السيناريوهات الركيكة وتراجع الحرفية وراء ضعف الكوميديا المصرية

نقاد: الاعتماد على «الإفيه» من أبرز الأسباب

بوستر فيلم «خيال مآتة» للفنان أحمد حلمي
بوستر فيلم «خيال مآتة» للفنان أحمد حلمي
TT

السيناريوهات الركيكة وتراجع الحرفية وراء ضعف الكوميديا المصرية

بوستر فيلم «خيال مآتة» للفنان أحمد حلمي
بوستر فيلم «خيال مآتة» للفنان أحمد حلمي

يؤكد نقاد وصناع سينما وتلفزيون مصريون تراجع الكوميديا في مصر، بعدما كانت تتصدر نسب المشاهدات في موسم شهر رمضان التلفزيوني، وإيرادات المواسم السينمائية المختلفة على مدار العام. ويرجع البعض سبب هذا التراجع إلى السيناريوهات الركيكة والنص الضعيف والاعتماد على «الإفيه» وليس المواقف.
وجاء فيلم «خيال مآتة» للفنان الكوميدي أحمد حلمي في المركز الثالث بموسم أفلام عيد الأضحى الأخير في شباك الإيرادات، بعد أفلام درامية واجتماعية «الفيل الأزرق 2» و«ولاد رزق 2»، حيث كسر الفيلم الأول حاجز الـ6 ملايين دولار أميركي لأول مرة في تاريخ السينما المصرية قبل عدة أيام، ويسعى الثاني لبلوغ هذا الرقم خلال الأيام المقبلة.
ويفسر الناقد الفني طارق الشناوي سبب تراجع الكوميديا في السنوات الأخيرة بعدم وجود كوميديان جماهيري. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بدءاً من نجيب الريحاني ثم فؤاد المهندس، ومحمد عوض، وعبد المنعم مدبولي، ثم عادل إمام، وسمير غانم، مروراً بمحمد هنيدي، وعلاء ولي الدين، وأخيراً أحمد حلمي ومحمد سعد، سنجد أن كل كوميديان منهم حقق طفرة في فترة ثم تعثر بعدها ولم يستطع أن يزهو مرة أخرى».
مشيراً إلى أن «ذروة أعمال الفنان محمد هنيدي الكوميدية دامت نحو 5 سنوات منذ فيلم (إسماعيلية رايح جاي)، وصولاً لـ(صاحب صاحبه)، محمد سعد كذلك برز بـ(اللمبي) ثم انكسر بتكرار نفسه... وهو ما ينطبق على أحمد حلمي، كما كانت هناك محاولات من أحمد مكي لكنها فشلت سريعاً على مستوى السينما».
ويوضح أنه «منذ عام 2007 لم يظهر كوميديان قوي، حتى (مسرح مصر) الذي قدمه أشرف عبد الباقي ملأ الفراغ إلى حد ما، وأفرز فنانين جيدين مثل مصطفى خاطر ومحمد عبد الرحمن وويزو وأُس أُس وغيرهم، وحاول المنتجون الزج بهم لعمل بطولات، ولكن كلها محاولات لم تفلح في أن تخلق منهم نجوماً يتمتعون بجماهيرية كبيرة».
فيما يؤكد الشناوي أن «أحمد حلمي ما زال يتمتع بالقوة الكافية للاستمرار على عرش الكوميديا، رغم الضربة الأخيرة التي تلقاها بعد فيلمه (خيال مآتة) والذي كان مخيباً للآمال بقوة».
وحاول عدد من الفنانين المصريين خلال السنوات الماضية تقديم أعمال كوميدية جيدة، على غرار الفنان محمد عادل إمام، الذي قدم أعمالاً اجتماعية مغلفة بإطار كوميدي مثل «جحيم في الهند» و«البيه رومانسي» و«ليلة هنا وسرور»، واستطاعت تحقيق نجاح جماهيري لافت، بجانب بعض المسلسلات التي قدمها بالتزامن مع تلك الأفلام، لكن نقاداً لا يرون أن تلك المحاولات كانت كافية لاستعادة مجد الكوميديا التي تألق فيها والده «الزعيم» عادل إمام ببراعة.
ويرى المنتج والكاتب الكوميدي أحمد الإبياري، أن عدم الاعتماد على الكُتاب الخبرة، سبب تراجع الأعمال الكوميدية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كتابة الكوميديا تحتاج لموهبة متفردة، فالأهم هو الموهبة في الكتابة الكوميدية وخلق جمل حوارية ومواقف مؤثرة وهذا لا يأتي إلا بموهبة قوية في الكتابة، لكن حالياً بطل العمل يختار المؤلف الذي يكتب له العمل حسب مقاسه، وهذا خطأ فادح، فمهما كان البطل خفيف الظل ويحبه الناس، إلا أنه لا يستطيع أن يخلق كل الجمل الحوارية أو المواقف في إطار كوميدي».
ويضيف الإبياري أن «الكوميديا من أهم سماتها الاستمرار والبقاء، فالنص الكوميدي الجيد هو من يصنع النجم وليس العكس».
ورغم تراجع عدد الأفلام والمسلسلات الكوميدية في الآونة الأخيرة، فإن فيلم «البدلة» بطولة تامر حسني وأكرم حسني، نجح في تحقيق إيرادات ضخمة تجاوزت الـ4 ملايين دولار العام الماضي. فيما لم تحقق أفلام كوميدية أخرى أرباحاً مناسبة.
من جهته، يلقي الفنان الكوميدي طلعت زكريا باللوم على الفنانين الكوميديين الحاليين لأنهم يقدمون الضحك من وجهة نظرهم الشخصية بصرف النظر عما يعجب الجمهور، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الكوميديان هو فرد وسط الناس وعليه أن يحتك بهم ويناقش قضاياهم ولو فعل ذلك سيصبح عظيماً، أما الآن فالفنان يتصور أن أي جملة يقولها ستعجب الجمهور، وهذا غير حقيقي إطلاقاً، بدليل تراجع الكوميديا في المواسم الماضية بشكل ملحوظ، ففيلم (طباخ الرئيس) كان يناقش هموم الناس بمعالجة جديدة ومواقف كوميدية جيدة».
ويؤكد زكريا على أن «عدم وجود نص كوميدي قوي سيزيد تدهور صناعة الكوميديا في مصر، وخصوصاً في ظل اعتماد النجوم على مجهودهم الشخصي دون التركيز على وجود نص جيد يمثل إطاراً عاماً يحكم المسألة».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».