ندّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«النظام القمعي» في طهران، محذراً زعماء العالم المحتشدين في افتتاح الدورة السنوية الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، من دعم «التعطش إلى الدماء» لدى النظام الإيراني، مع التأكيد أنه سيشدد العقوبات إذا لم تتراجع طهران عن سعيها إلى الحصول على أسلحة نووية ووقف تهديد دول الجوار وأمن إمدادات النفط وعن سياساتها الهدامة في الشرق الأوسط.
جاء ذلك في افتتاح الاجتماعات الرفيعة للجمعية العامة في نيويورك بمشاركة زعماء من 136 من أصل الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة، فضلاً عن العشرات من رؤساء الحكومات ومئات الوزراء والدبلوماسيين، الذين انهمكوا طوال اليوم في رصد المواقف الدولية من الملفات الساخنة عبر العالم، والتي كانت في صدارتها إيران بسبب استهداف منشأتي النفط السعوديتين وتهديد سلامة إمدادات الطاقة العالمية.
وظهر تجاذب بين اتجاهين، الأول يتمثل في توسع درجة الضغوط القصوى والمكثفة على إيران من الدائرة الأميركية إلى الدوائر الأوروبية والدولية الأشمل. لكن مع مساعٍ دبلوماسية محمومة قادها بصورة خاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تحت شعار الحوار من أجل تخفيف حدة التوتر.
وافتتح رئيس الجمعية العامة، تيجاني محمد باندي، الجلسات بالدعوة إلى العمل الجاد من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ثم أعطى الكلمة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي حذر من خطر يلوح في الأفق، ويتمثل في انقسام العالم إلى معسكرين، ملاحظاً قيام الولايات المتحدة والصين بخلق شبكات متنافسة في الإنترنت والعملة والتجارة والقواعد المالية و«استراتيجيات جيوسياسية وعسكرية»، ولاحظ «استمرار النزاعات وانتشار الإرهاب وتزايد خطر حصول سباق تسلح جديد»، مضيفاً أن «هناك حالات كثيرة لا تزال من دون حل، من اليمن إلى ليبيا وأفغانستان».
وحذر غوتيريش أيضاً من «سلسلة إجراءات أحادية تهدد بنسف حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين». ولفت إلى أنه «في فنزويلا، فر أربعة ملايين شخص من البلاد - في واحدة من أكبر عمليات النزوح في العالم». وقال: «نواجه احتمال نشوب نزاع مسلح في الخليج، وهذا ما لا يمكن للعالم أن يتحمل عواقبه»، مضيفاً أن «الهجوم الأخير على منشآت النفط السعودية غير مقبول على الإطلاق». ونبّه إلى أنه «في سياق يمكن أن يؤدي فيه سوء التقدير البسيط إلى مواجهة كبيرة، يجب أن نفعل كل ما هو ممكن للضغط من أجل التعقل وضبط النفس»، آملاً «في مستقبل يمكن أن تعيش فيه جميع بلدان المنطقة في حالة من الاحترام والتعاون المتبادلين، من دون تدخل في شؤون الآخرين». وآمل كذلك في أن «يظل من الممكن الحفاظ على التقدم المحرز في مجال منع الانتشار النووي، من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة»، أي الاتفاق النووي مع إيران.
وتبعه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الذي عاد بالذاكرة إلى انقسامات الحرب الباردة بين عالم حر وعالم اشتراكي، قبل أن يرد بحدة على الهجمات التي تعرض لها دولياً بسبب حرائق الغابات في الأمازون. فقال: إن «هناك مغالطة في القول إن غابات الأمازون هي تراث البشرية»، معتبراً أن «هناك سوء فهم أكده العلماء لمقولة إن غابات الأمازون هي رئة العالم». وانتقد بولسونارو التقارير المثيرة في وسائل الإعلام الدولية «أثارت مشاعرنا الوطنية»، ورأى أن «استخدام بعض هذه المغالطات واللجوء إليها، بدلاً من المساعدة (...) تصرفت (هذه الدول المنتقدة) بطريقة غير محترمة وبروح استعمارية»؛ إذ إنها «شككت حتى فيما نعتبره أكثر قيمة مقدسة، وهي سيادتنا». كما دافع عن سجله في معاملة السكان الأصليين، فرأى أن الكثيرين يدعمونه، قائلاً إن «بعض الناس داخل البرازيل وخارجها، بدعم من المنظمات غير الحكومية (...) أصروا على معاملة الهنود والحفاظ عليهم كما لو كانوا رجال كهوف حقيقيين».
بدوره، وفي خطاب طالب فيه دول العالم باحترام سيادة أميركا وحقها في حماية نفسها من التهديدات المختلفة، بما في ذلك الممارسات التجارية غير العادلة، ردد ترمب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة شعار «أميركا أولاً»، داعياً البلدان إلى إعطاء الأولوية لمواطنيها بغية ضمان السلام والرخاء العالميين. وقال: إن «المستقبل لا ينتمي للعولمة»، بل هو «مِلك الوطنيين»، معتبراً أنه «إذا كنت تريد الحرية، فافخر ببلدك. إذا كنت تريد الديمقراطية، تمسك بسيادتك. إذا كنت تريد السلام، أحب أمتك».
وقال الرئيس ترمب، إن «الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع أي دولة أخرى، بل إنها ترغب في السلام والتعاون والمنفعة المتبادلة مع الجميع»، مستدركاً أنه «لن يخفق قط في الدفاع عن مصالح أميركا». وأكد أن «أحد أكبر التهديدات الأمنية التي تواجه الدول المحبة للسلام اليوم هو النظام القمعي في إيران» الذي «يعرف سجله في الموت والدمار بالنسبة إلى الجميع»، موضحاً أن «إيران ليست الدولة الأولى في العالم التي ترعى الإرهاب فحسب، بل إن زعماء إيران يؤججون الحروب المأساوية في كل من سوريا واليمن»، في حين «يهدر النظام ثروة الأمة ومستقبلها في سعي متعصب للحصول على الأسلحة النووية ووسائل إيصالها». وشدّد على أنه «يجب ألا نسمح قط بحصول ذلك»، موضحاً أنه «من أجل وقف طريق إيران نحو الأسلحة النووية والصواريخ، انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية الرهيبة». وأشار إلى العقوبات التي فرضها على إيران بعد ذلك، لافتاً إلى أن «النظام صعّد عدوانه العنيف وغير المبرر أملاً في التخلص من العقوبات». وأشار إلى العقوبات الإضافية التي فرضها أخيراً على البنك المركزي الإيراني، وصندوق الثروة السيادية رداً على الهجوم الإيراني الأخير على منشآت النفط السعودية. وقال: «على كل الدول واجب التصرف. يجب ألا تدعم أي حكومة مسؤولة التعطش للدماء في إيران»، مؤكداً أنه «طالما استمر سلوك إيران المهدد، لن يجرِ رفع العقوبات، بل ستشدد».
واتّهم الزعماء الإيرانيين بأنهم «يشرعون في حملة صليبية لجمع الثروات» على حساب شعبهم. ولاحظ أنه منذ 40 عاماً، «استمع العالم إلى حكام إيران وهم ينتقدون أي شخص آخر على المشاكل التي أوجدوها لأنفسهم»، مذكراً بأنهم «يطلقون هتافات: الموت لأميركا، ويتاجرون بمعاداة السامية الوحشية». وأشار إلى أن المرشد علي خامنئي وصف إسرائيل بأنها «ورم خبيث وسرطاني يجب إزالته والقضاء عليه»، مذكراً بأن «أميركا لن تتسامح مع مثل هذه الكراهية المعادية للسامية». ورأى أن «هناك اعترافاً متزايداً في الشرق الأوسط الكبير بأن دول المنطقة تشترك في مصالح مشتركة في محاربة التطرف وإطلاق العنان للفرص الاقتصادية»، معتبراً أنه «من المهم للغاية إقامة علاقات طبيعية كاملة بين إسرائيل وجيرانها». وقال: «يستحق مواطنو إيران حكومة تهتم بالحد من الفقر وإنهاء الفساد وزيادة فرص العمل، وليس سرقة أموالهم لتمويل مذبحة في الخارج وفي الداخل»، مضيفاً أنه «بعد أربعة عقود من الفشل، حان الوقت لقادة إيران للتقدم والتوقف عن تهديد البلدان الأخرى والتركيز على بناء بلدهم. حان الوقت لقادة إيران لوضع الشعب الإيراني في المرتبة الأولى»، مؤكداً أن بلاده «مستعدة لاحتضان الصداقة مع كل من يسعى حقاً إلى السلام والاحترام». ولفت إلى أن «الكثير من أصدقاء أميركا المقربين اليوم كانوا من ألد أعدائنا»، موضحاً أن الولايات المتحدة «لم تؤمن أبداً بالأعداء الدائمين. نريد شركاء وليس خصوماً».
أما الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فقال: إن «الطاقة النووية يجب إما أن تكون مجانية لكل الدول أو محظورة تماماً»، محذّراً من أن «عدم المساواة» بين الدول التي تمتلك طاقة نووية ومن ليس لديه يقوض التوازنات العالمية. ودعا أيضاً المجتمع الدولي إلى المساعدة في تأمين السلام والأمن في مدينة إدلب السورية، معتبراً أن إنشاء «منطقة آمنة» في شمال سوريا ينقذ ملايين الأرواح.
ترمب يطالب زعماء العالم برفض التعطش الإيراني «إلى الدماء»
غوتيريش أكد أن الهجوم على السعودية «غير مقبول إطلاقاً»
ترمب يطالب زعماء العالم برفض التعطش الإيراني «إلى الدماء»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة