تقليل من تلويح عون بالتفاوض مع دمشق

النظام يفرض قيوداً أمنية على عودة النازحين ولا بوادر لتبدل موقفه

جانب من اجتماع مجلس الوزراء اللبناني أمس (دالاتي ونهرا)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء اللبناني أمس (دالاتي ونهرا)
TT

تقليل من تلويح عون بالتفاوض مع دمشق

جانب من اجتماع مجلس الوزراء اللبناني أمس (دالاتي ونهرا)
جانب من اجتماع مجلس الوزراء اللبناني أمس (دالاتي ونهرا)

لم يتفاجأ الوسط السياسي اللبناني بتلويح رئيس الجمهورية ميشال عون، في الخطاب الذي ألقاه من منبر الأمم المتحدة، بالتفاوض المباشر مع النظام في سوريا، لتأمين عودة النازحين إلى بلادهم، متجاوزاً المجتمع الدولي.
وسبق أن لمح عون في أكثر من مناسبة برغبته في التفاوض؛ خصوصاً في أعقاب وصول المبادرة الروسية لتحقيق عودة النازحين إلى طريق مسدود، رغم أن موسكو تدرس حالياً إمكانية تعويم مبادرتها. ولفت مصدر وزاري إلى أن موقف عون «وإن كان توجّه في مخاطبته المجتمع الدولي بنبرة عالية غير مسبوقة، في سياق تركيزه على التكلفة الاقتصادية والمالية والأمنية للنزوح، فهو ضروري في ظل الحاجة إلى حل لعدم قدرة لبنان على تحمُّل أعباء هذا النزوح».
وأوضح أن «مجرد وجود الرئيس على رأس الوفد اللبناني إلى نيويورك يحتّم عليه تسليط الضوء على أزمة النزوح السوري، باعتبارها واحدة من كبرى الأزمات، تستدعي وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وصولاً إلى مطالبته بأن يكون له دور في وضع خطة لعودة النازحين».
وأكد المصدر الوزاري أن تلويح عون بالتفاوض مباشرة مع النظام في سوريا «لن يلقى معارضة من خصوم الرئيس السوري بشار الأسد، سواء أكانوا في الحكومة أم خارجها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن خصوم الأسد في لبنان «لا يربطون عودة النازحين بالتفاهم على الحل السياسي في سوريا، وبالتالي إذا نجح عون في إقناع نظيره السوري بضرورة عودتهم، فإن جميع المكوّنات السياسية ستؤدي له التحية وتدين له بهذا الإنجاز».
ورأى أنه «لا مبرر للدخول من الآن في سجال مع رئيس الجمهورية، على خلفية تلويحه بالتفاوض، في ضوء إخفاق المجتمع الدولي من وجهة نظره في إعادتهم»، معتبراً أن «مجرد الانجرار إلى فتح سجال حول مبدأ التفاوض سيُظهر المعارضة أمام الرأي العام اللبناني بأنها ليست راغبة في عودتهم، وبالتالي ستعطي خصومها ورقة سياسية تستخدمها ضدها، وتقحمها في لعبة المزايدات الشعبوية».
وسأل المصدر الوزاري: «ما المانع من التفاوض؛ خصوصاً أن فريق عون الوزاري لم ينقطع عن التواصل مع كبار المسؤولين السوريين، ومعه الفريق الذي يمثل في لبنان محور الممانعة المدعوم من إيران والنظام في سوريا، علماً بأنه سبق لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب أن زار دمشق مراراً لهذه الغاية، من دون أن يتوصل إلى تفاهم على آلية لتنظيم عودتهم، مع أنه تجاوز اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري المعنية بهذا الملف». وتساءل عما إذا كان التوجّه الرئاسي للتفاوض مع النظام في سوريا «يشكل الخيار البديل للدور الذي يلعبه في هذا الخصوص المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بالتنسيق مع المفوضية» العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة.
ولفت إلى أن «اللواء إبراهيم نجح في إعادة عشرات الألوف من النازحين إلى بلداتهم وقراهم، وإن كانت هذه العودة تقتصر في غالبيتها على النساء والأطفال والمسنين، ولا يزال شمولها للشبان محدوداً ورمزياً».
لكن أعداد العائدين لا تزال متضاربة، ويتوقف التدقيق فيها على ما يصدر عن الأمن العام؛ خصوصاً في ضوء التفاوت الكبير، تحديداً بين رئيس الجمهورية الذي أعلن من منبر الأمم المتحدة أن عددهم وصل إلى 370 ألف نازح، ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، الذي قال في لقاءاته غير الرسمية في واشنطن إن العدد بلغ 200 ألف نازح.
والتفاوت في أرقام العائدين بحسب المصادر الوزارية، لا يخفي الطريقة التي تتعاطى بها الأجهزة الأمنية في سوريا مع اللوائح المرفوعة إليها من الأمن العام اللبناني للتدقيق في أسماء الراغبين في العودة، إذ تفرزها السلطات السورية إلى 3 فئات، الأولى يُسمح لها بالعودة فوراً، والثانية ممنوعة من العودة حتى إشعار آخر، فيما الثالثة تبقى معلّقة إلى حين التدقيق بالأسماء الواردة فيها.
هذا بخلاف أن وقوف جميع الأطراف خلف الرئيس عون في التفاوض لعودة النازحين لا يعني أن مجلس الوزراء سيوافق على تطوير مبدأ التفاوض بتشكيل لجنة وزارية تتولى متابعته مع لجنة وزارية سورية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن تشكيل لجنة وزارية «ليس مطروحاً، ولم يسبق لرئيس الجمهورية أن طرح تشكيلها في مجلس الوزراء أو خارجه، باعتبار ألا مبرر لها طالما أن المهمة في هذا الشأن محصورة باللواء إبراهيم». وأوضح المصدر أن «الرئيس الحريري الذي كان أول من دعم المبادرة الروسية لعودة النازحين، ولعب دوراً في إطلاقها، ليس في وارده رفع مستوى التفاوض»، وهو يلقى دعماً من وزراء حزب «القوات اللبنانية» و«اللقاء النيابي الديمقراطي»، لأن مجرد البحث في مثل هذه الفكرة «يعني التسليم بلا شروط بتطبيع العلاقة مع نظام الأسد الذي لا يبدي حماسة لعودة النازحين».
ويتوقف المصدر نفسه أمام الأسباب الكامنة وراء المراوحة التي أدت إلى تجميد المبادرة الروسية، رغم التفاؤل الذي أظهره عون بعد القمة التي عقدها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. وتردد أن ترنّح المبادرة الروسية يعود إلى أمرين، الأول يتعلق بعدم تجاوب دمشق مع دعوة موسكو لتوفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية والضمانات الأمنية لعودة النازحين؛ خصوصاً الشباب منهم، واحتمال ملاحقتهم واستدعائهم لتأدية الخدمة العسكرية، رغم أن الروس يؤيدون تجميد التحاقهم بالجيش السوري.
أما الأمر الثاني فيعود إلى عدم تجاوب المجتمع الدولي مع بدء الشروع في إعادة إعمار سوريا، قبل نضوج الحل السياسي وبلورته، إضافة إلى رفضه «استضافة» من يود العودة في مخيمات للنازحين، بذريعة أن قراهم مدمّرة أو غير صالحة للسكن.
لذلك، فإن المبادرة الروسية تواجه الآن أكثر من مأزق، مع أن بعض المصادر شبه الرسمية في بيروت تتوقع قيام موسكو بتحرك عاجل يعيد الاعتبار إلى مبادرتها. وعليه، فإن تلويح عون بالتفاوض مع دمشق يبقى في إطار التداول الإعلامي، طالما أن النظام في سوريا باقٍ على قراره في فرض «تقنين» أمني يمنع السواد الأعظم من الشباب من الالتحاق ببلداتهم وقراهم.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.