«الجيش الوطني» يقصف مصراتة وحكومة «الوفاق» تتهمه باستهداف أحياء سكنية

السراج في روما... وكونتي يبحث الأزمة الليبية مع ماكرون

رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مستقبلاً رئيس حكومة {الوفاق} الليبية فايز السراج في روما أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مستقبلاً رئيس حكومة {الوفاق} الليبية فايز السراج في روما أمس (إ.ب.أ)
TT

«الجيش الوطني» يقصف مصراتة وحكومة «الوفاق» تتهمه باستهداف أحياء سكنية

رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مستقبلاً رئيس حكومة {الوفاق} الليبية فايز السراج في روما أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مستقبلاً رئيس حكومة {الوفاق} الليبية فايز السراج في روما أمس (إ.ب.أ)

بدا أمس أن المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي يسابق الزمن لتحقيق هدفه وهو «تحرير» العاصمة طرابلس من قبضة الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، الذي نقل أمس عن جوزيبي كونتي، رئيس حكومة إيطاليا، عقب اجتماعها في روما، استبعاده لوجود «أي حل عسكري للأزمة الليبية».
وقال مسؤول عسكري بارز في «الجيش الوطني» لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن الجيش يعتزم تطوير هجومه بعدما كثف ضرباته الجوية ضد الميليشيات استعدادا لعملية اقتحام العاصمة. وقال: «خلال الساعات الماضية وجّه الجيش سلسلة من الضربات الجوية الاستباقية لأماكن وقواعد الإمداد الخلفية للميليشيات المسلحة ومناطق خروج الطيران المسيّر والمعادي، بالإضافة إلى استهداف بعض الأماكن التي يعتقد أن بها تجمعات للعدو».
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، أن «هذا تمهيد للتحرك المقبل في انتظار الأمر بالاقتحام وتطوير الهجوم». ورأى أن الميليشيات المسلحة في العاصمة «باتت في وضع انهيار كامل» يتمثل في «عدم القدرة على المقاومة ومنع سلاحنا الجوي من تحقيق أهدافه وعدم القدرة على شن ضربات مرتبة ومنظمة ضد قواتنا».
واعتبر المسؤول العسكري أن تسريع الجيش من حملته العسكرية التي بدأت في الرابع من شهر أبريل (نيسان) الماضي لتحرير طرابلس، ربما يستهدف قطع الطريق على أي مبادرات أو حلول سياسية من هنا أو هناك، في إشارة مبطنة إلى مساعي البعثة الأممية لعقد اجتماع دولي حول ليبيا في ألمانيا قريباً.
وصعّد «الجيش الوطني» من وتيرة ضرباته الجوية بشكل أكثر عنفاً ضد أهداف تابعة لقوات حكومة السراج خاصة في طرابلس ومدينة مصراتة بغرب البلاد.
وأعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش في بيان لها، أمس، أن مقاتلاته نفذت طلعة جوية أول من أمس، وشنت ما وصفته بغارات «دقيقة» استهدفت «غرفة العمليات التركية داخل الكلية الجوية بمدينة مصراتة». وقالت في تحذير لسكان المدينة إن «هذه الغارات لن تكون الأخيرة ما دام ظلت المدينة تحتضن وتستضيف هذه الأنشطة المشبوهة لدولٍ أجنبية مموّلة للإرهاب داخل وطننا». وتعهد المركز الإعلامي لغرفة «عمليات الكرامة» (الجيش الوطني) بأن اقتحام قواته للعاصمة سيكون «حاسماً وسريعاً وخاطفاً، ولا يمكن للوقت أن يسعف الكثيرين من قادة الميليشيات للهروب ولا يمكن معرفة المكان المستهدف».
كما أعلن المركز تدمير سلاح الجو التابع لـ«الجيش الوطني» ثلاث طائرات تركية بقاعدة معيتيقة في العاصمة طرابلس، واستهداف معسكر للميليشيات بتاغوراء ومعسكر 7 أبريل الذي يحوي «مرتزقة»، بحسب وصف بيان الجيش الوطني.
في المقابل، اتهمت عملية «بركان الغضب» التي تشنها القوات المسلحة الموالية لحكومة السراج، قوات «الجيش الوطني» أول من أمس بقصف عدد من الأحياء السكنية بالعاصمة طرابلس، لكنها لم تكشف عن أي خسائر بشرية أو مادية، ونشرت صوراً فوتوغرافية لتصاعد أعمدة الدخان من بعض المناطق المستهدفة بالقصف.
من جانبه، نقل السراج عن رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي غداة لقائهما أمس، في روما، تأكيده على «أنه لا حل عسكرياً للأزمة الليبية»، و«حرص إيطاليا على إيجاد حل سياسي».
وطبقا لبيان أصدره مكتب السراج، أمس، فقد رحب كونتي بمبادرته لعقد ملتقى ليبيا يفضي إلى حل شامل يتفق عليه الليبيون، كما أشاد بما وصفه بالدور الفعال لحكومة (الوفاق) في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، ودور خفر السواحل الليبية في مكافحة الهجرة وإنقاذ المهاجرين. وأعرب السراج عن تقديره لموقف إيطاليا «الرافض للعدوان والداعم للمسار الديمقراطي في ليبيا»، وتأكيده أنه «لم يعد المعتدي (في إشارة إلى المشير حفتر) شريكاً في الحل السياسي». وشدد على «حرصه على دحر العدوان وإنهاء مشروع عسكرة الدولة».
وفي الإطار ذاته، قال جوزيبي كونتي إن تحقيق الاستقرار في ليبيا سيكون محوراً للنقاش خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في روما في وقت لاحق أمس.
في غضون ذلك، أوردت وكالة الأنباء الألمانية أن شركة البريقة لتسويق النفط أعلنت انفصالها عن المؤسسة الوطنية للنفط الليبية التابعة لحكومة الوفاق. ونقلت عن الناطق باسم الشركة عادل بن دردف أن «الشركة قررت اليوم رفع الظلم الواقع عليها من المؤسسة الوطنية للنفط في غرب ليبيا، وبهذا الصدد أعلنت الشركة إقالة مجلس الإدارة المكلف من العاصمة طرابلس وتعيين لجنة جديدة ستبدأ بمباشرة عملها من الآن بعيدا عن تسلط المؤسسة الوطنية للنفط».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.