طرق قديمة لبناء منازل عصرية في الهند

باستخدام موارد طبيعية

لدى الهند تقليد ثري في العمارة الطينية حيث تم تشييد ما يزيد على 65 مليوناً من إجمالي 118 مليون منزل في البلاد من الطين (الشرق الأوسط)
لدى الهند تقليد ثري في العمارة الطينية حيث تم تشييد ما يزيد على 65 مليوناً من إجمالي 118 مليون منزل في البلاد من الطين (الشرق الأوسط)
TT

طرق قديمة لبناء منازل عصرية في الهند

لدى الهند تقليد ثري في العمارة الطينية حيث تم تشييد ما يزيد على 65 مليوناً من إجمالي 118 مليون منزل في البلاد من الطين (الشرق الأوسط)
لدى الهند تقليد ثري في العمارة الطينية حيث تم تشييد ما يزيد على 65 مليوناً من إجمالي 118 مليون منزل في البلاد من الطين (الشرق الأوسط)

هل تصورت يوماً منزلاً عصرياً مبنياً بالطين والجير وروث البقر والطوب المحروق؟ هذا هو ما يفعله بعض المعماريين في الهند لبناء منازل صديقة للبيئة. تمثل المنازل الطينية، كما يطلقون عليها، عودةً إلى الطبيعة في الهند وحول العالم أيضاً، حيث يتم تشييد تلك المباني، المصممة على نحو يستغل الإضاءة الطبيعية والتبريد الطبيعي، باستخدام موارد طبيعية مثل الطين والبامبو والحجر الجيري والطمي وروث البقر والأحجار والقش بأيدي عمال مهرة محليين بشكل يخفض البصمة الكربونية إلى الصفر تقريباً.
وتعد المباني الخضراء مفهوماً قديماً، حيث كانت تلك التصميمات السائدة في كلٍّ من الحضارتين الرومانية والفارسية القديمة خضراء، وكذلك كانت طرق البناء التقليدية في الهند خصوصاً أنه كان من الضروري الاعتماد على الضوء الطبيعي وتدفق الهواء إلى المنازل قبل توافر الطاقة الكهربائية.
لدى الهند تقليد ثري في العمارة الطينية، حيث تم تشييد ما يزيد على 65 مليون من إجمالي 118 مليون منزل في البلاد من الطين. ويوضح المعماريون أن النهج صديق البيئة لا يعني أن تكون التصميمات سيئة المنظر وتبعث على الكآبة ومملة، حيث يوفرون منازل تكتسب شعبية بفضل فوائدها الصحية العديدة ومظهرها الجمالي المتميز وذلك من خلال الجمع بين الاستدامة والتصميمات العصرية الحديثة مع استخدام مجموعة من المواد الخام مختلفة الملمس إلى جانب الألوان المختلفة.
وتصرح شركة «بيوم إنفيرومنتال سولوشنز» المعمارية ومقرّها بنغالور، والتي يرأسها تشيترا فيشواناث، قائلة: «نركز على البناء باستخدام مواد متجددة مثل الطين والخشب بطرق موفرة للطاقة مع التخلي عن الأنواع الكيميائية من الطلاء والجصّ، مع الاعتماد على مياه الأمطار والطاقة الشمسية والحفاظ على التنوع البيئي المحلي، ودعم إعادة التدوير والاستخدام». وتعد ريفاثي كاماث، التي تعمل لدى «كاماث ديزاين استوديو»، واحدة من أشهر مؤيدي نهج العمارة الطينية في الهند، حيث تحتفي به من خلال استخدام الطين في كل أعمالها.
ويمثل منزلها المشيّد من الطين في محل محجر قديم شاهداً على حبها لتلك المادة الصديقة للأرض. وقد بدأت كاماث مؤخراً في استخدام البامبو في البناء. كذلك تمثل تصميماتها تناغماً مع مناخ وطبوغرافيا الموقع. وتوضح قائلة: «سوف يساعد روث البقر والطين في جعل المنزل بارداً وإبعاد الحشرات. لقد استخدمنا ثمانية أنواع مختلفة من الخشب في عملية البناء، وهذه طريقة بدائية قبلية تحول دون استنزاف نوع واحد من الأشجار. لا حاجة للمرء إلى بناء منزل من الطين بشكل كامل في دلهي أو مومباي، فحتى إذا بنيت جداراً واحداً من غرفة المكتب أو المعيشة سوف يضفي ذلك شعوراً وبعداً مختلفاً على البناء كله».
ويوجد على رأس تلك الحركة العديد من المنظمات، مثل «تانال آند فاستوكام» في كيرالا، و«ميد إن إيرث» في بنغالور، ومعهد «أوروفيل إيرث إنستيتيوت» في أوروفيل، ومعماريون مثل ديدي كونتراكتور في دارماسالا، وبيني كورياكوس في تشيناي، ويوجين باندالا في كيرالا، وغيرارد دا كونيا في غوا. وكان المعماري الأسطوري لوري بيكر هو من دشّن تلك الحركة في الستينات. ويقول غورجوت بهاتي، مدير المشروع في شركة «سي بي آر إي ساوث آشيا» التي تعمل في الاستشارات العقارية: «توفر طرق البناء التقليدية أسساً قوية لا تزال قابلة للتطبيق في وقتنا الحالي».
وتعد الاستدامة المتاحة للجميع النوع الوحيد الذي يهم يوجين باندالا، حيث قاد فريقه بعض مبادرات الحفاظ على التراث في كيرالا، وقضى وقتاً طويلاً في تقديم حلول تتمحور حول تصميمات غير مكلفة ذات مظهر جمالي مع استهلاك قدر أقل من الطاقة. كذلك استخدم طريقة مزج الطين والقش والماء وأحياناً كثيرة الحصى في عملية البناء. ويُعرف يوجين بدمج الطين في صناعة قطع الأثاث والتجهيزات داخل المنازل التي يبنيها.

العامة يتعلمون تشييد منازل صديقة للبيئة

قضت نيدهي رانا، مسؤولة تنفيذية في التسويق الرقمي في مومباي تبلغ 32 عاماً، أسبوعاً في الهيمالايا لبناء منزل من المواد الطبيعية. وتعلمت كيفية التعرف على الأنواع المختلفة من التربة، واستخدام الجير لصناعة الجصّ الطيني، وتغطية الجدران به. وتقول: «لقد أدركت أن العمل باستخدام المواد الطبيعية ليس صعباً، فكل ما يتطلبه هو المعرفة إلى جانب قدر من الممارسة». وتعتزم رانا تطبيق تلك الطرق في شقتها في مومباي، حيث توضح قائلة: «أعتزم استخدام الجصّ الطيني في أجزاء من منزلي. كذلك أود استكشاف كيفية استخدام الجير في جصّ الجدران».
تقيم شاغون سينغ في منزل مشيّد بطريقة أجولة الطين لأكثر من عام، وهو ذو تصميم دائري قطره 19 قدماً له سطح من البامبو، ومكون من غرفة نوم ومطبخ صغير وحمام. تقول شاغون: «تبين أن تلك المنازل أكثر مقاومة للفيضانات والزلازل. وقد شهدت ولاية أوتار كاند هطولاً غزيراً للأمطار خلال العام الماضي، حيث استمرت الأمطار لثلاثة أشهر ومع ذلك لم تدخل أي نقطة منها إلى منزلي».
وأضافت قائلة إن تلك المنازل قادرة على الصمود أمام الزلازل والحرائق والفيضانات بشكل أفضل. وتنظم شاغون ورش عمل عن طرق البناء المستدامة. ويستخدم دروفانغ هينغماير وبريانكا غونجيكار، الزوجان المعماريان المقيمان في بونا، طرقاً قديمة لبناء المنازل باستخدام الطين والجير والحجارة والخشب، داعمين بذلك المنازل المستدامة منخفضة التكلفة الصديقة للبيئة، والتي يزعمان أنها توفر 50% من المياه، ولا تتطلب أي نظام تكييف للهواء. وقد استعان الزوجان بفنيين وعمال محليين لديهم خبرة في بناء المنازل الطينية مساهمين بذلك في اقتصاد القرية أيضاً. كذلك يقولان: «نحاول دائماً الحد من استخدام الآلات».
ويدير الزوجان موقعهما الإلكتروني الخاص أيضاً، ويقول الزوجان إنهما يستطيعان بناء منزل من طابقين إضافة إلى الطابق الأرضي باستخدام الطين. كذلك يستخدمان الأحجار السوداء والطين في الطابق الأرضي وذلك لدعم أساس المنزل، وحماية البناء خلال الرياح الموسمية الشديدة. ويقرّ الزوجان بأن من عيوب المنازل الصديقة للبيئة سُمك الجدران الطينية وهو ما يجعلها غير ذات جدوى ونفع في مدينة مثل مومباي حيث المساحات صغيرة.
جذبت أعمال بوجا آرتي وروهان شينوي، مؤسسي «بيلد إن»، اهتمام وزارة النقل والشحن والطرق السريعة الهندية حيث دعتهما إلى الاشتراك في مسابقة على مستوى الهند لتصميم نقاط تحصيل رسوم المرور على الطرق من مواد صديقة للبيئة وتعمل بالطاقة الشمسية. وامتد الأمر إلى تصميم مستشفيات ومدرسة ومركز ترفيهي ووحدات مياه معدنية مستدامة للحكومة المحلية. ويجمع المعماريان بين الأصالة والمعاصرة من خلال استخدام فتحات في السقف، وتبريد إشعاعي، وقوالب تقوم على تعديل التربة، ومبانٍ مسبقة التجهيز، ومياه الأمطار، وحدائق عضوية مزروعة فوق الماء.
يقول بيجو باسكار، أحد مؤسسي «تانال هاند سكالبتد هومز»: «يمكن الانتهاء من بناء منزل مساحته 500 قدم خلال شهرين إذا كان لديك أصدقاء يساعدونك».
وتعد تكلفة ذلك أقل من تكلفة المنزل المتعارف عليه حالياً، حيث تبلغ أقل من ألف روبية للقدم المربعة حسب الموقع والمواد المستخدمة والعمالة. على الجانب الآخر تتراوح تكلفة بناء المنزل المتعارف عليه حالياً بين 1500 وألفي روبية. وهناك دليل إرشادي خطوة بخطوة لبناء المنازل الطينية يمكن الحصول عليه عبر الموقع الإلكتروني للشركة على الإنترنت.

التحدي

مع رغبة المرء في الالتزام بمفهوم المنازل الطينية إلى جانب التحضر، ربما يكون من المستحيل البناء باستخدام المواد المتاحة في نطاق خمسة أميال. يقول كورياكوس: «ربما يكون من الصعب الاستغناء عن الإسمنت والصلب. حتى التربة لا بد الحصول عليها من الخارج حين نفكر في البناء داخل المدن». ينبغي أن يتم التركيز على الاستدامة والحد من تكاليف النقل وإعادة استخدام المياه ومعالجة الروث. ويضيف: «المخيف اليوم هو اعتقاد أهل القرى أن استخدام الخرسانة مؤشر يدل على علو مكانتهم الاجتماعية، لذا بدأوا في محاكاة أهل المدن».

طرق مختلفة لبناء المنازل الطينية

منزل من الطين والقش والماء: في تلك الطريقة من طرق البناء يتم استخدام كتل من التراب الممزوج بالرمال والقش والماء. نظراً لأن المخرج ليس له شكل محدد يعدّ مناسباً لعمل الأشكال العضوية مثل الجدران المنحنية، والأقواس، والكوّات، ويعمل كذلك كمواد عازلة. هناك طريقة مشابهة لتلك الطريقة هي البناء بالطوب النيء (اللبن)، الذي يتم فيه عمل مزيج مجفف في الشمس على هيئة قوالب طوب.
الجصّ والتعريش: يتم في هذه الطريقة بناء جدران من خلال تعشيق عصيٍّ خشبية رأسية أو أسيجة مع أغصان وفروع شجر أفقية يتم تغطيتها بالجصّ أو الطين. يقول بيجو باسكار، المعماري ومؤيد طرق البناء الطبيعية: «هذه الطريقة مناسبة للمنازل المبنية في المناطق الحضرية، حيث تحتاج إلى مواد أقل ويمكن توفير جدران رفيعة مدعمة بأعمدة».
الطوب النيئ: يتم مزج التراب بالماء لعمل عجين يشبه ملمس عجين الكعكة، ثم يتم صبه في قوالب. بمجرد تماسك الطوب يتم تركه تحت أشعة الشمس ليجف ليتم استخدامه بعد ذلك في عملية البناء.
منازل أجولة الطين: يتم تكديس أجولة الخيش أو الإسمنت المهملة المملوءة بمواد من التربة لبناء منزل. يقول شاغون سينغ الذي ينظم ورش عمل عن طرق البناء المستدامة: «في السبعينات ابتكر نادر خليل، المعماري الإيراني الذي أسس لاحقاً (معهد كاليفورنيا لفن وعمارة التربة) هذه الطريقة لبناء منازل بتكلفة منخفضة، تلك الطريقة لبناء منازل منخفضة التكلفة. يمكن لتلك المنازل الصمود أمام الزلازل والحرائق والفيضانات بشكل أفضل».
على عكس ما يعتقده أكثر الناس، لا تنهار وتتآكل المباني المشيّدة من الطين سريعاً شريطة أن تتم صيانتها بشكل ملائم ودوري. من أسباب اكتساب الطين كمادة بناء لسمعة سيئة هو نسيان أو تجاهل طرق البناء العريقة باستخدام الطين. ورغم بناء الناس للمنازل الطينية لآلاف السنوات لم يتم تطوير تلك الطريقة بشكل كافٍ أو نشرها على نطاق واسع.


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».