سخية من دانييل إدغار دي بيتشيوتو ودعم سيريل كاراوغلان، أتيحت الفرصة أن يرى هذا المعرض، النور في لبنان مقدماً 20 لوحة لبيكاسو بعضها يعرض للمرة الأولى. ويستمر هذا المعرض فاتحاً أبوابه مجاناً أمام الزوّار لغاية 6 يناير (كانون الثاني) من عام 2020.
وضمن شروط دقيقة طبّقها بحذافيرها القيمون على «متحف سرسق»، وتتعلق بالمواصفات التقنية اللازمة التي يجب أن تراعي معرض أعمال الفنان العالمي، انكب فريق عمل ضخم من «متحف سرسق» من ناحية و«متحف بيكاسو باريس» من ناحية ثانية للقيام بهذه الخطوة على أكمل وجه. ويأتي هذا المعرض من ضمن جولة عالمية انطلقت منذ عام 2017 بمناسبة مرور 100 عام على رحلة الفنان الإسباني الأصل إلى إيطاليا في عام 1917. وجال هذا المعرض على نحو 70 مركزاً ثقافياً شملت 10 بلدان أجنبية، بينها اليونان وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من المدن التي استقر فيها الفنان لفترات قصيرة تحت عنوان «بيكاسو والشرق الأوسط».
أما أهمية هذا المعرض، فتكمن في استضافته لوحات وأعمالاً للفنان الراحل لم يسبق أن عرضت من قبل. فالموضوعات التي تلقفتها معارض سابقة في بلدان أخرى تنوعت وحملت عناوين مختلفة كـ«بيكاسو والمسرح» و«بيكاسو باستيل» وغيرها.
«إنها المرة الأولى التي تستضيف فيها بيروت معرضاً لبيكاسو. وهو رمزية للعلاقة الوطيدة التي تربط ما بين فرنسا ولبنان»، يقول لوران لوبون مدير «المتحف الوطني بيكاسو» في باريس. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ومن يعرف أعمال بيكاسو جيداً سيلاحظ وجود لوحات ورسومات لم يسبق أن شاهدها من قبل. كما ستتاح لزائر المعرض أن يتعرف إلى لوحات من مجوعة بيكاسو les Picasso de Picasso) )، التي كان يحتفظ بها شخصياً في محترفه الخاص». وعن الإجراءات التي اتبعت في سياق تنفيذ هذا المعرض على أرض لبنان، يرد لوبون في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد عملنا على إقامة هذا المعرض بالشروط المتبعة نفسها في أي معرض آخر أقمناه في بلدان أخرى. والتزمنا سلامته مع شركات تأمين، التي لا تحمل مبالغ خيالية، لا سيما وأن مدام بيتشيوتو ساعدتنا كثيراً في هذا الموضوع».
كان «متحف سرسق» قد دعا أهل الصحافة والإعلام إلى القيام بجولة في المعرض قبل موعد افتتاحه الرسمي بساعات قليلة، كي يتسنى لهم الاطلاع عن كثب على محتوياته. وجرت بإشراف رئيسة بعثة «متحف بيكاسو» في باريس كاميليا فراسكا وياسمين الشمالي رئيسة مجموعة «متحف سرسق».
وتقول زينة عريضة مديرة المتحف، خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «يحمل هذا المعرض أهمية كبيرة لأسباب عديدة، فهو إلى جانب كونه الأول من نوعه في لبنان. فإنه يشكّل محطة مهمة في تاريخ لبنان و(متحف سرسق) معاً، وليتوج مساراً طويلاً بذله هذا الأخير في إرساء الفنون على المستوى المطلوب. فهو يساهم في رفع اسم متحفنا ليصل العالم، لا سيما وقد توفّرت فيه الشروط التقنية المطلوبة لإقامة هذا المعرض من نسبة رطوبة وحرارة معينيتين، ومروراً بفريق متخصص تعاون في المناسبة مع فريق عمل (المتحف الوطني بيكاسو) الفرنسي. كما أنه يختصر المسافة أمام اللبنانيين الذين حلموا بمشاهدة أعمال بيكاسو عن قرب، بعد أن وفّر عليهم عناء السفر». وعما إذا هناك من مشروعات مستقبلية أخرى بهذا المستوى سيشهدها المتحف، توضح عريضة في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لقد سبق وأقمنا معرضًا للعالمي رودان، كما نعرض لفنانين لبنانيين تركوا بصمتهم على الساحة. ولا شك بأن هناك عالميين تأثر بهم رسامون وفنانون من لبنان نبحث في استضافة أعمالهم في (متحف سرسق)، كي نفتح باب تحاور فني جديد بين الجيلين».
ومع لوحة معروضة لبيكاسو بعنوان «الفتاة الصغيرة حافية القدمين»، تبدأ جولتك في «متحف سرسق». ويتطلّب الأمر منك لحظات قليلة كي تستوعب أنك تشاهد لوحات بيكاسو في لبنان، وليس في «5 دي توريني» وسط باريس، حيث يقع «متحف بيكاسو» في مبنى فندق ساليه(Hotel sale) ، وينقسم المعرض إلى أربعة أجزاء: الانطلاقة، واضطرابات، وألعاب، وعائلات خيالية، لتأتي بمثابة عودة زمنية إلى الوراء مع أعمال الفنان العالمي منذ بداياته في عام 1895 ولغاية نهاياته في عام 1973.
وتعدّ اللوحة المذكورة من أوائل أعمال بيكاسو عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، وتعبّر عن الفقر ونقله ضمن بورتريه حقيقي لفتاة مشردة.
وبعدها ننتقل إلى لوحات أكثر حميمية، وتتناول حياة الفنان الأسرية خاصته، وتمثل والدته وشقيقته تعملان في التطريز و«امرأتان وطفل: وجه» رسمهما بالألوان المائية والحبر والغواش وقلم غرافيت على الورق.
ولتأخذنا لوحة «قراءة الرسالة» التي لم يسبق أن عرضت في حياة بيكاسو إلى رسم يجسد لحظة يتشاركها شابان يقرآن رسالة عند قارعة الطريق. فتبرز فيها الأحجام وطيّات الملابس والظلال في ديكور قاحل مؤلف من صخور وضوء أزرق. وفي منحوتاته «الثنائي» و«جذع امرأة» و«الهر» نذهب مع أحد أهم رواد الفن الحديث إلى تأملات بمشاعر ترجمها بيكاسو بفن النحت مختزلاً فيها الفن التعبيري. وهي مطبوعة بلحظات العناق تارة، ومن ملامح ماري تيريز والتر التي التقاها في باريس في عام 1927، وصارت موديلاً يستوحي منها رسومه بعد أن أغرم بها. أما في منحوتة «الهر» فهي تأتي من ضمن أعماله الفنية التي أنجزها خلال الحرب العالمية الثانية للإشارة إلى عنف الواقع.
وفي قسم «عائلات خيالية» من المعرض، نشاهد مجموعة لوحات أنجزها بيكاسو ما بين 1969 و1972 عندما استقر في مدينة موجان الفرنسية. وتبرز فيها مجموعة من الشخصيات التي تؤلف عائلات منوعة وخيالية. وهي تشمل عائلة البستاني في حديقته وعائلة فنان المحفورات بيارو كروملينك وعمل معه لسنوات عدة. فيما تتضمن أخرى استلهمها الرسام العالمي من الرسام أنغر والكاتب بالزاك وعائلات أسطورية استوحاها من قراءات وأفلام. ومن بين هذه اللوحات المعروضة في متحف سرسق «الفارس الملكي والطفل» و«يوم الأحد» و«رجل وامرأة» و«الأمومة» و«الرسام والطفل» و«العناق» وغيرها.
وفي قسم «ألعاب»، نتابع مسار أعمال استوحاها بيكاسو من ولديه كلود وبالوما من زوجته الثانية الرسامة فرنسواز جيلو. فابتكر ألعاباً مستخدماً فيها مختلف أنواع المواد التي وقع عليها في محترفه. وتبنى فيها دور ربّ الأسرة المفتون بالأبوّة. ويجسد فيها لحظات اللعب والترفيه الإبداعي والمنزل العائلي من الداخل. ونتبين فيها لوحات «المرأة والطفل» و«المرأة الحبلى الحالة الثانية» و«فرنسواز وكلود وبالوما» و«أم تلعب مع أطفالها».
ويأخذك معرض «بيكاسو والأسرة» في رحلة «بيكاسو سيرة مصورة»، وتتضمن صوراً فوتوغرافية مأخوذة له منذ ولادته في عام 1881 تظهره في أعمار تتراوح ما بين الـ10 والـ15 عاماً مع والديه، مروراً بمحطات دراسية له في عمر العشرينات، ووصولاً إلى مرحلة زواجه من الرسامة فرنسواز جيلو وولادة ولديه كلود وبالوما. والمعروف أن لبيكاسو مغامرات جمّة مع النساء، إلا أنه تزوج مرتين فقط. ففي المرة الأولى ارتبط براقصة الباليه الروسية أولغا كوكلوفا ورزق منها بولده باولو. فيما رزق من الثانية فرنسواز جيلو بولديه كلود وبالوما. وكان له ابنة ثانية (مايا) من حبيبته ماري تيريز والتر.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض