روسيا تبتعد أكثر عن «الدولار» وتعزز توجهها شرقاً

«روسنفت» تبحث إقامة «جسر طاقة» بين موسكو ونيودلهي

رئيسا وزراء روسيا والصين خلال اجتماع رفيع المستوى في بطرسبورغ أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيسا وزراء روسيا والصين خلال اجتماع رفيع المستوى في بطرسبورغ أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

روسيا تبتعد أكثر عن «الدولار» وتعزز توجهها شرقاً

رئيسا وزراء روسيا والصين خلال اجتماع رفيع المستوى في بطرسبورغ أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيسا وزراء روسيا والصين خلال اجتماع رفيع المستوى في بطرسبورغ أول من أمس (أ.ف.ب)

تواصل روسيا هروبها من قبضة السوق الأميركية، وتعزز توجهها نحو أسواق «الشركاء» شرقاً. وبالتزامن مع صدور بيانات كشفت عن تقليص جديد لحصتها في السندات الأميركية، كانت روسيا تعزز علاقاتها مع أكبر اقتصادين في مجموعة «بريكس»، من خلال محادثات أجراها رئيس الوزراء الروسي مع نظيره الصيني، ركزا خلالها على تدابير تعزيز التعاون الاقتصادي، ورفع ميزان التبادل التجاري بين البلدين حتى 200 مليار دولار خلال السنوات المقبلة. وفي الهند بحث إيغر سيتشين، المدير التنفيذي لشركة «روسنفت» التعاون بين البلدين في مشروعات إنتاج نفطي ضخمة تديرها الشركة الروسية.
وكشفت بيانات وزارة الخزانة الأميركية عن تقليص روسيا حصتها في السندات الأميركية خلال الأشهر الماضية بنسبة 21.6 في المائة. وقالت إن تلك الحصة تراجعت من 10.848 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، حتى 8.5 مليار مع نهاية يوليو (تموز) الماضي، موضحة أن الحصة موزعة بين 6.329 مليار في السندات الأميركية طويلة الأجل، و2.262 مليار في السندات قصيرة الأجل.
وبدأت روسيا تتخلص من السندات الأميركية منذ أبريل (نيسان) 2018، في أعقاب عقوبات مؤلمة فرضتها الولايات المتحدة ضد كبار رجال الأعمال المقربين من الكرملين، وأدت إلى خسارتهم نحو 16 مليار دولار خلال يوم واحد... حينها أعلنت موسكو بداية عن التخلص من سندات بقيمة 47.5 مليار، ومن ثم بقيمة 33.8 مليار دولار أميركي في مايو (أيار)، وخرجت بذلك من قائمة أكبر 33 دولة تحتفظ بالسندات الأميركية.
في غضون ذلك شهدت مدينة بطرسبورغ أعمال الاجتماع الدوري الـ24 بين رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف ونظيره الصيني لي كه تشيانغ، التي بحثا خلالها سبل رفع التبادل التجاري بين البلدين من 108 مليارات دولار عام 2018، حتى 200 مليار دولار أميركي، بحلول عام 2024.
وفي مستهل الاجتماع، قال ميدفيديف إن «العلاقات الروسية - الصينية بلغت اليوم مستويات عالية غير مسبوقة، ودخلت حقبة جديدة»، ورأى أن تحقيق المستوى المستهدف في التبادل التجاري ممكن عبر مشروعات في مجال الطاقة، والتقنيات عالية الدقة، والزراعة.
من جانبه؛ أشار لي كه تشيانغ إلى الطابع المستقر للعلاقات الثنائية، وعبر عن قناعته بأن تحقيق الهدف المعلن برفع التبادل التجاري بين البلدين يتطلب «خطوات جديدة»، وبصورة خاصة إيجاد صيغة متكاملة للتعاون في القطاع النفطي، تشمل صناعة معالجة النفط والغاز.
وفي ختام المحادثات، وقعت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، ووزارة الاقتصاد الصينية بياناً مشتركاً حول صياغة «خريطة طريق» التطوير النوعي لعلاقات التبادل التجاري بين البلدين.
وكان للهند، وهي عضو إلى جانب الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، في مجموعة «بريكس»، حصتها من تعزيز روسيا توجهها شرقاً. إذ أجرى إيغر سيتشين، مدير «روسنفت» محادثات في نيودلهي مطلع الأسبوع الحالي، عرض خلالها على الشركات الهندية الانضمام إلى مشروعات الإنتاج النفطي في روسيا، وبصورة خاصة مشروع «فوستوك أويل» في القطب الشمالي، الذي يشمل بناء محطات بحرية، ومد 5500 كيلومتر من الأنابيب، فضلاً عن تشييد مطارات وشبكات الطاقة... وغيرها من بنى تحتية.
وطلبت «روسنفت» من الحكومة الروسية إعفاءات ضريبية للمشروع بقيمة 2.6 تريليون روبل لمدة 30 عاماً، وتعهدت في المقابل باستثمار ما بين 5 تريليونات و8.5 تريليون روبل في تنفيذه. وترى «روسنفت» أن هذا المشروع قد يشكل أساساً لـ«جسر طاقة» من روسيا إلى الهند، ويضمن أمن الأخيرة في مجال الطاقة «في ظل تنامي المخاطر الجيوسياسية». وقالت إن الشركات الهندية أبدت اهتماماً بالمشروع.
يذكر أن الهند تشارك في مشروعات إنتاج نفطي في روسيا؛ لعل أهمها مشروع «سخالين1»، وتبدي، حالها حال الصين ودول أخرى في المنطقة، اهتماماً خاصاً بالحصول على الطاقة من روسيا.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»