سلبيات وإيجابيات في تاريخ الدولة العثمانية

TT

سلبيات وإيجابيات في تاريخ الدولة العثمانية

النقاش حول تاريخ الدولة العثمانية، التي برزت منذ العام 1300م، وانتهت مع نهاية الحرب العالمية الأولى 1918، هو نقاش مستمر ومفتوح. لقد كانت هذه الدولة إمبراطورية عالمية، خلّفت شعوباً أصبحت تتوزع على 30 دولة، كانت جميعها تخضع للحكم العثماني. وكان هناك تباين بين المؤرخين حول تقييم تجربة هذه الإمبراطورية. فهناك من يعتبر المؤسسات والقوانين والإطارات السياسية والإدارية والعسكرية السائدة فيها، سبباً في صون اللغات المحلية والديانات. وبالتالي لم تحصل عثمنة أو أسلمة قسريتان، والدليل على ذلك استمرار اللغات اليونانية والبلغارية والعربية والأرمنية والعربية وغيرها، وكذلك استمرار الديانتين المسيحية واليهودية. ولكن هناك من يركز في التاريخ العثماني على أعمال قهر للسكان وأعمال عنف بحق مسلمين غير سنة في هذه الدولة، وكذلك بحق مسيحيين من طوائف مختلفة (أرمن، سريان، مجاعة الموارنة في جبل لبنان)، كما أن الصرب عندما هُزموا أمام الفتح العثماني بيع عدد كبير منهم عبيداً.
على صعيد آخر، يركز باحثون آخرون أن حماية «أهل الذمة»، من غير المسلمين، كانت القاعدة في الدولة العثمانية، مع الملاحظة أن هؤلاء الرعايا كانوا يعتبرون ذوي مكانة أقل شأناً من مكانة الرعايا المسلمين، والاضطلاع بمسؤوليات معينة كانت محظورة عليهم.
إن تقييم الدولة العثمانية من الخارج لا يكفي، بل يجب العمل على تقييمها من الداخل، انطلاقاً من الأرشيف الضخم الذي تركته هذه الإمبراطورية. ويعتبر المؤرخ الكبير فرنان بروديل أن الاطلاع على الأرشيف العثماني يغير شيئاً فشيئاً النظرة التقليدية والقديمة لهذه الدولة.
وعلى إثر الرسالة التي وجّهها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون بمناسبة بدء الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان «دولة لبنان الكبير» في ظل الانتداب الفرنسي (في أول أيلول 1920)، وأشار فيها «إلى إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خصوصاً خلال الحرب العالمية الأولى...». تتالت الردود، وبخاصة من مفتي الجمهورية اللبنانية السابق د. محمد رشيد قباني الذي قال: «اعلم يا فخامة الرئيس أن النيل من دولة الخلافة العثمانية التي كانت تمثل الإسلام والمسلمين في العالم في أيامها... هو بالمقارنة كالنيل من دولة الكنيسة في روما...». واعتبر أستاذ جامعي (الدكتور حسان حلاق) أن الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها... وأنه من الظلم أن نحكم على الدولة العثمانية من خلال آخر 4 سنوات لها، أي 1914 – 1918 لأن حكام هذه الفترة هم من القوى العلمانية والماسونية والدونمة واليهود، وغالبية قوى «الاتحاد والترقي» ليسوا من أصل إسلامي ولا عثماني ولا تركي.
إن البحث الموضوعي في تاريخ هذه الدولة يؤدي إلى ملاحظة كثير من السلبيات، وكثير من الإيجابيات. ولا يمكن في مقال سريع اختزال هذه الأمور. ولكن بالنسبة إلى الذاكرة التاريخية عند أغلب الطوائف اللبنانية فثمة محطات راسخة في «لا وعي» جماعات هذه الطوائف...
1 - بالنسبة لطائفة الموحدين الدروز، فقد تعرضت على امتداد القرن السادس عشر النواحي ذات الأكثرية الدرزية لحملات تأديبية قاسية من قبل السلطة المركزية. ودفاتر المهمة العثمانية فيها كثير من التقارير عن قتال السلطة المركزية مع الدروز على امتداد القرن الـ16. فالحكم السلطاني أصدر أمراً في 21 جمادى الآخرة 976 ه - (11 ديسمبر - كانون الأول 1568) بجمع قادة الدروز في مكان واحد وإلقاء القبض عليهم وتأديبهم. ولقد أبرزت هذه الأوامر أن هناك ما يشبه حرب استنزاف بين النواحي الدرزية والسلطة العثمانية. وأن هناك رفضاً من قبل هذه النواحي لدفع الضرائب العادية المفروضة كما أن هناك عصياناً على أوامر الاستنفار العسكري.
2 - بالنسبة للطائفة الشيعية، ثمة مصادر كثيرة أوردت الخسائر البشرية التي أصابت هذه الطائفة مع مطلع الفتح العثماني سنة 1516.
ويورد محمد جابر آل صفا أنه في عام 1780 «اكتسحت جنود الجزار البلاد وأحرقت القرى ودمرت المنازل. وشحن ما في مكاتب جبل عامل من التآليف والمخطوطات النادرة حيث أحرقت في عكا... وأسرف رجاله في ذلك الشعب قتلاً وذبحاً وقبض على فريق من الوجهاء. فأماتهم خنقاً في سجون عكا وشرد من بقي إلى البلاد المجاورة».
وفي حدود العام 1694 حصل عصيان وتمرد شيعي في بعض المناطق اللبنانية. فما كان من القوات العثمانية إلا أن تدخل إلى القرى الشيعية الخالية عادة من سكانها الفارين، ولا تتركها إلا رماداً، بعد نهب ما تصل يدها إليه تنفيذاً للأوامر السلطانية.
3 - أما بشأن المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، فصحيح أن الدولة العثمانية احترمت تقاليد الحكومات الإسلامية السابقة مع غير المسلمين لجهة اعتبارهم من «أهل الذمة». وفي كثير من المؤلفات وصف لما كان يقوم به كثير من ولاة الدولة بهدف إذلال فئة من الرعية. فتارة يتم فرض الضرائب الفاحشة، وتارة يضطهدونهم ويعذبونهم. وكم من مرة طاردت السلطة العثمانية رجال الدين المسيحيين، فأرغمتهم على الاختفاء في المغاور أو السفر إلى أوروبا أو الهجرة إلى قبرص ولبنان.
إن أخطر ما حصل مع سكان متصرفية جبل لبنان القرار المركزي من قيادة الاتحاد والترقي بفرض المجاعة على جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى خوفاً من التنسيق مع قوات الحلفاء، وهذا ما ذكره المتصرف أوهانس قيومجيان في مذكراته التي نشرت مؤخراً في باريس. وأغلب الدراسات ترجح وفاة ثلث الشعب اللبناني بسبب تلك المجاعة.
4 - مع تصاعد حركة التتريك، بدل العثمنة، تصاعدت الانتماءات القومية في الدولة العثمانية. وكانت مشانق جمال باشا للنخب المسيحية والمسلمة على السواء، هي المؤشر للانفصال والبحث عن المواطنة في إطار العروبة أو اللبنانية.
على صعيد آخر، يجدر بنا أن نلاحظ، انطلاقاً من دراستنا للإحصاءات العثمانية، أن الوجود الديمغرافي المسيحي عام 1516 كان يتوقف عند خط بكفيا – بيت شباب في جبل لبنان، وعند الفرزل في البقاع. ولكن خلال قرنين تمدد هذا الوجود المسيحي ووصل إلى رميش وعين إبل والقليعة جنوباً، ووصل إلى راشيا وحاصبيا جنوب البقاع.
من جهة أخرى، وفّرت الإدارة العثمانية للبنانيين حرية إنشاء المدارس والمطابع وحرية الصحافة نسبياً، حتى إن أحمد فارس الشدياق كان – من خلال صحيفته «الجوائب» – الناطق باسم السلطنة في إسطنبول.
كما أن مشاركة المثقف الماروني خليل غانم في وضع دستور الدولة العثمانية عام 1876 لها دلالاتها لجهة احترام تنوع الملل في السلطنة. وكذلك الأمر بالنسبة لتسلم سليمان البستاني مسؤولية الوزارة قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقد استقال بسبب معارضته لها. وله كتاب مهم حول إصلاح الدولة «عِبرة وذكرى».
صحيح أن الدين الإسلامي كان العقيدة الرسمية في النظام السياسي والاجتماعي وكانت الشريعة هي الموجه للقوانين المدنية والجزائية والدستورية. وكان السلطان يجسد السيادة العليا للشريعة. ولكن في القرن التاسع عشر حاولت الدولة العثمانية أن تدخل إصلاحات سميت «بالتنظيمات».
ومع ثورة كمال أتاتورك تم فصل الإسلام عن الدولة. وأصبحت تركيا دولة علمانية قانوناً ودستوراً. وقد أدان مصطفى كمال أتاتورك المجازر التي قام بها النظام العثماني بحق الأرمن وغيرهم. وهكذا فإن الإدانة والاتهام يجب ألا تشمل الشعب التركي، في كل الحقب. بقدر ما يجب التركيز على الإدانة في أحداث معينة وفترات معينة وأشخاص معنيين.
وانطلاقاً من كل ذلك ندعو الجميع أن يستعينوا، في صياغة مواقفهم، بمستشارين أكفاء، كما ندعو المشيدين بفضائل الدولة العثمانية أن يحترموا الحقائق والوقائع التاريخية ويتذكروا أن الشعب التركي تخلى وأدان أخطاء الدولة العثمانية.

- أستاذ تاريخ الدولة العثمانية سابقاً في الجامعة اللبنانية



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.