تنطلق في مطلع الأسبوع أعمال الدورة السنوية الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة مرتقبة من 152 من الرؤساء والملوك والأمراء و3 من نواب الرؤساء و36 من رؤساء الحكومات، فضلاً عن مئات المسؤولين والدبلوماسيين الكبار من الدول الـ193 الأعضاء بالمنظومة الدولية، لمناقشة القضايا والتحديات الأكثر إلحاحاً والأكبر خطراً في عالم اليوم، ولمحاولة إيجاد مخارج وتسويات لها؛ ومنها تزايد انعدام المساواة وارتفاع معدلات الكراهية والتعصب، ولكن أهمها على الإطلاق يتمثل في التغير المناخي والتهديد الإيراني.
ورغم أن المراقبين لاحظوا أن المنتدى الدولي الأرفع والأوسع على الإطلاق عبر العالم ينطلق هذه السنة بخطابات لمجموعة من «الرجال الأشداء» أو «الرجال الأقوياء»، في إشارة إلى بدء الاجتماعات بخطابات للرؤساء البرازيلي جايير بولسونارو والأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وضع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نصب عينيه أزمة تغير المناخ التي ستطغى على ما عداها من تحديات عالمية، ليمنح بذلك مزيداً من الاهتمام لخطط زعماء آخرين مثل الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والمكسيكي أندريس مانويل أوبرادور والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية التي تضغط بشدة من أجل اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ الكوكب من الآثار المدمرة لظاهرة الاحتباس الحراري.
ويدرك المراقبون أن هاتين العلامتين الفارقتين في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذه السنة لا تخفي بقية الهواجس التي تقلق المجتمع الدولي، وأخطرها على الإطلاق الأزمة الدولية الطارئة مع إيران، ودورها الذي يزعزع استقرار الشرق الأوسط. وجاء التورط في استهداف منشآت أرامكو النفطية في بقيق وخريص ليشكل نقطة تحول خطيرة في التهديدات الإيرانية المتمادية لإمدادات النفط العالمية. وعلى أثر هذه الاعتداءات، ارتفعت درجة التوتر بصورة دراماتيكية. وتبددت بسرعة التكهنات عن لقاء محتمل بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والإيراني حسن روحاني. وساد الغموض حيال طريقة تفاعل قضية كشمير بين الهند وباكستان، وسط تساؤلات متزايدة عن آثار غياب زعماء ورؤساء دول وحكومات تمثل دولهم أبرز النزاعات الساخنة، ومنها النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن «العالم يقف على منعطف حرج على جبهات عدة»، داعياً زعماء العالم إلى مزيد من التعاون وإلى إظهار اهتمام بالمشاكل التي يواجهها الناس. وأضاف: «نحن نخسر السباق ضد تغير المناخ. عالمنا لا يحترم أهداف التنمية المستدامة»، مطالباً بـ«تهدئة التوترات، وبشكل خاص في منطقة الخليج»، علماً أن «وقت الحوار والحلول السياسية حان؛ من ليبيا إلى اليمن وسوريا، وبين إسرائيل وفلسطين، وفي أفغانستان وجنوب السودان». وطلب من زعماء العالم «ألا يأتوا بخطب معقدة، ولكن بالتزامات ملموسة».
- المناخ تهديد واضح
وكان غوتيريش يدق جرس السلام الجمعة في الحديقة اليابانية بمقر الأمم المتحدة احتفالاً باليوم الدولي للسلام، إذ حذر من التهديد الذي يشكله تغير المناخ على السلام في العالم. وقال إن «السلام أكثر بكثير من مجرد عالم خالٍ من الحروب». وفي هذا السياق، تحيي الأمم المتحدة هذا العام تحت شعار «العمل المناخي من أجل السلام» بقمة تجمع عدداً كبيراً من زعماء العالم. ويقول الخبراء إن «تغير المناخ يهدد السلم والأمن الدوليين تهديداً واضحاً»، إذ إن الكوارث الطبيعية ترغم الناس بثلاثة أضعاف ما تفعله النزاعات. ويضطر الملايين إلى ترك منازلهم والبحث عن الأمان في أماكن أخرى. كما تواجه قضية الأمن الغذائي تهديدات بسبب تملُح المياه والمحاصيل. وتؤثر التوترات المتزايدة في الموارد والحركات الجماهيرية في كل بلد وفي كل قارة.
- 5 قمم
وليست قمة المناخ إلا واحدة فحسب من 5 قمم عالمية رئيسية. ولكنها الأبرز. وتفيد مديرة مركز أخلاقيات الأرض لدى جامعة كولومبيا كارينا غور بأن «هناك سبباً وجيهاً لأن يعتبر معظم زعماء العالم أن تغير المناخ هو التحدي الرئيسي والمهم للبشرية في عصرنا». ويرتقب أن تكون قمة العمل المناخي منتدى لتحميل الدول المسؤولية عن الالتزامات التي قطعتها بغية خفض ظاهرة الاحتباس الحراري كجزء من اتفاقية باريس لعام 2016. وهناك قمة المناخ للشباب، التي ينظمها نشطاء من الشباب عبر مظاهرات في كل أنحاء العالم هذا العام، فيما بات يعرف باسم مبادرة «الإضراب المناخي» التي أطلقتها الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، وانضم إليها ملايين المؤيدين الذين تجمعوا في أكثر من 150 دولة. وقالت ثونبرغ، عشية إجماع زعماء العالم في الأمم المتحدة، إن «الطلاب في كل أنحاء العالم يتظاهرون ضد التقاعس عن تغير المناخ». فيما أكد المقرر الخاص للأمم المتحدة فيليب ألستون، أن «تغير المناخ يهدد بالتراجع عن 50 عاماً من التقدم في التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر»، محذراً من أن الظاهرة «ربما تدفع أكثر من 120 مليون شخص آخر إلى الفقر بحلول عام 2030». ولاحظت كارينا غور، ابنة نائب الرئيس الأميركي سابقاً آل غور، أنه رغم الانسحاب المعلن من إدارة الرئيس دونالد ترمب من اتفاقية باريس «لا تزال الولايات المتحدة ضمن الاتفاق من الناحية الفنية».
وفي اليوم الذي تنظم فيه قمة العمل المناخي، تستضيف الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخها اجتماعاً رفيعاً حول «التغطية الصحية الشاملة للجميع» تحت عنوان «التحرك معاً لبناء عالم أكثر صحة». وتدعي المنظمة الدولية أن هذه المناسبة ستكون أهم لقاء سياسي على الإطلاق يناقش موضوع التغطية الصحية الشاملة. ومع افتقار نصف سكان العالم على الأقل إلى الخدمات الصحية الأساسية التي يحتاجونها، ومع دفع التكلفة العالية للصحة بنحو 100 مليون شخص نحو حياة الفقر المدقع في كل عام، يسعى هذا الاجتماع إلى أن يمثل الفرصة الفضلى لتأمين التزام سياسي، من جميع رؤساء الدول والحكومات، للاستثمار في التغطية الصحية الشاملة لضمان الصحة للجميع وتحديدها واحدةً من الأولويات الكبرى.
وتعقد في 24 سبتمبر (أيلول) و25 منه قمة أهداف التنمية المستدامة، وهي الأولى من نوعها أيضاً منذ اعتماد دول العالم بالإجماع للخطة في عام 2015. وتعد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من أكثر المشاريع طموحاً على الإطلاق بهدف تحويل عالمنا وتعزيز الرخاء وضمان الرفاهية وحماية البيئة للجميع. وهي تتضمن خططاً للقضاء على الفقر والجوع، وتوسيع نطاق الوصول إلى الصحة والتعليم والعدالة والوظائف، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، وحماية الكوكب من التدهور البيئي والتخفيف من تأثيرات أزمة المناخ. وشهدت الأمم المتحدة بالفعل تقدماً خلال السنوات الأربع الماضية. غير أن المنظومة الأممية تحذر من أن الصراعات والنزاعات حول العالم وتغير المناخ والافتقار إلى الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية وتزايد أوجه عدم المساواة وفجوات التمويل الكبيرة، حدّت كلها من تأثير الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويعترف مسؤولو الأمم المتحدة بأنه لا يمكن تحقيق أي من هذه الأهداف من دون المال اللازم. لكن توفير التمويل الكافي لتحقيقها يشكل تحدياً ضخماً. ولذلك، يجمع «الحوار رفيع المستوى بشأن تمويل التنمية» في 26 سبتمبر (أيلول) القادة الحكوميين وممثلين عن قطاع الأعمال والقطاع المالي، في محاولة لإطلاق العنان للموارد والشراكات اللازمة، وتسريع التقدم نحو تمويل التنمية المستدامة. وتشير التقديرات إلى أن هنالك حاجة ماسة إلى استثمارات سنوية تتراوح بين 5 و7 تريليونات من الدولارات في كل القطاعات لتحقيق تلك الأهداف التنموية.
أما آخر مؤتمرات القمة الخمسة فيشمل «استعراض منتصف المدة رفيع المستوى الخاص بإجراءات العمل المعجَل لدول الجزر الصغيرة النامية»، أو ما يسمى «مسار ساموا» الذي ينعقد بعد 5 سنوات من التوصل إلى اتفاق طموح، لدعم التنمية المستدامة في هذه الدول الجزر، التي تعد من أضعف دول العالم. وسيجري في الاستعراض تشجيع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ومجموعة واسعة من أصحاب المصلحة الآخرين على إطلاق شراكات جديدة تعزز تنفيذ المجالات ذات الأولوية في «مسار ساموا» وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في دول الجزر الصغيرة.
- خطاب ترمب: إيران
ويترقب العالم الخطاب الذي سيلقيه الرئيس ترمب الثلاثاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لمعرفة المواقف التي سيعلنها في تصاعد التوترات بصورة لا سابق لها مع إيران، فضلاً عن مواقف أخرى محتملة في ملفات الشرق الأوسط والعالم العربي. ويتوقع أن يستضيف ترمب حفل عشاء لجمع التبرعات - مع فرصة لالتقاط الصور معه - التي يمكن أن تصل تكاليف الواحدة منها إلى نحو 250 ألف دولار. وسيمضي وزير الخارجية مايك بومبيو أسبوعاً في الأمم المتحدة أيضاً. ولا شك في أنه سيطلع نظراءه على نتائج زيارته للمملكة العربية السعودية بعد اعتداءات أرامكو. وسيكون هذا الخطاب الثالث لترمب في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد خطابي عامي 2017 و2018، حين هيمن ملف التوتر مع كوريا الشمالية. ولا يتوقع أن يأتي الرئيس الإيراني حسن روحاني بمبادرة ذات مغزى في خطابه أمام زعماء العالم في 25 سبتمبر (أيلول)، علماً أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف سيلتقي الصحافيين في 23 سبتمبر. ولاحظ الصحافيون المعتمدون في الأمم المتحدة أن التكهنات في شأن لقاء محتمل بين ترمب وروحاني انعدمت بعد الهجمات الأخيرة على المملكة العربية السعودية.
وفي ظل التوتر الأخير بين الهند وباكستان، وهما الجارتان النوويتان في آسيا، حول ملف كشمير، تتجه الأنظار إلى ما سيقوله رئيس وزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الباكستاني عمران خان. وقال المندوب الهندي الدائم لدى الأمم المتحدة سيد أكبر الدين، إن «مسار علاقات الهند مع الولايات المتحدة كان دائماً على قدم وساق»، بل إن ترمب سينضم إلى مودي في قمة «مرحباً، مودي!» في تكساس، قبل مجيئهما إلى نيويورك. ومن المؤكد أن يتصدى الزعيم الباكستاني عمران خان للأزمة في كشمير.
- جونسون و«بريكست»
وستكون هناك اهتمامات برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وخططه لـ«بريكست» مع استمرار معاركه القانونية والسياسية حامية الوطيس في لندن. وانتشرت تقارير غير مؤكدة عن أن جونسون يمكن أن يستغل هذه المناسبة لكشف اقتراح روج له كثيراً لإيجاد بديل من الجزء «الآيرلندي المساند» المثير للجدل من اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن روسيا تتولى رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، يترأس وزير الخارجية سيرغي لافروف اجتماعين مهمين، لكن الرئيس فلاديمير بوتين لن يحضر كما كان يحصل في الماضي. وقال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا للصحافيين، إن الوفد الروسي سيقدم اقتراحاً لخطة أمنية إقليمية لتخفيف حدة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج.