تركيا.. الخوف من «المستنقع السوري»

أنقرة تخشى ارتدادات عربية لدخول جيشها إلى سوريا.. واتفاق أضنة السر الكبير

تركيا.. الخوف من «المستنقع السوري»
TT

تركيا.. الخوف من «المستنقع السوري»

تركيا.. الخوف من «المستنقع السوري»

ليس الحشد العسكري التركي، عند الحدود السورية، هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات بين البلدين الجارين في التاريخ والجغرافيا، القريبين في التركيبة الاجتماعية والدينية، والمتباعدين في السياسة. ولأن العلاقات الحميمة بين البلدين، التي نسجها رجب طيب إردوغان (رئيس الوزراء التركي آنذاك) مع الرئيس السوري بشار الأسد، كانت «استثناء» وليست القاعدة، فسرعان ما انتهى الود الذي لم يدم طويلا ليعود التنافس والعداء الرسميان إلى سابق عهدهما.
الحشد العسكري الأول كان في عهد رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس، وهو أول الأتراك الإسلاميين في «جمهورية أتاتورك». ففي عام 1958، أرسلت تركيا جنودها إلى الحدود مع سوريا، مهددة باجتياح أراضيها بسبب ما قالت إنه الدعم الكبير من النظام السوري لمقاتلي تنظيم حزب العمال الكردستاني. لكن الغزو لم يحدث، إذ تدخل أكثر من طرف لمنع المواجهة.
أما الحشد العسكري الثاني فكان بعد ذلك بأربعين سنة، وللسبب نفسه تقريبا، إذ هددت أنقرة بغزو الأراضي السورية بذريعة الدعم السوري للتنظيم، وإيواء زعيمه عبد الله أوجلان. آنذاك نفى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أن يكون أوجلان في سوريا، لكن منذ أن غادر تركيا في عام 1980، لجأ إلى سوريا، التي سهلت له ولقياداته الإقامة في لبنان الذي كانت تسيطر عليه آنذاك سياسيا وعسكريا، فأقيمت له مراكز تدريب في سهل البقاع اللبناني، أقفلت في وقت لاحق ليختفي أوجلان بعد أن رفعت أنقرة من ضغوطها على دمشق. وقد وصلت هذه الضغوط إلى ذروتها في عام 1989. ويقول وسيط اطلع على مسار هذه الأزمة إن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك كان قد انتقل إلى دمشق حاملا التحذير التركي. وقيل إنه التقى الرئيس السابق حافظ الأسد باسم القيادة التركية ليطالبه بتسليم أوجلان، فكان رد الأسد أن أوجلان ليس في سوريا، ليعود الجانب التركي فيزود مبارك بصورة لأوجلان خارجا من منزله القريب من السفارة الإماراتية في دمشق، ثم تظهر الحشود التركية على الحدود مع سوريا، ويقال إن القوات التركية قد دخلت بالفعل جزءا من الأراضي السورية انطلاقا من نقطة غازي عنتاب الحدودية.
عندها اتخذ الأسد الأب قرارا بالتضحية بأوجلان لصالح تحسين العلاقة مع تركيا التي رأى فيها سندا مهما لخليفته بشار الذي كان يتهيأ للحكم. غادر أوجلان إلى روسيا، لكنه سرعان ما أعيد إلى أوروبا، فحلّ في إيطاليا ضيفا على الحكومة التي يتمتع فيها الشيوعيون بنفوذ قوي، ثم إلى اليونان التي كانت تحظى بعلاقات مميزة مع روسيا، قبل أن يغادر إلى أفريقيا نتيجة الضغط التركي والمطالبة بتسليمه. وأخيرا استطاعت الاستخبارات التركية القبض عليه في مطار نيروبي في عملية لا يزال يكتنفها الغموض، ويقال إن الاستخبارات الإسرائيلية لعبت دورا كبيرا فيها.
وانتهت الاجتماعات التي عقدت في وقت لاحق، وبوساطة مصرية وإيرانية، إلى اتفاق أضنة الشهير الذي نظم العلاقة بين الطرفين. وينص هذا الاتفاق في الجزء السري منه على حق تركيا في ملاحقة «الإرهابيين» داخل الأراضي السورية وحتى مسافة 5 كيلومترات، ويقال إن هذا الاتفاق نص أيضا على وقف المطالبة السورية بإقليم هاتاي الحدودي التركي الذي تسكنه غالبية ناطقة بالعربية، وكانت سوريا تعده حتى ذلك الحين «أرضا محتلة».
وقد توج هذا التحرك بزيارة مبارك إلى أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول) 1998 على رأس وفد أمني وسياسي كبير للاجتماع مع الرئيس التركي سليمان ديميريل، ورئيس وزرائه بولاند إيجويد، حاملا معه موافقة النظام السوري على المطالب التركية كلها، بما في ذلك تنازل دمشق عن مطالبتها بلواء إسكندرون. وانتهت زيارة مبارك إلى أنقرة بصياغة مسودة للاتفاقية مع 4 ملاحق سرية يقال إن من بينها حق التوغل، والتنازل عن المطالبة باللواء «السليب» كما كان يوصف في الإعلام السوري.
ويقول متابعون، إن الأسد الأب، كان يريد إنهاء ملف الخلاف مع تركيا بأي ثمن من أجل تعبيد الطريق أمام نجله في الحكم، خصوصا أن حاله الصحية كانت في تدهور مستمر، وهو يريد أن يورثه استقرارا لا نزاعا ولهذا وافق على كل الطلبات التركية، التي ازدادت في مرحلة التوقيع لتعطي الأتراك المزيد من المكاسب
بعدها دخل الطرفان في شهر عسل طويل، كان خلاله الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان يصر على مناداة الأسد بـ«شقيقي»، إلى أن أتت الأزمة السورية، فحاول الأتراك التدخل لدى الأسد، ليذهبوا بعد فشلهم إلى الخصومة معه، ثم إلى العداء بعد تفاقم الأزمة.
ومع بداية الأزمة السورية، طرحت تركيا موضوع «المنطقة الآمنة» في الشمال السوري لحماية المعارضين السوريين من غارات طيران النظام، وهو سلاح التفوق الرئيس، وفيما كان المعارضون السوريون يأملون بالتدخل العسكري التركي، وقف الأتراك مترددين، حيال ما قالت مصادر تركية آنذاك إنه الخشية من تداعيات دخول الجيش التركي أراضي عربية. كما أن ضغوطا هائلة مورست من قبل روسيا وإيران على تركيا، تلا ذلك تحريك ملف تنظيم «الكردستاني» الذي اتهمت أنقرة سوريا باستدعاء قادته من الخارج وتأمين موطئ قدم لهم في سوريا.
وما زاد المخاوف التركية من نوايا دمشق، هو إقدام الجيش السوري على الانسحاب السلس من المناطق ذات الغالبية الكردية، في رسالة واضحة لأنقرة تفيد بإمكانية قيام كيان كردي مستقل على حدودها، قد يثير شهية أكرادها بعد استقلال جزئي لأكراد العراق.
ويشير ينار دونماز مدير مكتب جريدة عقد في أنقرة إلى أن «تركيا تطالب بإنهاء جميع المنظمات الإرهابية وليس داعش فقط، وكان هذا جليا في خطاب رئيس الجمهورية إردوغان عندما تساءل لماذا فقط التحالف ضد داعش مع أنه يوجد حركات إرهابية أخرى في سوريا والعراق، ولهذا السبب تريد تركيا أن تكون ضمن مكونات التحالف للقضاء على الإرهاب وإعادة الاستقرار للمنطقة».
وأكد دونماز لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيا ليست بدولة جانبية في المنطقة بل هي دولة عريقة تاريخيه لها مكانتها في العالم العربي والإسلامي». وقال: «كما أعلن رئيس الوزراء داود أوغلو أنه من حق تركيا أن تنظر إلى مصالحها الوطنية، وبناء على هذا تتخذ تركيا مواقفها وتخط خريطة طريقها، ولا يمكن لتركيا أن تقبل أي ضغوطات خاصة من أميركا لأننا نعد سياستنا حسب المبادئ والمصالح التركية، فمثلا تركيا اتخذت مواقف مغايرة للغرب وأميركا حول الانقلاب في مصر وحول ما يجري في العراق وسوريا لأن المتضرر بعد تلك الدول مباشرة ليس الغرب وإنما تركيا». وأضاف: «حسب معلوماتي فإن خريطة الطريق التي ستتبعها الحكومة حتى الآن غير جاهزة وحتى مسودتها لم تعد بعد، لأنها ستتشكل بعد اجتماع رئيس الأركان مع أعضاء الحكومة، كما أن مستشار المخابرات سيذهب إلى القصر الجمهوري ليقدم تقريرا عن الوضع لرئيس الجمهورية ومن ثم سيلتقي مع داود أوغلو وأيضا سيناقش داود أوغلو مع إردوغان آخر التطورات ومن ثم سيناقش البرلمان تمديد فترة مذكرة إرسال الجيش لخارج الحدود باختصار ستشهد هذا الأسبوع أنقرة الكثير من الاجتماعات الحساسة التي سيترتب عليها موقف وقرارات الحكومة». ولكن دونماز أعرب عن اعتقاده أن تركيا لن تشارك بقواتها البرية لدخول الأراضي العربية، لأنه لن يقتصر على ردود فعل مؤقتة بل سيكون لها ردود فعل يمكن أن تستمر لعدة قرون، عادا أن «التدخل البري للجيش التركي لن ولم يخدم المصالح الوطنية التركية قط، كما أن قادة الجيش التركي لا يرغبون في دخول وحل مناطق الصراع في المنطقة، ولكن تركيا ستقوم بمساندة القوات البرية الأجنبية التي يمكن أن تخوض الحرب البرية بالدعم اللوجستي فقط، وستقوم تركيا بالسماح باستخدام القواعد البحرية للطيران الأجنبي وأنا أؤكد أن تركيا لن تتدخل بأي شكل من الأشكال في الوضع الداخلي لكل من سوريا والعراق، ولكن تركيا ستقوم بالرد على أي تجاوز لحدودها فقط».
ويقول مصطفى أونال، الكاتب في صحيفة زمان المعارضة، أن هناك احتمالية كبيرة تشير إلى أن الجيش التركي ربما يقوم بعملية عسكرية على الجانب الآخر من الحدود إذا ما جرت الموافقة على إحدى المذكرتين المعروضتين على البرلمان، وأن المنطقة «العازلة» أو «الآمنة» ستكون داخل الأراضي السورية وليست على الأراضي التركية، وهذه هي أطروحة تركيا، غير أن هذه الأطروحة لم تحصل على دعم المجتمع الدولي حتى الآن، وكانت الولايات المتحدة أعلنت أن إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لا تندرج ضمن أولوياتها، ومن الصعب جدًا أن تنجح تركيا في القيام بهذه المهمة دون قرار من الأمم المتحدة ودعم من واشنطن، وحينها سيقع على عاتق الجيش التركي «تأمين» المنطقة العازلة المحتملة، وهذا يتطلب مذكرة من البرلمان التركي، ويمكن أن نفسر تصريحات زعيم المعارضة التركية كيلتشدار أوغلو على أنها بمثابة «لا» في وجه هذه المذكرة من الآن. وليس من الصعب أن نخمن أن المذكرة الأخرى لن تقول «الحرب» صراحة، وستتضمن هذه المذكرة وجوب استعداد الجيش التركي لمواجهة أي احتمال ممكن.
ويشير أونال إلى وجود تعارض بين رئيسي الجمهورية والوزراء. ويقول: «في الوقت الذي يتصرف فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بحذر، نجد أن الرئيس إردوغان يؤيد فكرة الحرب»، موضحا أن المذكرة التي ناقشها البرلمان التركي قبيل الحرب على العراق في مارس (آذار) 2003، وكان إردوغان، الذي كان وقتها قد تولى رئاسة حزب العدالة والتنمية، متقدمًا بخطوة عن حكومته، وكان من أكثر المتحمّسين للموافقة على المذكرة. أما داود أوغلو، الذي كان مستشارًا آنذاك، فكان ضد هذه المذكرة، ولم يكن من السهل أن يوافق حزب العدالة والتنمية على مذكرة تتضمن في الوقت نفسه الخيار العسكري، ولا شك في أن نواب الحزب في البرلمان سيفكرون كثيرًا قبل أن يوافقوا على المشاركة في حرب محتملة ضد داعش في صف الولايات المتحدة. أما وضع النواب الأكراد فمثير؛ إذ إنهم في الوقت الذي كانوا فيه قريبين من رفض مذكرة مارس 2003، فإنهم هذه المرة قريبون من الموافقة على المذكرة لقتال داعش.
ويتهم معارضو تركيا، الأخيرة بأنه دعمت تنظيم «داعش» وسواه من الحركات المتشددة، بغية إحباط أي حلم انفصالي كردي في سوريا. وهذا قد يفسر أيضا الحروب التي شنتها المعارضة السورية المدعومة من أنقرة ضد الأكراد، وعداء الآخرين لهؤلاء في المقابل.
واتهم الأكراد السوريون - والأتراك، أنقرة بأنها دفعت التنظيم المتشدد إلى اجتياح مناطقهم مؤخرا بغية القضاء على الإدارة الذاتية التي أنشأوها، وقد لوح هؤلاء بأن عملية السلام التركية - الكردية التي بدأت قبل عامين، سوف تنهار لهذا السبب.
وقال عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الجماعات الكردية مصطفى كاراصو، فيما يتعلق بعملية السلام الحالية بين الحكومة والعمال إن زعيم المنظمة عبد الله أوجلان هو من أطلق هذه المرحلة عبر خطابه التاريخي يوم عيد النيروز في عام 2013، مطالبا الحكومة باتخاذ خطوات جدية من أجل تحقيق الديمقراطية في البلاد، غير أنها لم تتخذ أي خطوات جدية إزاء ذلك سوى أنها طالبت باستمرار الوضع الحالي وإنهاء الاشتباكات والتخلي عن السلاح وانسحاب المقاتلين من الأراضي التركية، من دون تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
وأكد كاراصو أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء حقيقي لإنهاء الصراع، ولم تظهر أي تقارب فيما يخص المفاوضات، داعيًا إياها إلى إبداء مرونة في المفاوضات واتخاذ خطوات جدية لإنهاء الصراع، وإلا فإن موقفها الحالي سيزيد من حالة التوتر.
وكان النائب المستقل بالبرلمان التركي إدريس بال، الذي يُعدّ أحد الخبراء في الشؤون الأمنية والمنظمات الإرهابية، حذر الحكومة التركية والمجتمع الدولي من المبادرات الرامية إلى فتح الطريق أمام منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية وإضفاء الشرعية عليها في الوقت الذي استنفر فيه العالم لمكافحة منظمة إرهابية أخرى، هي تنظيم «داعش».
ويقول دونماز إن تركيا عانت لعدة عقود من الإرهاب وما ترتب عليه، وتعد من أكثر دول العالم التي تضررت من الإرهاب، ولكن اليوم المنطقة تعيش حالة من الفوضى لم تشهدها منذ 10 أعوام والسبب في ذلك تنظيم داعش ومقاتلوه.
وأضاف: «الهجوم الذي شنه داعش على مناطق شمال سوريا ترتب عليه هجرة عشرات الآلاف من سوريا إلى تركيا وهذا يؤثر تأثيرا مباشرا على الدولة التركية ويجعلها تغير موقفها من داعش». أما السبب الثاني فهو - يضيف دونماز - أن «لتركيا علاقات تجارية واقتصادية هائلة جدا مع سوريا والعراق، ولكن بسبب سيطرة داعش على مناطق شاسعة من البلدين توقفت هذه التجارة مما أدى إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد التركي. واستمرار هذا الوضع الفوضوي وسيطرة داعش وإرهابه على المنطقة سيكبد الاقتصاد التركي يوميا خسائر فادحة، ولهذا تركيا مجبرة على أن تكون ضمن هذا التحالف ضد داعش، كما أن تركيا تمتلك أطول حدود مع سوريا والعراق بقرابة 1400 كلم ومن غير الممكن أن تسمح بأن يكون داعش هو المسيطر على تلك الحدود».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».