مباريات كرة قدم بين الأدباء والقراء

الثقافة تدخل مرحلة «العمل التطوعي» في الكويت

الكاتبة ليلى العثمان (الرابعة من اليمين) مع فريق «إكساب»
الكاتبة ليلى العثمان (الرابعة من اليمين) مع فريق «إكساب»
TT

مباريات كرة قدم بين الأدباء والقراء

الكاتبة ليلى العثمان (الرابعة من اليمين) مع فريق «إكساب»
الكاتبة ليلى العثمان (الرابعة من اليمين) مع فريق «إكساب»

دخلت الثقافة في الكويت مرحلة جديدة، يمكن أن نطلق عليها مرحلة «الثقافة التطوعية». وهذا المصطلح، كما نعرف، كان يطلق على الأعمال الاجتماعية والخيرية، أما أن تدخل الثقافة في هذا المضمار، فالأمر يصلح لافتاً، خصوصاً أن هذه المجموعات تنشط في خط موازٍ للمؤسسات الثقافية الرسمية الكثيرة في الكويت، ولكنها آثرت العمل بشكل منفرد.
يقوم على «الثقافة التطوعية» مجموعة من الشباب والشابات يأخذون على عاتقهم عقد الجلسات الأدبية مع الأدباء والمثقفين على نفقتهم الخاصة، بل وأكثر من ذلك، فإن بعض المجموعات الثقافية أصبحت تستخدم الثقافة لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وذلك من خلال بيع الكتب المستعملة، وتخصيص ريعها لأصحاب الحاجة، سواء من اللاجئين أو المرضى الذين لا يتمكنون من دفع نفقات علاج في أماكن متفرقة من العالم. وسبق أن تناولنا في «الشرق الأوسط» مجموعة تدعى «الأيادي البيضاء» التي تعنى بمساندة الفقراء من خلال بيع الكتب المستعملة.
أما المجموعة التي نعنيها هنا فهي متخصصة في إقامة الأنشطة الثقافية تطوعياً، إلى جانب أعمال إنسانية من خلال نافذة الثقافة كالتبرع بالدم، وتدعى مجموعة «إكساب» التي يقوم عليها عدد من الشباب والشابات. وقد أسسها في البداية كل من فجر الهلبان وناصر هيبة.
أما أغرب عمل تقوم به مبادرة «إكساب»، فيتمثل في إقامة مباراة لكرة القدم بين فريق من الأدباء وفريق من القراء، وذلك لتشجيع القراء على الاختلاط بكتابهم المفضلين في نشاطات أخرى غير القراءة. وهي مصالحة نادرة من نوعها بين الأدب والرياضة، فمن المعروف أن الأدباء ليسوا على علاقة انسجام جيد بعالم الرياضة الذي يجدون أنه يسرق الأضواء منهم، وشعبيتها أكثر من شعبية الكتاب.
يقول القائمون على هذه المجموعة إنها انطلقت من مبدأ المسؤولية المجتمعية، نحو مجتمع أكثر ثقافة ووعياً، وهي على حد قولهم: «نتاج خبرات عديدة ومبادرات عملنا بها، وأيضاً (إكساب) هي مرحلة مستمرة نحو عطاء لا محدود نحو الثقافة والتوعية». وتذكر المجموعة أنها لاقت التشجيع والدعم اللا محدود من الوسط الثقافي والأدبي: «وجدنا الترحيب والحفاوة في كل عمل مشترك تقوم به المبادرة مع الأدباء، فمبدأ التكامل هو السائد».
تقيم مجموعة «إكساب» أنشطتها في منبر يطلق عليه منبر «جاسم الثقافي» نسبة إلى إعلامي من الرواد هو جاسم الجاسم.
يضيف القائمون على المجموعة بأن فكرتهم ليست العمل بشكل مفرد، بل لديهم تعاونات كثيرة مع جميع الجهات الثقافية الرسمية والخاصة، على سبيل المثال المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومنصة الفن المعاصر «كاب»، وعدة دور نشر ومكتبات ومع جهات أخرى خارج دولة الكويت.
وأقامت مجموعة «إكساب» عدداً كبيراً من الأنشطة الثقافية، منها: أمسية «بروج» الشعرية لأولى لذوي الإعاقة، وأمسية «الرسم بالكلمات» لنخبة من الشعراء الشباب، ودورات وورش عمل داخل وخارج الكويت، ولديهم «نادي إكساب للقراءة» الذي يجتمع كل شهر لمناقشة كتاب جديد، و«مسابقة 4 - 8» وهي مسابقة للتشجيع على القراءة من خلال قراءة 4 كتب خلال 8 أيام، وتم توزيع جوائز قيمة للمشتركين، وكذلك ندوات أدبية استضافت من خلالها العديد من الأدباء مثل ليلى العثمان، وطالب الرفاعي، وفهد الهندال الذي تحدث عن رواية طالب الرفاعي التي بعنوان «حابي»، وخالد النصر الله، وعبد الوهاب الرفاعي... وغيرهم حتى من خارج دولة الكويت.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟