أوبراين «الطيّع» بدلاً من بولتون «المتشدد»... يرسم ملامح سياسة ترمب الخارجية

في ظل خلاف الرئيس الأميركي مع «المؤسسة السياسية» المناهضة له

أوبراين «الطيّع» بدلاً من بولتون «المتشدد»... يرسم ملامح سياسة ترمب الخارجية
TT

أوبراين «الطيّع» بدلاً من بولتون «المتشدد»... يرسم ملامح سياسة ترمب الخارجية

أوبراين «الطيّع» بدلاً من بولتون «المتشدد»... يرسم ملامح سياسة ترمب الخارجية

تسمية روبرت أوبراين، قبل بضعة أيام، لمنصب مستشار الأمن القومي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ لتثبيت تعيينه. لكن، مما لا شك فيه، أن تسميته تكتسب أهمية ودلالات، وتطرح كثيراً من التساؤلات حول اتجاهات السياسة الخارجية لإدارة ترمب في هذه المرحلة. فهي تأتي في وقت تعمل فيه واشنطن على ملفات، أهمها التوتر المتصاعد مع إيران، والسلاح النووي لكوريا الشمالية، والحرب التجارية المستعرة مع الصين، وملف عملية السلام في أفغانستان، والأزمة المستمرة في فنزويلا، وهي ملفات كانت كلها مصدر خلافات رئيسية بين جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، مع ترمب، وأدت في نهاية المطاف إلى «إزاحة» بولتون من منصبه.
يحظى روبرت أوبراين بقبول عام لدى «المؤسسة» الحزبية الأميركية؛ خصوصاً الحزب الجمهوري. ثم إنه يتمتع بعلاقات جيدة مع زملائه في وزارة الخارجية، وفي وزارة الدفاع «البنتاغون» أيضاً. ويوصف، عموماً، بأنه «رجل ودّي»، بخلاف سلفه جون بولتون، الذي فقد «الانسجام» مع الرئيس.
حسب موقع وزارة الخارجية الأميركية، كان أوبراين في بداية مسيرته المهنية مسؤولاً قانونياً في لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي وجّهت اتهامات للعراق بعد حرب الخليج. وبفضل خبرته القانونية والعسكرية الكبيرة، فقد تقلد مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية إبان عهود الرؤساء جورج بوش الابن، وباراك أوباما، وترمب. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن أوبراين جنرال سابق في قوات الاحتياط التابعة للبحرية الأميركية، ومحامٍ مرموق تخرج من كلية حقوق جامعة كاليفورنيا – بيركلي الشهيرة.
اختار الرئيس بوش الابن، أوبراين، ضمن فريق الولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005، ليعمل إلى جانب بولتون، سفير واشنطن في الأمم المتحدة. وكان حتى صدور قرار تعيينه في منصبه الجديد يعمل مبعوثاً رئاسياً خاصاً لشؤون الرهائن في وزارة الخارجية، ويقدم استشارات للإدارة فيما يتعلق بمسائل الرهائن حول العالم، ويعمل على تطوير استراتيجيات التعامل مع قضايا الرهائن. وحقاً، برز اسم أوبراين خلال الأسابيع الماضية، لدوره في إطلاق سراح مغني «الراب» الأميركي، إيساب روكي، الذي اعتقل في السويد بتهمة اعتداء، وتدخل ترمب شخصياً لتأمين إطلاق سراحه، وأوفد أوبراين لحل قضيته... ورغم ذلك فقد تباينت ردود الفعل على تسميته لتولي هذا المنصب الرفيع.
صحيفة «يو إس أيه توداي» قالت إن البعض يعتبر اختيار أوبراين تقليلاً من أهمية هذا المنصب، ويشير إلى مدى النفوذ الذي يتمتع به وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي هو في الوقت الحالي رئيس لأوبراين. وفي المقابل، قال السيناتور الجمهوري لينسي غراهام، إن أوبراين «يفهم أماكن الخطر في العالم ويتمتع بمهارات تفاوضية كبيرة بصفته مفاوضاً لشؤون الرهائن»، متوقعاً له النجاح في مهمته. أما نيد برايس، الناطق باسم مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما، فقال إن ترمب «بعد تحمّله تجربة بولتون لا يريد شخصية قوية أو آيديولوجية في منصب مستشار الأمن القومي».

شخصية غير صدامية
في أي حال، شخصية أوبراين وتجربته، لا توحيان بأن ردّات فعل الإدارة الأميركية على الأزمات المندلعة، كالعدوان الإيراني الأخير وغير المسبوق على أكبر وأهم منشأة للطاقة في العالم، قد يأخذ شكلاً عسكرياً، ولو لم يكن شاملاً. فالرد على الهجوم الإيراني لا يقابل بالإصرار على سلاح العقوبات وحده، على ما طلبه ترمب من وزير الخزانة ستيفن منوتشين، ليتبعه بالقول إنه «من السهل جداً إجراء مكالمة هاتفية للردّ على هجمات السعودية، لكن الأمر ليس ضرورياً اليوم أو غداً أو في غضون أسبوعين».
ترمب، الذي يصرّ على تكرار أنه لن يتعامل مع طهران، إلى أن يرى تغييراً في سلوكها باتجاه تحولها «دولة طبيعية»، لا ينفك يطلق تصريحات متناقضة، توحي بأنه متردّد. ويرى البعض أنه قد يكون يتبع خطوات سلفه باراك أوباما، ويستخدم لغته التي سخر منها سابقاً، «عبر استعداده لتقديم حوافز من شأنها تسهيل المفاوضات»، بحسب موقع «ذي هيل» الأميركي. غير أن أحداً لا يشك في أن التصعيد الإيراني الأخير، الذي اعتبر أنه أكبر استفزاز للوضع، الذي نشأ في أعقاب معاودة واشنطن فرض عقوباتها على طهران، كان أول اختبار إيراني للوضع، الذي نشأ بعد إزاحة جون بولتون من منصبه.

العدوان الإيراني الجديد
الدكتور ماتيو ليفيت، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني والجماعات الإرهابية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، كان قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «إن نمط الهجوم التصاعدي الإيراني لا يمثل تحدياً لإدارة ترمب فقط، بل أيضاً للمجتمع الدولي الأوسع، بما في ذلك الصين، في ضوء تأثير تلك الهجمات على اقتصاد النفط العالمي». وأضاف ليفيت أنه «لمن المهم للغاية الآن تقديم أدلة علنية بأن إيران هي التي تقف وراء الهجوم على منشآت النفط السعودية، ومن ثم فإن السعوديين بصفتهم الطرف المتضرّر يجب أن يدعوا إلى اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي».
ليفيت لم يربط الهجوم الإيراني بشكل مباشر برحيل بولتون، قائلاً إن «إيران كانت تريد أن تصعّد من الأزمة في مطلق الأحوال. إلا أن الإحساس بأن ترمب لا يريد الحرب، من المرجح أن يغذي لدى الإيرانيين فكرة أنه لن تكون هناك تكلفة تذكر للهجمات الأخيرة على منشأتي النفط في السعودية، حتى الهجمات على السفن القريبة في الخليج، والتي تم تنفيذها باحترافية عالية لإمكان نفيها».
من ناحية ثانية، كتب مايكل نايتس، خبير الشؤون العسكرية لدول الخليج في «معهد واشنطن» أيضاً، في مقالة له: «إذا افترضنا ثبوت صحة الدلالات الأولية على حدوث الهجوم بواسطة صواريخ تسيارية أطلقت من الأراضي الإيرانية، فإن الضربة تشكل مجازفة جريئة للغاية من قبل القيادات الإيرانية. ومع أنه يمكن لإيران الاعتماد على شكوك الرأي العام الدولي لإنكار مسؤوليتها، مهما كانت الظروف، فإن هجوماً بهذه الضخامة كفيل بإثارة عواقب دبلوماسية وعسكرية شديدة الخطورة». وأردف نايتس أحد الاحتمالات، هو أن «مسؤولي الأمن الإيرانيين قرّروا أن بإمكانهم مواصلة اختبار العزم الأميركي والسعودي، من دون معاناة عواقب وخيمة، ربما بهدف زعزعة أو إبطال ثقة أحدهما بالآخر، أو إجبارهما على مواجهة إيران».

«الفوضى»... و«النزف»
من جهة أخرى، اللافت في التطوّرات الأخيرة أنها تكشف عن وجهين للسياسة الأميركية، يبدو أن إيران قررت اختبارهما معاً. فإقالة أو استقالة بولتون، كانت النتيجة الطبيعية «للفوضى السياسية» التي تشهدها أروقة البيت الأبيض، كما يرى مراقبون. واندلاع الخلاف بين أركان إدارة ترمب حول أفضل السبل لتحقيق «صفقته» مع إيران، أسلوبه المحبب في تحقيق إنجازاته السياسية، كانت تتجمع نُذُره منذ مدة، تجاوزت الخلاف حول الموقف من «المبادرة الفرنسية». وهذه المبادرة هي التي قيل إن ترمب كان قد أعطى «الضوء الأخضر» لها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، عندما التقى به على هامش قمة «مجموعة الدول السبع» في منتجع بياريتز، بجنوب غربي فرنسا.
هنا، في موضوع حساسية منصب مستشار الأمن القومي، ينبغي التوقف عند قول هنري كيسينغر، «عميد» الدبلوماسية الأميركية، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لمدة سنتين، إلى جانب وظيفته وزيراً للخارجية. إذ كتب كيسينغر في مذكراته عن تجربته مع الرئيس ريتشارد نيكسون: «الأمر ببساطة يرجع إلى أن الرئيس لم يكن يحب أن يرى من حوله عدداً كبيراً من الناس... وهناك أيضاً عامل آخر، هو قرب المسافة بين مكتب الرئيس ومكتب مستشار الأمن القومي، في حين أن مكاتب الوزراء تفصلها مسافة 10 دقائق بالسيارة... الرئيس الجمهوري يرى في مسؤول الأمن القومي مستشاراً شخصياً رهن إشارته، ومعبّراً عن مصالحه واهتماماته».
غير أن تفسيرات كيسينغر قد لا تكفي لتفسير النزف الكبير الذي شهدته إدارة ترمب. بل ثمة من يقول إنها تكشف عن مشكلات تتجاوز الخلاف في وجهات نظر أركانها معه، وعن توجه حثيث للرئيس لتكريس سلطة، وصفها البعض بأنها «تسعى إلى تكريس أسلوب الاستبداد»، تشبّهاً بالأنظمة التي تمجد «الزعيم»، كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جينبينغ، وتهدّد قيم الديمقراطية التي دافع ويدافع عنها رؤساء الولايات المتحدة.
هكذا خرج كبير المستشارين الاقتصاديين، غاري كوهين، بسبب قرار ترمب رفع التعريفة الجمركية على الألمنيوم والصلب، وخرجت وزيرة الأمن الداخلي كيرستين نيلسن على قضية ضبط الحدود مع المكسيك، وخرج مدير «إف بي آي» (مكتب التحقيقات الفيدرالي) جيمس كومي، وكذلك وزير العدل جيف سيشنز على قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
وبحسب تحليل لصحيفة «نيويورك تايمز»، الناقدة لسياسات ترمب، لـ21 منصباً بارزاً في البيت الأبيض ومجلس الوزراء منذ عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، يظهر أن الاضطرابات التي شهدتها إدارة ترمب كانت غير عادية خلال الأشهر الـ14 الأولى من رئاسته. إذ جرى تغيير 9 من شاغلي هذه المناصب مرة واحدة على الأقل خلال إدارة ترمب، مقارنة بـ3 مناصب خلال الفترة نفسها في إدارة كلينتون، و2 في عهد باراك أوباما، وواحد في عهد جورج بوش الابن. ومن ثم، يمكن القول عموماً إن إدارة ترمب شهدت أكبر عملية خروج من المناصب الرئيسية إبان فترته الرئاسية الأولى، في تاريخ الرؤساء الأميركيين.

إيران... و«المؤسسة السياسية»
من ناحية ثانية، يكشف خروج المسؤولين البارزين عن خلافات تتجاوز أيضاً إدارة ترمب، وتصطدم بالمؤسسة السياسية الأميركية، حتى داخل أوساط الحزب الجمهوري. فالخلاف حول الموقف من إيران وأفغانستان، انخرط فيه أعضاء بارزون من قيادات الحزب ورموزه في مجلس الشيوخ، وسط تحذيرات من مغبة تأويل إيران لضبط النفس على أنه ضعف في العزيمة.
وهذا الأمر تسبب في خلاف علني نادر بين ترمب والسيناتور لينسي غراهام، الذي أعرب في تغريدة عبر «تويتر» عن خشيته من أن يشجّع ضبط النفس الأميركي إيران على مزيد من الاستفزازات، ولا سيما بعد قرار ترمب بالتراجع عن ضربها رداً على إسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة. إلا أن ترمب ردّ بالقول إن قراره «كان مؤشراً على القوة، لا يفهمه بعض الناس فقط»، مضيفاً أنه «من السهل بدء الحروب»، مذكّراً غراهام بدعمه حرب العراق، التي يصفها بالكارثة.
بدوره، وجّه السيناتور الجمهوري تيد كروز، عن ولاية تكساس، انتقادات لاذعة لوزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين، متهماً ما وصفه بـ«الدولة العميقة» بمحاولة الإبقاء على «شعرة معاوية»، وإجهاض سياسة أقصى العقوبات، التي لا بديل عنها لإجبار النظام الإيراني على الخضوع... وتحوّل إيران إلى «دولة طبيعية».
وفي ملف أفغانستان، أكد غراهام أيضاً على أنه من الخطأ استقبال مَن تلطّخت أياديهم بالدماء الأميركية على الأراضي الأميركية، «مثمّناً» في الوقت نفسه قرار الرئيس إلغاء الاجتماع السرّي المبرمج سابقاً مع قيادات «طالبان» في كامب ديفيد.

تحديات البعد الاقتصادي
هذه الخلافات العلنية تقدّم مؤشراً إضافياً عن عمق الأزمة التي يشهدها الحزب الجمهوري، الذي يبدو خاضعاً بطريقة استثنائية لسلطة الرئيس. وهي أزمة معقدة في ظل الخلاف المندلع مع الحزب الديمقراطي حول سبل معالجة الأزمات السياسية الخارجية والداخلية والاقتصادية والاجتماعية، كقضايا المناخ والتأمين الصحي والتعليم وضبط السلاح وملف المهاجرين والسياسات النقدية. ذلك أنه على الرغم من ادعاءات ترمب حول «الاقتصاد القوي»، تشير الدلائل والتحليلات الاقتصادية إلى احتمال تباطؤ الاقتصاد الأميركي.
كذلك يرى منتقدوه أن تشديده على إنجازاته التي سمحت للولايات المتحدة «باستعادة هيبتها الدولية» وتجديد قوتها العسكرية، لا تعدو أكثر من شعارات شعبوية، يعمل ترمب على «شحن» قاعدته الشعبية بها، لتجديد انتخابه عام 2020 لـ4 سنوات جديدة... «وربما أكثر»، بحسب «تغريدته» التي رفع فيها شعار «لنجعل أميركا قوية مرة أخرى في 2024»، رغم أن الدستور يمنع ذلك!
حتى المواقف التي أعلنها السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، المشيدة ببولتون، وانتقادات ليز تشيني كبيرة الجمهوريين في مجلس النواب، والسيناتور الجمهوري ميت رومني، المرشح الرئاسي السابق، لسياسات ترمب الخارجية، بأنها تضعف ادعاءاته بإعادة بناء قوة أميركا الدولية، فإنها لا تبدو كافية للتأثير على زعامة ترمب وتفرده بالقرار السياسي. وهو يعبر عن هذا التفرّد باستخدامه المكثّف للأوامر الرئاسية بشكل غير مسبوق أيضاً، في مواجهة السلطتين التشريعية والقضائية معاً. وهكذا تجاوز تصويت الكونغرس ضد قرار تمويل الجدار مع المكسيك، ووقف صفقات الأسلحة، وعطّل الأحكام القضائية حول دخول المهاجرين.

اعتبارات «براغماتية»
في المقابل، يقول البعض إن ترمب ليس «متشدداً بطبعه»، بل يميل إلى البراغماتية في عقد الصفقات، ويرفض الدخول في حروب لا داعي لخوضها، ولا تحقق أي فائدة أو مصلحة للولايات المتحدة. وحقاً، هذا ما عبّر عنه ترمب بشكل واضح، بعدما أوقف الضربة التي أقنعه بتنفيذها بولتون ضد إيران في اللحظة الأخيرة، إثر إسقاطها الطائرة الأميركية المسيّرة في منطقة الخليج قبل أكثر من شهرين. وتلا ذلك تصاعد التوتر معها واتهامها بتفجير بعض ناقلات النفط واحتجازها ناقلات أخرى.
غير أن قرار استبعاد الحرب قد لا يكون مرتبطاً فقط بأسباب انتخابية تفرض على ترمب الامتناع عن الدخول في حرب جديدة، بينما هو يسعى إلى سحب القوات الأميركية من ساحات الشرق الأوسط. بل قد يكون قراراً أميركياً يستعيد ما توصلت إليه إدارة أوباما، ولو مواربة، عبر ترك المنطقة للمثلث التركي - الإيراني - الإسرائيلي، بينما تحتفظ واشنطن بهيمنتها، وخصوصاً على إمدادات الطاقة العالمية.

السلف... جون بولتون
> جون بولتون مستشار الأمن القومي الثالث للرئيس دونالد ترمب، وأحد أبرز «صقور» الإدارة الأميركية.
- طرده ترمب في تغريدة، صباح الثلاثاء، في 10 سبتمبر (أيلول) 2019، بسبب خلافه الكبير معه على ملفات السياسة الخارجية في إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان.
- محامٍ ومعلق سياسي ومستشار جمهوري ودبلوماسي سابق، تلقى تعليمه الجامعي في جامعة ييل العريقة.
- شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من أغسطس (آب) 2005 إلى ديسمبر (كانون الأول) 2006 في عهد الرئيس جورج بوش الابن. واستقال في ديسمبر 2006 بعد سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس الشيوخ.
- شارك في كثير من المنظمات المحافظة، وعرف عنه تشدده اليميني، ولا سيما الشؤون الأمنية، وقربه من تيار «المحافظين الجدد». وكان مديراً لـ«مشروع القرن الأميركي الجديد» الذي أيّد الحرب ضد العراق.

والخلف... روبرت أوبراين
> روبرت أوبراين، عيّنه الرئيس دونالد ترمب مستشاراً لشؤون الأمن القومي في 18 سبتمبر الحالي، خلفاً لجون بولتون.
- محامٍ ينتمي إلى الحزب الجمهوري، تخرج في جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس، وكلية حقوق جامعة كاليفورنيا - بيركلي. وبدأ مسيرته المهنية مسؤولاً قانونياً في لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي، وجّهت اتهامات للعراق بعد حرب الخليج.
- تقلد بعدها مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية، إبّان عهود جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترمب.
- جنرال سابق في قوات الاحتياط التابعة للبحرية الأميركية، اختاره بوش ليكون ممثلاً للولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005، ليعمل إلى جانب بولتون في الأمم المتحدة.
- قبل تعيينه، عمل أوبراين مبعوثاً رئاسياً لشؤون الرهائن في وزارة الخارجية، ويقدم استشارات للإدارة فيما يتعلق بمسائل الرهائن حول العالم.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.