علي النعيمي.. مايسترو «أوبك»

«رجل الأرقام» قضى 68 عاما في رحاب صناعة النفط.. وشعاره دائما: «لا تقلق»

علي النعيمي.. مايسترو «أوبك»
TT

علي النعيمي.. مايسترو «أوبك»

علي النعيمي.. مايسترو «أوبك»

إذا كنت صحافيا وتريد الحصول على تعليق من وزير النفط السعودي علي النعيمي، فيجب أن تكون رياضيا حتى تتمكن من المشي بسرعة للحاق به.
وإذا تمكنت من اللحاق به، فهناك صيغتان للأسئلة من الأفضل أن تبتعد عنهما حتى لا تسمع أي إجابة. أما الصيغة الأولى للسؤال المهدر فهي تبدأ بجملة: «هل أنت قلق من..؟»، وأما الصيغة الثانية فهي تبدأ بـ: «ماذا لو..؟». في الغالب سيكون رد النعيمي على الصيغة الأولى للسؤال في صورة السؤال الاستنكاري التعجبي: «لماذا أقلق؟!» أو: «لماذا تريدونني أن أقلق؟!». أما الصيغة الثانية للسؤال فستكون الإجابة عنها بالصيغ التالية: «لماذا تفترضون أمورا لمّا تحدث بعد؟!!» أو: «لماذا تحبون أن تفترضوا سيناريوهات؟!».
يرفض النعيمي القلق بسبب طبيعته المتفائلة، ففي مارس (آذار) هذا العام قال الوزير البالغ من العمر 80 عاما أمام مئات من الحضور في مؤتمر بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر إن التفاؤل لم يفارقه طوال 68 عاما أمضاها في الصناعة النفطية، أي منذ أن بدأ العمل في «أرامكو السعودية» عندما كان عمره 12 عاما.
من الصعب أن يسمع الصحافيون الذي يطاردون النعيمي في أروقة الفنادق وقاعات المؤتمرات ويركضون خلفه وإلى جواره ومن أمامه، وهو يقول إنه قلق من شيء، خصوصا من الأسعار حتى، وإن كان السوق والعالم من حوله يغرق في الاضطراب، خصوصا هذه الأيام، حيث إن الانخفاض الحالي في أسعار النفط تحت 100 دولار للبرميل وبقائها عند مستويات 97 دولارا لا يعني أي شيء لرجل عاصر هبوط أسعار نفط برنت إلى 9 دولارات للبرميل في أواخر التسعينات.
لقد مر النعيمي بأسوأ المراحل في تاريخ السوق في مرات عديدة طوال الأعوام الـ19 التي أمضاها وزيرا. ففي أكثر من مر ة كان الطلب يهبط بشدة والسوق يسبح في النفط والكل في «أوبك» وخارجها يتصارعون على الحصص السوقية.

* المايسترو
* واستطاع النعيمي أن ينتشل أسعار النفط من القاع في عام 1998 بعد مرور أشهر على نشوء الأزمة الآسيوية، بمجهود أقل ما يوصف به أنه ماراثوني قام من خلاله بإقناع 17 دولة منتجة للنفط من داخل «أوبك» وخارجها مثل النرويج والمكسيك بخفض إنتاجها لرفع الأسعار. ومنذ بداية عام 1999 بدأ السعر في التحسن والصعود وسط إصرار وتنسيق النعيمي على أن يلتزم الجميع بتخفيض إنتاجه.
هذا الجهد الذي بذله للتنسيق مع باقي المنتجين لخفض الإنتاج ورفع الأسعار في ذلك الزمن هو ما أكسبه العديد من الألقاب من بينها لقب «المايسترو». فالنعيمي يستحق هذا اللقب عن جدارة كما يقول المحلل النفطي الكويتي كامل الحرمي لـ«الشرق الأوسط»؛ «إذ لا يستطيع أحد أن يقوم بما قام به في ذلك الوقت».
ومنظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» ليست كما يتصور كثيرون، فهي ليست مجموعة من الدول التي تلتقي وتتفق بسهولة على أي أمر، وكان الخلاف هو سمتها لعقود طويلة خاصة في الثمانينات والسبعينات عندما كانت اجتماعات «أوبك» تأخذ أياما طويلة وتمتد لأسابيع.
لكن الخلافات قلت كثيرا في السنوات الأخيرة، والفضل في ذلك يعود للنعيمي كما يقول الحرمي؛ إذ إنه «رجل الأرقام»، فهو يتناقش مع الجميع بالأرقام وتوقعات الطلب والعرض وليس بالكلام الرخيص والأساليب السياسية. ويضيف الحرمي، وهو رئيس تنفيذي سابق لشركة البترول الكويتية العالمية: «هذا الرجل هو حكيم («أوبك»)».
أما اجتماعات «أوبك» اليوم التي تحصل في مقر المنظمة في العاصمة النمساوية فيينا، فهي تجسيد للفاعلية، كما يقول النعيمي هو نفسه. ويعبر النعيمي عن هذا الأمر في إحدى المرات وهو يمشي صباحا في طريقه من الفندق «جراند» الشهير إلى مبنى المنظمة لحضور أحد الاجتماعات قائلا: «في السابق كانت الاجتماعات تأخذ أياما وأسابيع، أما اليوم فنحن الوزراء لسنا سوى رجال أعمال ونحضر اجتماعاتنا كما يحضرها رجال الأعمال، ولا يوجد لدينا سوى اجتماع واحد نحضره ثم يمضي كل منا في طريقه».

* «12 رجلا غاضبون»
* ولكن تخفيض أيام الاجتماع لا يعني أن الاجتماعات في حد ذاتها ليست مرهقة وتنتهي بكل سلاسة وهدوء. وعلى العكس، فإن الاجتماعات في الغالب هي عبارة عن شد وجذب، فهناك بعض الدول في «أوبك» تريد أسعارا عالية، والبعض يريد أسعارا معقولة.. والبعض يركز على الأسعار، بينما يركز البعض على إبقاء العرض في السوق متوازنا مع الطلب.
وهناك بعض الاجتماعات السيئة كالاجتماع الصيفي في عام 2011 الذي قال عنه النعيمي إنه «أسوأ اجتماع» حضره في تاريخه مع «أوبك» عندما رفضت بعض الدول المقترح الخليجي برفع سقف الإنتاج بناء على توقعاتهم لنمو الطلب في النصف الثاني من ذلك العام.
ويشبه النعيمي بنفسه للصحافيين في إحدى المرات حالة الاجتماعات بالوضع في الفيلم الأميركي الشهير «12 رجلا غاضبون» أو (Twelve Angry Men). وبالفعل لا يوجد عمل فني ممكن أن يقرب الفكرة أكثر من هذا الفيلم.
ففي هذا الفيلم يتحدد مصير شاب متهم في قضية قتل والده بالحكم الذي ستصدره هيئة من المحلفين يبلغ عددهم 12 شخصا، وهو بالضبط عدد الدول الأعضاء نفسه في منظمة «أوبك». ويجتمع المحلفون الذين يقابلون بعضهم للمرة الأولى في غرفة للتناقش حول الحكم، ولأن الحكم بالإجماع (كما هي حال قرارات منظمة «أوبك» استنادا إلى نظامها) فإن المحلفين يجب أن يتفقوا على حكم واحد. وفي البداية اتفق 11 محلفا على أن الصبي مذنب، إلا محلفا واحدا (قام بدوره في هذا الفيلم الممثل الأميركي هنري فوندا) وهو رقم 8 الذي حاول أن يغير قناعات الباقين. وبدلا من أن ينتهي الموضوع بسهولة طال الاجتماع بهم.
ومنذ تأسيس «أوبك» والسعودية، ممثلة في وزرائها ابتداء من الشيخ أحمد زكي يماني، ومرورا بهشام ناظر، وانتهاء بالنعيمي، تلعب دائما هذا الدور الذي قام به المحلف رقم 8 لأنها الدولة الأكبر في إنتاج النفط في «أوبك» ولا بد أن توازن بين الجميع وتراعي مصالح المنتجين والمستهلكين وتبقي الكل سعيدا بقدر المستطاع.
وبسبب الدور الذي تلعبه السعودية في المنظمة ويلعبه النعيمي في الاجتماعات، فإن قلق السوق حيال نتائج لقاءات الوزراء خف كثيرا، فلم يعد هناك داعٍ لأن تنتظر السوق أسابيع لتعرف ماذا ستقرر «أوبك» أخيرا.

* بعبع النفط الصخري
* وقلق الصحافيين والسوق لا ينتهي عند أي حد، فمنذ أن ظهر إنتاج النفط الصخري من المكامن في تكساس وداكوتا الشمالية في الولايات المتحدة، والكل يتحدث عن زوال «أوبك» وضعفها. وأصبحت التكهنات تدور حول: ما رد فعل «أوبك» تجاه النفط الصخري الذي يهدد صادراتها ومستقبلها؟
وفي كل اجتماع يظهر فيه وزراء دول «أوبك»، يظهر الصحافيون القلق نفسه ويعيدون التساؤلات نفسها عن مستقبل إنتاج المنظمة، الأمر الذي جعل وزير النفط الكويتي السابق مصطفى الشمالي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي يقول لهم: «لماذا تجعلون النفط الصخري وكأنه بعبع لنا؟».
والشمالي مثل النعيمي أو حتى أمين عام منظمة «أوبك» الليبي عبد الله البدري، لا يرون في النفط الصخري مصدرا كبيرا للقلق حتى وإن كانت صادرات المنظمة إلى الولايات المتحدة قد بدأت في التراجع منذ مطلع 2013، والسبب في ذلك بسيط حسب ما يرونه، وهو أن نفط «أوبك» تقليدي، ولهذا هو أسهل في الإنتاج وأقل في التكلفة، على عكس النفط الصخري، فهو نفط مكلف جدا، واستمرارية الإنتاج منه تتطلب استثمارات عالية وبقاء أسعار النفط عند مستويات لا تقل عن مستوياتها الحالية.
ويقول النعيمي في أكثر من مناسبة إنه لا داعي له بأن يقلق حيال زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، بل إنه، وعلى العكس، يرحب به وبأي إنتاج من أي دولة أخرى، فالطلب العالمي على النفط يجب أن تجري تلبيته من مصادر متعددة ومن كل مناطق الإنتاج.
وفي أحد الاجتماعات الأخيرة في فيينا قال النعيمي ردا على تساؤلات ما لا يقل عن 20 صحافيا وقفوا أمامه واستند بعضهم على الطاولة التي يجلس عليها، عن مدى قلقه حيال النفط الصخري قائلا: «لماذا تريدونني أن أقلق؟!! احذفوا كلمة (أقلق) من كل سؤال تسألونني إياه. هذه ليست المرة الأولى التي تشهد السوق زيادة في الإنتاج». وأضاف حينها: «لقد سمعنا هذه الأحاديث نفسها عندما بدأ بحر الشمال في ضخ إنتاجه، ولكن ماذا حدث اليوم؟ هل زالت (أوبك)؟ هل انتهى دورها؟».
وتتحكم «أوبك» في نحو 40 في المائة من الإنتاج اليومي العالمي للنفط، إلا أن هذه الحصة قد تقل إلى 33 في المائة هذا العام والأعوام المقبلة نظرا لأن الإنتاج من خارج «أوبك» في زيادة مستمرة والطلب على نفط «أوبك» لن يتجاوز 30.5 مليون برميل يوميا للسنة بأكملها و29.5 مليون برميل يوميا في العام المقبل.
وتتوقع «أوبك» كما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية ذاتها أن إنتاج النفط الصخري سيصل إلى الذروة بعد 5 أعوام من الآن، وتعود الكرة بعد ذلك إلى ملعب «أوبك» لأنها تمتلك أكبر الاحتياطات المؤكدة في العالم، مما يجعلها المصدر الرئيس للنفط في العالم لسنين طويلة.
ولكن الجميع في «أوبك» يعون جيدا أن السنوات الخمس المقبلة لن تكون سهلة؛ إذ إن المنافسة ستزيد بين المنتجين خصوصا إذا ما بدأت الولايات المتحدة في تصدير نفطها للأسواق الذي حظرت الحكومة تصديره منذ سبعينات القرن الماضي.
وبغض النظر عن المنافسة، فإن النعيمي ينظر بالتفاؤل نفسه للسنوات المقبلة؛ إذ يتوقع هو أن يزيد الطلب على النفط مع الزيادة الكبيرة في السكان التي يشهدها العالم، وتحسن دخل الملايين من الفقراء في الاقتصادات الناشئة وتحولهم للطبقة المتوسطة.

* النعيمي ومستقبل الأسعار
* لقد تمكن النعيمي خلال تاريخه الطويل من أن ينتشل الأسعار بمساعدة «أوبك» في أكثر من مرة، كان آخرها في عام 2008 عندما اجتمعت «أوبك» في وهران في الجزائر وقرروا قص الإنتاج بنحو 4 ملايين برميل يوميا في الاجتماع التاريخي الذي وصفه أكثر من مسؤول في المنظمة تحدثت معهم «الشرق الأوسط» بأنه الأفضل للمنظمة.
وستظل السوق قلقلة حيال مستقبل الأسعار، فالنعيمي قد لا يكون موجودا في السنوات المقبلة عندما يحتاج العالم إلى «مايسترو» بحجمه ليدير المعروض عندما يستفحل إنتاج النفط الصخري، ويزيد العراق إنتاجه إلى 8 ملايين برميل يوميا بحلول 2020 كما هو مستهدف، وتعود إيران للتصدير بعد حل أزمتها النووية مع الغرب.
ومن حق التجار والمتعاملين في السوق أن يقلقوا، فهبوط النفط بسنت واحد للبرميل يعادل 10 دولارات في كل عقد والعقود المتداولة يوميا بالملايين.
ولكن النعيمي لا يرى أن الأسعار ستهبط كما يراها الجميع اليوم، لأن تكاليف إنتاج النفط الصخري ستمثل دعامة للأسعار وأرضية ثابتة لها.
ولا بد للنعيمي أن يرحل من منصبه في يوم ما، ولكنه سيرحل بكثير من التفاؤل كما عبر عنه في ينبع عندما قال: «سأكون صريحا، إنني رجل متفائل بمستقبل البترول والغاز والتصنيع في المملكة، وتفاؤلي لم يخذلني خلال 68 عاما من عملي في قطاع البترول».
وليس التفاؤل هو الشيء الوحيد الذي لم يخذل النعيمي طيلة هذه السنوات، بل إيمانه الكبير بأن السوق هي التي تحدد كل شيء، وكما يقول في أكثر من مرة للصحــافيين القلقين: «لمــاذا تريدون إقــلاق السوق.. دعوها وشأنها.. وكل شيء سيكون بخير».

* النعيمي من خلفية متواضعة؛ فلقد ولد في الراكة في الخبر ودخل «أرامكو» وتعلم في مدارس الشركة وكانت أول وظائفه مراسلا للبريد في الشركة، ولهذا قال للصحافيين في فيينا في إحدى المرات ممازحا إنه لا يزال يفتقد توزيع البريد.

* يوضح النعيمي في إحدى المرات أن السبب في تفوق جيله هو الحياة الصعبة التي عاشوها والتي ساهمت في جعلهم ناضجين في سن مبكرة. ويقول: «عندما كنت في الثانية عشرة من عمري كان عندي هدف مهم وهو أن أجد دخلا أعيش عليه، بينما اليوم هناك من هم أكبر من هذه السن لا يشعرون بأهمية لقمة العيش والعمل».

* بدأ النعيمي طريقه في «أرامكو» في الحفر قبل أن يذهب لإكمال تعليمه في لبنان ثم في الولايات المتحدة التي رجع منها وهو حاصل على الماجستير في الجيولوجيا. ومن هنا كانت انطلاقة النعيمي في الشركة ودخوله قسم الإنتاج الذي ترقى فيه حتى وصل إلى نائب الرئيس للإنتاج.

* النعيمي متواضع جدا وواقعي في الحديث عن نفسه عندما يتكلم عن تعليمه وإمكانياته؛ ففي إحدى المرات قال: «الشباب في (أرامكو السعودية) اليوم حاصلون على تعليم أفضل من التعليم الذي تعلمته. لو أردنا تطبيق مبادئ الجيولوجيا التي تعلمتها في الخمسينات والستينات فلن نجد برميلا واحدا من النفط اليوم».

* النعيمي خارج ضغط الاجتماعات شخص يحب الاجتماع بالناس وممازحتهم. ومن النادر أن تفارقه الابتسامة. ومن المعروف عنه أنه أحد اللاعبين المهرة للعبة الورق الشهيرة في المملكة المعروفة باسم البلوت. ومن النادر أن يهزمه أحد بسهولة كما يقول أحد المسؤولين السابقين في وزارة البترول. والنعيمي رجل رياضي نادر؛ إذ يمارس رياضة المشي كل صباح ويحب صعود الجبال على قدميه. وأخبر «الشرق الأوسط» أكثر من شخص عملوا معه أنه كان يتسابق معهم لصعود الكثبان الرملية في الربع الخالي ومن النادر أن يسبقه أحد.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».