سنوات السينما: الحرام

فاتن حمامة في «الحرام»
فاتن حمامة في «الحرام»
TT

سنوات السينما: الحرام

فاتن حمامة في «الحرام»
فاتن حمامة في «الحرام»

الحرام
• إخراج: هنري بركات
• مصر (1965)
• تقييم: (جيد)

حلال وحرام الفلاحة عزيزة
من بين كل ما قام المخرج المصري الراحل هنري بركات بتحقيقه من أفلام بطلتها الممثلة البديعة الراحلة فاتن حمامة، يقف «الحرام» نموذجاً لعلاقة من نوع خاص بين المخرج وبطلته. علاقة يستند فيها كل منهما إلى الآخر طمعاً في إنجاز الأفضل.
ليس أن فاتن حمامة لم تعمل مع مخرجين آخرين ذوي قدرة فنية وحنكة مهنية كبيرة، ولا أن بركات كان من المخرجين الذين لم يحققوا أفلاماً تثير الاهتمام من دون الاستعانة بفاتن حمامة، لكن الاثنين صنعا، في تاريخ السينما المصرية ومن بين أعمالهما المشتركة، هذا الفيلم الذي استطاع أن يعيش طويلاً وما زال يبدو لليوم كما لو أنه من صنع أمس قريب.
هذا مردّه إلى بساطة المنهج الذي يقوده بركات من ناحية عامداً إلى لغة تعبير رقيقة وصورة تلامس الواقع في الوقت الذي تزخر فيه المادة القصصية بمواقف متأزمة وصعبة. كذلك بسبب سهولة الفيلم في الوصول إلى مراتب المشاهدين مسجلاً القبول بين فئاتهم المختلفة.
اقتبس سعد الدين وهبة السيناريو من رواية يوسف إدريس حول المرأة القروية المتزوّجة التي تعمل في التراحيل (العمّال المنتقلين من ريف إلى آخر) والمتزوّجة من رجل يوقفه المرض عن العمل. تبقى عزيزة (فاتن حمامة) وحيدة في مشاقها تعمل خارج البيت وداخله وتحاول تأمين متطلبات الحياة التي، على بساطتها، صعبة وغير متوفرة. كل هذا الوضع هو خلفية يمهد لها الفيلم لما سيقع فيما بعد.
في إحدى الليالي تتعرض عزيزة للاغتصاب من قِبل صاحب حقل رآها تحاول قطف البطاطا. لم تكن البطاطا ولا سرقتها ما أثاره، بل الفرصة المواتية للانقضاض على الفلاحة وإشباع نهمه. الحادث غير موقوت في عالمها يضع تلك المرأة في مواجهة مباشرة على أكثر من جبهة: الآن هي حامل وعليها أن تداوم العمل لكي تعيش وتعتاش، وعليها أن تخفي ما في بطنها لكي تفعل ذلك. لاحقاً ستواجه الوضع الأقسى: عليها أن تلد ما في بطنها ثم تتساءل عن مستقبله ومستقبلها معاً. إذ تختار أن تتخلص منه تفتح الباب، من حيث لا تدري، على نهايتها هي. لقد تم العثور على الجنين لتبدأ التحريات لمعرفة من هي المرأة التي قتلت طفلها. الحل الماثل أمام عزيزة، في الرواية كما في الكتاب، هو أن تنتحر عزيزة، وبذلك تنهي سلسلة عذاباتها.
يمكن بسهولة إرجاع فيلم «الحرام» إلى تلك الأعمال التعاطفية التي عادة ما تستدعي قبول الجمهور العريض وتبنيه قضية بطلها البؤس والتباين الاجتماعي والإقطاعي. لكن في هذا الانتماء المبرر تكمن مشكلة ما إذا كان فيلم بركات سعى بالفعل لرفع القيمة الفنية لفيلمه ذاك، أو اكتفى بسرد حكاية مؤثرة تدين المجتمع والتفاوت بين مالكي الأراضي والفلاحين وما تعرضت إليه بطلة الرواية - الفيلم من إجحاف وبؤس.
الجواب هو أن القيمة الفنية هي من تلك التي تتسرب طبيعياً عبر الفيلم وعلى مختلف أصعدته. هناك النص الجيد ليوسف إدريس والفحوى الاجتماعية التي يحافظ عليها كاتب السيناريو، والتمثيل الممتاز لفاتن حمامة تجسيداً للقضية التي تنتقد ما هو الحرام وما هو الحلال عندما يكون الفرد الواحد ضحية غير قادرة على التصرف حيال تراث من التقاليد التي تواجهها وحيال جبل من الظروف غير المواتية.
بعض النقاد المصريين وصفوا هنري بركات بأنه جورج كيوكر السينما العربية. مرد ذلك أن كيوكر كان من بين أفضل وأشهر من تعامل مع الممثلات (إلى درجة أن كلارك غايبل رفض أن يقوم كيوكر بإخراج «ذهب مع الريح» كما كان مقرراً). بركات بدوره لديه تاريخ طويل في هذا المضمار وفيلمه «الحرام» أهم ركن فيه.


مقالات ذات صلة

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يوميات الشرق أحمد عز في لقطة من فيلم «فرقة الموت» (الشرق الأوسط)

أربعينات القرن الماضي تجذب صناع السينما في مصر

يبدو أن سحر الماضي دفع عدداً من صناع السينما المصرية إلى اللجوء لفترة الأربعينات من القرن الماضي بوصفها مسرحاً لأحداث أفلام جديدة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجان القاهرة السينمائي لتنظيم ورش على هامش دورته الـ45 (القاهرة السينمائي)

«القاهرة السينمائي» يدعم صناع الأفلام بالتدريبات

أعلن «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» عن تنظيم مجموعة متخصصة من الورش لصنّاع الأفلام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج معتز التوني يتوسط وأمينة خليل فريق العمل خلال العرض الخاص بالقاهرة (الشركة المنتجة)

«X مراتي» فيلم مصري جديد يراهن على «الضحك» فقط

يرفع الفيلم المصري «X مراتي» شعار «الضحك للضحك» عبر كوميديا المواقف الدرامية التي تفجرها قصة الفيلم وأداء أبطاله.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق  الحدث يهتم بالتنوّع البيولوجي والسينما (مهرجانات ريف)

انطلاق «مهرجانات ريف»... ومشكلات بيئة جنوب لبنان في الصدارة

تُعدّ «مهرجانات ريف» المُقامة في بلدة القبيات، الوحيدة لبنانياً التي تتناول موضوعات البيئة، فتضيء على مشكلاتها وتزوّد روّادها بحلول لمعالجتها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حورية فرغلي (إنستغرام)

حديث حورية فرغلي عن حياتها الشخصية يلفت الانتباه في مصر

لفتت الفنانة المصرية، حورية فرغلي، الانتباه في مصر بعد حديثها عن تفاصيل في حياتها الشخصية، والسبب الذي لأجله قالت إنها «تمنت الموت».

محمد الكفراوي (القاهرة )

شاشة الناقد: جزء رابع من مغامرات إيدي مورفي في بيڤرلي هيلز

«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)
«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)
TT

شاشة الناقد: جزء رابع من مغامرات إيدي مورفي في بيڤرلي هيلز

«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)
«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)

BEVERLY HILLS COP: AXEL F ★★

جزء رابع من مغامرات إيدي مورفي في بيڤرلي هيلز

«الفورميلا» التي يعتمدها الجزء الرابع من «شرطي بيڤرلي هيلز» لا تختلف عن تلك التي اعتمدتها الأجزاء السابقة (1984 و1987 و1994) من هذا المسلسل. لا يمكن أن تختلف، لأن السائد في الأفلام الجماهيرية هو أنه إذا ما كان العمل السابق ناجحاً بشروطه ومزاياه فلا داعي لتغييره.

هذا يفوّت على صانعي الفيلم فرصة الابتكار ويحدّد للكتّاب وللمخرج ما يستطيعون وما لا يستطيعون فعله في إطار أي جزء لاحق. يدفعهم للبقاء في الفكرة نفسها حتى لو تكرّرت وجاءت مستهلكة.

«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف» ينقاد لمثل هذه المعاملة. في الأساس هو تكرار لفكرة الشرطي الأسود أكسل فولي (إيدي مورفي) الذي يعمل في مدينة ديترويت، لكن تعرّض ابنته جين (تايلور بايج) للخطر يدفعه للسفر إلى لوس أنجليس وشوارع بيڤرلي هيلز المرفهة واستئجار غرفة في فندق بسعر يقارب الألف دولار في اليوم. من قال إن رجال القانون يتقاضون بالكاد ما يكفي لتدبير شؤون معيشتهم؟

الحاصل أن ابنته تتولّى الدفاع عن شاب متهم بالقتل وتجارة الممنوعات، لكنها متأكدة من براءته لذلك تنوي «العصابة» أن تردعها ومن ثَمّ تحاول قتلها لأنها تختار ألّا تستجيب لتهديداتهم. إذ يهب والدها للمساعدة (من دون علمها) تتسع الدائرة صوب المعهود: هناك فساد في بوليس المدينة يتقدّمه كابتن غرانت (كَڤن باكون) الذي يرأس تلك العصابة والذي يتحدّث كذلك بلغة واقعية عندما يشكو من أن ما يتقاضاه من سنوات خدمته الطويلة لا يوازي ما يجنيه من عملية كوكايين واحدة. كان عليه أن يسأل كيف يستطيع غريمه فولي دفع فواتير فندق من خمس نجوم من دون أن يضطر للتجارة بالممنوعات.

تطالعنا النهاية منذ البداية لأن هذا الخط الرئيسي لا بد أن يمر عبر تلك الانحناءات والالتواءات المعهودة. إنه كما لو كنت تقود سيارتك للبيت الكامن في تعرّجات هضاب لوس أنجليس وتعرف طريقك جيداً.

يختلق الفيلم علاقة مضطربة بين الأب وابنته، لكن لا شيء جديداً في ذلك أيضاً، كون الدارج هذه الأيام هو عرض مثل هذه العلاقات بهدف تعميق الحبكة وصرف بعض الوقت في الحديث عن كيف أهمل أب ابنته (أو ابنه) وكيف يواجَه بالصّد عندما يحاول التقرّب وطي صفحة الماضي. عبارات مثل «لم أركَ منذ سنوات بعيدة والآن تتذكرني»، تَرِد في تلك الأفلام وترد هنا. في الواقع استهلاك هذا الوضع هو كل البطانة التي لدى هذا الفيلم، وهو يشتغل عليها رغم أن المُشاهد يعرفها ككفّ يدٍ ويعرف كيف ستؤول إلى تقارب متجدّد.

نجم الفيلم طبعاً هو بطله إيدي مورفي. لا تزال لديه تلك الطريقة الجذّابة في الأداء الخفيف، لكن الكتابة لا تؤازره على عكس ما كان الحال عليه فيما سبق.

* عروض: حالياً على «نتفليكس»

PIERCE ★★★

تشويق نفسي عن أم وولديها وأعباء عاطفية

خرج هذا الفيلم التايواني - السنغافوري المشترك بجائزة أفضل مخرج مُنحت لنيلسيا لاو في فيلمها الأول، وذلك في أعقاب دورة ناجحة أخرى لمهرجان «كارلوڤي ڤاري»، الذي ختم أعماله في السادس من هذا الشهر.

من فيلم «بيرس» (بوتوكول)

يتناول الفيلم، الذي شوهد بإذن خاص من شركة توزيعه، حكاية عائلية القوام تتألف، أساساً، من أم لولدين شابّين. الأم آي لينغ (تؤديها دينغ نينغ) التي تهوى أغاني مطلع الستينات وتقوم بأدائها من حين لآخر. ابنها جاي (ليو سيو-فو) هو أصغر ولديها. الثاني هان (تساو يو-نينغ) أمضى عقوبة سجن لتسببه في قتل مبارز بالسيف. دافع عن نفسه بأن الحادث وقع خلال التدريبات ولم يكن مقصوداً، لكن ذلك الدفاع لم ينفعه. يفاجأ جاي بعودة شقيقه بعدما أُفرج عنه قبل سنوات من انتهاء فترة العقوبة. اللقاء الأول بينهما لا يمكن وصفه بالفتور بل بالجمود. هذا رغم أن هان يحب شقيقه وجاي كان يراه نموذجاً يقتضى به وهو أمَّ مدرسة تدريب على رياضة السيف تيمّناً به.

من هنا وصاعداً، بلورة علاقة حذرة وذات وصل نفسي بين الاثنين. من بين تبعات هذه العودة المفاجئة أن الأم كانت عانت من شعورها بالخجل كون ابنها دخل السجن بصرف النظر عما إذا كان يستحق أم لا. تغني في بعض المرابع وهناك رجل يحاول التقرّب منها والوقت الآن ليس وقت تبرير وتعريف لغريب لا تريد التخلي عنه في مثل سنّها المتقدّمة.

تحكي المخرجة فيلمها بتأنٍ غير عفوي. تريد أن تدفع بعناصر حكايتها الدرامية عميقاً في داخل المشاهد، وفي هذا النطاق تنجح في إثارة الاهتمام على الرغم من أن الموضوع الداكن الذي تتطرق إليه لا يؤسس تفاعلاً بالقدر نفسه الذي نراه في أفلام زملاء تايوانيين لها مثل هاو سياو-سيين، ويو شان تشن من بين آخرين.

منحى المخرجة في التنفيذ كلاسيكي يقترب من الروتينية، مثل تلك المشاهد التي تجمع بين الشقيقين يتبادلان فيها نظرات تريد التعبير عن المكنونات، لكنها لا تنجح دائماً. ومثل بعض المشاهد التي تعتقد المخرجة بأنها لافتة (كمشهد دوران الكاميرا ببطء حول طاولة طعام مستديرة ملتقطة من عليها)، لكن المدلولات المفترضة لا تلتقي والتقنيات المستخدمة دوماً.

* عروض: مهرجان كارلوڤي ڤاري

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز