بوادر تصدع في معسكر نتنياهو مع بدء مشاورات تشكيل الحكومة

سيف القضاء مسلط على رئيس الوزراء المنتهية ولايته لتورطه في الفساد

نتنياهو يخاطب مؤيديه في أعقاب اعلان نتيجة الانتخابات الأخيرة (رويترز)
نتنياهو يخاطب مؤيديه في أعقاب اعلان نتيجة الانتخابات الأخيرة (رويترز)
TT

بوادر تصدع في معسكر نتنياهو مع بدء مشاورات تشكيل الحكومة

نتنياهو يخاطب مؤيديه في أعقاب اعلان نتيجة الانتخابات الأخيرة (رويترز)
نتنياهو يخاطب مؤيديه في أعقاب اعلان نتيجة الانتخابات الأخيرة (رويترز)

مع نشر النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية، الليلة الفائتة، وتثبيتها كهزيمة لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، باشر رئيس حزب الجنرالات، بيني غانتس، الاتصالات مع حلفائه لتجنيد 61 نائبا يوصون رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، أن يكلفه بتشكيل الحكومة. ومع أن نتنياهو يواصل تنكره للهزيمة ويصر على محاولة تجنيد توصيات لتكليفه هو بتشكيل الحكومة، إلا أن تصدعات بدأت تظهر في معسكره وتذمرات من حلفائه.
وقالت مصادر سياسية في الليكود إن نتنياهو يجر معسكر اليمين إلى هزيمة جديدة، كما يبدو. فحتى لو نجح في الحصول على تكليف من رئيس الدولة، وهو أمر مستبعد حاليا، فإنه سيفشل في تشكيل حكومة. وعندها سيتفكك حزبه ومعسكره ويستطيع غانتس تشكيل حكومة جديدة تقضي لسنوات طويلة على الحزب، كما حصل في سنة 2006 عندما هبط تمثيل الليكود إلى 12 مقعدا تحت قيادة نتنياهو.
وقد حذرت مصادر قضائية، أمس الجمعة، من أن تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة يصطدم بمشكلة قضائية جديدة. فرئيس الدولة لا يستطيع أن يكلف شخصا بتشكيل حكومة وهو يواجه اتهامات خطيرة بالفساد. فإذا أنهى رفلين مشاوراته مع قادة الأحزاب خلال الأسبوع القادم، سيقترب كثيرا من موعد إعداد لائحة اتهام ضده. ففي الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) القادم، ستعقد جلسة الاستماع مع محاميه وسيبت المستشار القضائي للحكومة بشأنه وسيقرر على الغالب قبول توصيات الشرطة والنيابة بتوجيه ثلاث لوائح اتهام ضد نتنياهو بتهم تلقي رشوة وخيانة الأمانة والاحتيال.
وقال خبير الشؤون الحزبية، يوسي فيرتر، إن «ساعة نتنياهو تدق مع اقتراب جلسة الاستجواب في مكتب المستشار القضائي للحكومة، والتي بعدها ستكون بانتظاره، بالتأكيد، لوائح اتهام. واضح أن نتنياهو يستل الآن الأرنب الأخير والوحيد الذي تبقى في جعبته، وهي لعبة الاتهامات القديمة والجيدة، من أجل الوصول، ربما، إلى جولة انتخابات ثالثة مدعومة بتأييد شعبي ما. ولكن هذا وهم مطلق. فهو رئيس حكومة مشتبه بمخالفات جنائية ويرفض إخلاء كرسيه والتفرغ لشؤونه، كما أنه ليس مرشحا شرعيا».
ووصف فيرتر أقوال نتنياهو بأنه فوجئ من رفض غانتس لدعوته إقامة حكومة وحدة، بأنها «فرفرة الموت». وقال: «إنه – أي نتنياهو - يحاول خلق مشهد كاذب بأنه يسيطر على الوضع، لكن خدعته مفضوحة. فليس هناك مخرج لهذا المأزق غير المسبوق، اللهم إلا إذا بادر إلى إبرام صفقة ادعاء مع النيابة تؤدي إلى إلغاء لوائح الاتهام ضده، مقابل أن يعتزل السياسة بشكل محترم، قياسا بوضعه، من دون عقوبة السجن. والخيار الآخر أمامه هو أن يقدم حزب الليكود على الإطاحة به وتغييره بقائد آخر ذي مصداقية جماهيرية. وهذه عملية صعبة ومعقدة ومليئة بالعقبات. وثمة شك إذا كان المدى الزمني يسمح بذلك».
وقالت محررة الشؤون الحزبية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سيما كدمون، إن «نتائج الانتخابات أوضحت لنتنياهو بأنه ليس قادرا على كل شيء، وأنه ليس بحوزته تفويض عام لإخضاع سلطة القانون لمصلحته». واستبعدت كدمون أن توافق النيابة على إبرام صفقة مع نتنياهو. وقالت إن الأجواء السائدة في وزارة القضاء تشير إلى أن نتنياهو متورط في الفساد بشكل لا يحتمل مسامحته. وسيكون عليه أن يتوجه إلى محاكمة طويلة، يخوضها في الصباح ويدير شؤون الدولة في المساء». وقد نفى نتنياهو أمس أنه يحاول التوصل إلى صفقة ادعاء مع النيابة.
وأما المحلل السياسي لصحيفة «معريب»، بن كسبيت، فقد كتب ببالغ الثقة: «لقد انتهى عهد نتنياهو. فالرجل قضى على نفسه بيديه. كان لديه كل شيء، وسيكتشف قريبا أن لا شيء لديه. الفائز تحول إلى خاسر. وناشطو الليكود أداروا ظهرهم له. فقد بقيت أعداد كبيرة منهم في البيت أو ذهبوا إلى شاطئ البحر ولم يصوتوا. وقال الجمهور له «حتى هنا». فمن كان يعتبر كمن يجلب الحكم إلى اليمين، تحول إلى من يبعد الحكم. فهو لن يتمكن من تشكيل حكومة ولن يتمكن من الفوز في معركة انتخابية أخرى، بعد خمسة شهور أخرى. حتى في حزبه الليكود، لا توجد أغلبية تؤيد ذلك. لكن إذا نجح في حل الكنيست، فإن الدولة التي تجمدت لسنة ونصف السنة بسببه سوف تفرغ غضبها فيه. وهو سيفكك الليكود إلى أشلاء، تماما مثلما فعل في العام 2006. وسيدرك الليكود ذلك قريبا. الآن هم يسكتون، ويمنحونه حبلا». ويذكر كسبيت أن «أريئيل شارون اعتاد على قول الجملة التالية عن نتنياهو: أعطوه حبلا، وسوف يشنق نفسه. وبعد أن نضج مع مرور السنين، عاد نتنياهو إلى حالته السابقة. ويرتكب جميع الأخطاء الممكنة ويسقط في جميع الحفر الفارغة».
الجدير ذكره أن نتائج الانتخابات شبه النهائية، التي نشرت أمس، تثبت النتائج المعلنة سابقا وتدل على هزيمة نتنياهو. فبعد فرز 99.8 في المائة من مجموع الأصوات، بقي الحزب الأكبر هو «كحول لفان» بقيادة غانتس، الذي وصل إلى 33 مقعدا، يليه «الليكود» 31 مقعدا. وتثبت وضع القائمة المشتركة كقوة ثالثة في الكنيست حيث حصلت على 13 مقعدا، يليها حزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس» 9 مقاعد، و8 مقاعد لكل من «يسرائيل بيتينو» (ليبرمان) و«يهدوت هتوراه» (اليهود الغربيين)، و7 مقاعد لـ«يمينا»، و6 مقاعد لـ«العمل – غيشر» و5 مقاعد لـ«المعسكر الديمقراطي».
وتشير معطيات لجنة الانتخابات المركزية إلى أنه شارك في التصويت 4458167 مصوتا من بين 6394030 من أصحاب حق الاقتراع، ما يعني أن نسبة التصويت بلغت 69.72 في المائة. أما عدد الأصوات الصحيحة فقد وصل إلى 4430566 صوتا، في حين وصل عدد الأصوات اللاغية إلى 27601 صوت. أما عدد الأصوات التي كانت مطلوبة لتجاوز نسبة الحسم (3.25) فقد كانت 143993 صوتا.
وتشير المعطيات إلى أن كحول لفان حصل على 1148700 صوت، أي ما نسبته 25.93 في المائة، في حين حصل «الليكود» على 1111535 صوتا، أي ما نسبته 25.09 في المائة. أما القائمة المشتركة فقد حصلت على 470611 صوتا، أي ما نسبته 10.62 في المائة. يليها «شاس» التي حصلت على 309688 صوتا، أي ما نسبته 7.44 في المائة. وحصل ليبرمان على 309688 صوتا (6.99 في المائة)، و«يهدوت هتوراه 268688 صوتا (6.06 في المائة)، و«يمينا» على 260339 صوتا (5.88 في المائة)، و«العمل – غيشر» 212529 صوتا (4.80 في المائة)، «المعسكر الديمقراطي» 192261 صوتا (4.34 في المائة). وقد سقطت بقية الأحزاب (21 حزبا)، بينها حزب «عوتسما يهوديت» الكهاني، إيتمار بن غفير، الذي ينادي بترحيل الفلسطينيين، لكنه حصل على 83266 صوتا (1.88 في المائة).
وقد طلب رئيس الدولة رفلين من رئيس لجنة الانتخابات أن يبدأ، غدا الأحد، مشاوراته مع رؤساء الأحزاب حتى يختار الشخصية الأوفر حظا، التي سيسند إليها مهمة تشكيل الحكومة المقبلة.
ومن جهة ثانية نفى ليبرمان أن يكون قد توصل إلى اتفاق مع غانتس لتأييده في رئاسة الحكومة وقال بأنه سيلتقيه فقط بعد جلسة كتلته البرلمانية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم