«القاعدة» بعد 18 عاماً من هجمات سبتمبر

تحديات تواجه تكتيكات التمدد بحثاً عن صدارة

طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001  وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001 وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
TT

«القاعدة» بعد 18 عاماً من هجمات سبتمبر

طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001  وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001 وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)

اتفق مختصون في الحركات الأصولية بمصر على أن «تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ عملية هزت أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث كان التنظيم في أوج قوته، وقاد حركة (الجهاد) العالمي، تعرض لمرحلة خفوت، عززها ظهور تنظيم داعش؛ إلا أن الأخير خسر نفوذه في سوريا والعراق، مما دفع (القاعدة) لأن يحاول تجديد شبابه لاستعادة زخم الماضي؛ زخم هجمات سبتمبر (أيلول)».

اتفق مختصون في الحركات الأصولية بمصر على أن «تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ عملية هزت أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث كان التنظيم في أوج قوته، وقاد حركة (الجهاد) العالمي، تعرض لمرحلة خفوت، عززها ظهور تنظيم داعش؛ إلا أن الأخير خسر نفوذه في سوريا والعراق، مما دفع (القاعدة) لأن يحاول تجديد شبابه لاستعادة زخم الماضي؛ زخم هجمات سبتمبر (أيلول)-
يؤكد المختصون أن «تنظيم القاعدة استند أخيراً إلى استراتيجية تكثيف الوجود الإعلامي والتحريضي، محاولاً استقطاب عناصر (داعش) الفارة عقب الهزائم». وكشفوا عن تحديات تواجه «القاعدة»، من بينها تقدم سن زعيمها أيمن الظواهري، وجهود مكافحة الإرهاب.
ويقول خبراء أمنيون إن «(القاعدة) يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده، بل سوف يشهد تحسناً»، وأوضحوا أنه «بعد هجمات سبتمبر (أيلول)، طرح (القاعدة) نفسه بوصفه لا يسعى لإقامة (الدولة)، عكس (داعش)، لذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها للبقاء متماسكاً قدر الإمكان».
مراقبون أكدوا أن «القاعدة» عمل على تغيير خطابه منذ عام 2011، حيث حاول طرح واستخدام مصطلحات جديدة لم تكن تستخدم في خطابته من قبل (كالأمة)، وتخلى عن خطاب الاستعلاء الذي كان يتحدث به التنظيم عبر إصداراته المرئية أو المكتوبة.

حضور باهت
أحداث 11 سبتمبر (أيلول) هي مجموعة من الهجمات شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، وفيها توجهت 4 طائرات لتصطدم ببرجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن، وسقط نتيجة لهذه الهجمات عشرات الضحايا.
ومن جهته، يقول عمرو عبد المنعم الباحث في شؤون الحركات الأصولية: «بات تنظيم القاعدة في الذكرى الـ18 لأحداث سبتمبر (أيلول) باهتاً، يبحث عن ماضٍ، ويحاول أن يُمجد بكل طاقته أحداث سبتمبر (أيلول)، وليس له جديد من الأعمال أو الأحداث يستطيع عبرها أن يستقطب الشباب، ويبحث عن مستويات عدة قيادية جديدة، كما يبحث عن ماضٍ يجدد له شباب التنظيم، فلا يجد ميراثاً كبيراً يستطيع أن يلحق به بعض الأحداث الحالية لينال قصب السبق، عكس الماضي الذي أحدثته هجمات سبتمبر (أيلول)».
وأكد عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) لديه بعض التحديات، منها تقدم الظواهري في العمر، وجهود الولايات المتحدة الأميركية وباكستان لمكافحة الإرهاب، واحتمالية قتل الظواهري، سواء من قبل أعدائه من داخل التنظيم أو عبر عناصر (داعش)، أو من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها، وأنه في حالة وفاة الظواهري بشكل طبيعي، فمن المرجح أن تكون هناك فوضى كبيرة تواجه الزعيم القادم للتنظيم، ومن المتوقع أن يتشتت (القاعدة) إلى قواعد، لأن طبيعة الظواهري ديناميكية، اعتمد على إنشائها عبر أطروحات وقواعد وانطلاقات الزعيم السابق أسامة بن لادن بشكل أساسي».
وقال عبد الله محمد، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إنه «مع إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في سوريا والعراق، اتجه (القاعدة) لمرحلة جديدة، عبر تصدير خطاب تحريضي ضد المؤسسات الوطنية في العالم الإسلامي، واستغلال بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لتحريض الشعوب ضد تلك المؤسسات، كما سعى إلى استغلال قضية القدس في خطابه للتحريض على الحكومات العربية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) استند أخيراً إلى استراتيجية تقوم على تكثيف الوجود الإعلامي والتحريضي، محاولاً تجنيد واستقطاب عناصر (داعش) الفارة، أو شباب تنظيم (الإخوان)، وهو ما نراه في أعداد مجلة (أمة واحدة) التي تصدر عن التنظيم، ومحاولة تجنيدهم فيما سمته المجلة (الجهاد الإلكتروني)».

وهم التماسك
التغيرات التي مر بها «القاعدة» منذ أحداث سبتمبر (أيلول) وضحتها دراسة حديثة لدار الإفتاء المصرية، أكدت أن «التنظيم نجح في التعامل مع متغيرات المرحلة بالشكل الذي جعله يتمكن من البقاء حتى الآن، من دون أن يتم القضاء عليه. فبعد هجمات سبتمبر (أيلول)، ظل يطرح نفسه على أنه في طليعة التنظيمات المتطرفة، ولا يسعى لإقامة (الدولة) على المدى القصير، لذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها للبقاء متماسكاً قدر الإمكان، عبر توفير القدرات واستقطاب مقاتلين جدد»، موضحة أن «(القاعدة) عمل على تقسيم الأساليب لعدة مراحل تتوافق مع متطلبات كل مرحلة. فبعد هجمات سبتمبر، وجد التنظيم صعوبة في انضمام مقاتلين له، مما جعله يعتمد على شبكة العلاقات في المناطق التي ينتشر فيها، بالإضافة إلى الاعتماد على مؤيديه في الخارج لتنفيذ عمليات إرهابية، كحادثتي مدريد ولندن أعوام 2004 و2005، كما عمل على وضع خطة تقوم على أساس أن كل مجموعة تابعة له تكون مسؤولة عن منطقة بعينها، وفق نمط لامركزي، وهو ما يشير إلى أن التنظيم عمل على ترك هذه المجموعات تعمل بشكل فردي، مع الحفاظ على فكرة (توحيد المجتمع) عبر تدمير المجتمعات الحالية، وإقامة أخرى بديلة». وبدا خلال الأشهر الماضية أن «القاعدة» استغل اهتمام القوى الدولية بمحاربة «داعش» في العمل على إعادة بناء قدراته العسكرية والتنظيمية، حيث حاول توسيع نطاق انتشاره من جديد، وهو ما كشف عنه منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، ناثان سيلز، مطلع أغسطس (آب) الماضي، حينما أشار إلى أن «التنظيم ما يزال يشكل تهديداً للولايات المتحدة، كما كان في السابق، بعد أن انخرط في عملية إعادة بناء خلال الأعوام الماضية، معتمداً في هذا السياق على تبني آليات كثيرة، ترتبط بتكوين شبكة تحالفات، وما يسمى (الكمون التنظيمي)، فضلاً عن تنويع مصادر التمويل».
وقال عبد الله محمد إن «منحنيات (القاعدة) خلال السنوات الماضية شهدت مجموعة من الاستراتيجيات والتكتيكات التي ساعدت على بقاء التنظيم كخطر داهم على المجتمعات، فعمل على استغلال تركيز الجهد الدولي المنسق للقضاء على (داعش) لإعادة تنظيم صفوفه، بعد أن اعتراها الترهل والتفكك. كما عمل التنظيم على التواري عن دوائر الظهور، تجنباً للضربات التي قامت بها التحالفات العسكرية، وعمل على تطوير خطابه الإعلامي لكسب حاضنة شعبية، تمثل مخزناً لاستقطاب عناصر جديدة، فيما عمل الظواهري على إعادة دمج وتوحيد الفروع والشبكات الصغيرة، كما حدث في غرب أفريقيا».

إمداد وتمويل
وأكد عمرو عبد المنعم أنه «دائماً الجماعات المتشددة، ومن بينها (القاعدة)، تستقطب الشباب، خصوصاً خلال الفضاء الواسع، وتستخدم في ذلك عدة طرق جديدة، من ضمنها الشبكات العنكبوتية، وطرق الإمداد والتمويل عن بُعد، للتمدد في المناطق التي تستطيع أن تثبت جدارة فيها، من الناحية العسكرية والتكتيكية والجهادية».
يشار إلى أن «القاعدة» عمل على عدة مرتكزات أساسية منذ عام 2014 حتى الآن، أبرزها الانسحاب المؤقت من عدة ساحات ومناطق، خصوصاً تلك التي حظيت بزخم عسكري كبير من قبل التحالفات الدولية، مثل العراق وسوريا، وسعى في الوقت ذاته إلى لململة صفوفه، والحفاظ على فروعه وتوحيدها، وسعى نحو إعادة بناء شبكات جديدة، وتقوية روابطها في مناطق أخرى.
وأكد عبد المنعم أن «التنظيمات المنضمة لـ(القاعدة) تستخدم أكثر من مفردة تنظيمية، مثل (جيش الإسلام) و(أنصار الإسلام) و(حراس الشريعة) و(تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) و(القاعدة في بلاد المغرب) و(القاعدة في إرتيريا) و(شباب المجاهدين)، لكن الأفكار واحدة، والتصورات واحدة، ومن يملك التنظير هو من له الحضور في المستقبل». وأكد باحثون في دار الإفتاء المصرية أن «(القاعدة) عقب هزيمة (داعش) تطلع أكثر إلى الانتقال للمرحلة الثانية، بعد الإعداد والتأسيس والدمج، وهي مرحلة التوسع على المستوى الإعلامي والدعائي، وكذلك الحركي والميداني، وهو ما يتضح في استراتيجية التنظيم في باكستان وأفغانستان والهند»، موضحين أن «منطقة كشمير باتت تشهد زخماً متزايداً من قبل تنظيمات موالية لـ(القاعدة)، ترجع جذورها إلى عام 2014، حينما أعلن الظواهري تأسيس فرع أو تنظيم تحت اسم (قاعدة الجهاد بشبه القارة الهندية)، وتولى آنذاك أحد قيادات حركة طالبان زعامة التنظيم، وسعى التنظيم لتنفيذ هجمات إرهابية خاصة في باكستان وبنغلاديش، وشهد عام 2015 العدد الأكبر من هجمات التنظيم الوليد، ثم عاد مرة أخرى للخفوت، خصوصاً العام الماضي».
وأكد المراقبون أن «(القاعدة) حرص عبر فروعه المنتشرة في عدد من المناطق على الدخول في شبكة تحالفات معقدة، سواء قبلية أو تنظيمية، مما أدى إلى ظهور أفرع وخلايا تابعة له في تونس وجنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر وشمال نيجيريا في وقت متزامن».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحالف مع حركة (أنصار الدين) و(جبهة تحرير ماسينا) شمال مالي، و(أنصار الإسلام) في بوركينا فاسو، إضافة إلى تعاونه مع الفصيل الذي قاده أبو بكر شيكاو داخل حركة (بوكو حرام)، الذي أدى لتكوين جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) التي تم الإعلان عنها في مارس (آذار) 2017... وأدرجت الخارجية الأميركية في سبتمبر (أيلول) عام 2018 جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) على قائمة التنظيمات الإرهابية».
وقال العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني، إن «تنظيم القاعدة ينظر باهتمام للشمال الأفريقي ودول الصحراء، وله وجود في عدد من هذه البلدان»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) توسع في اليمن والصومال وإريتريا، وفي آسيا والصين، وفرنسا وألمانيا»، مضيفاً أن «(القاعدة) يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده في عام 2001، بل سوف يشهد تحسناً نسبياً، خصوصاً مع خفوت نجم (داعش) وفرار عناصره، وقد يواجه انقسامات مستقبلية جديدة».


مقالات ذات صلة

«تحرير الشام» تتقدم في حلب وإدلب والجيش السوري يحاول وقفها بمساعدة روسية

المشرق العربي مقاتل من «هيئة تحرير الشام» يتابع القصف المستمر على قرى في ريف حلب الغربي (أ.ف.ب) play-circle 00:20

«تحرير الشام» تتقدم في حلب وإدلب والجيش السوري يحاول وقفها بمساعدة روسية

سيطرت قوات «تحرير الشام» وفصائل «غرفة عمليات الفتح المبين» على 10 بلدات وقرى في محافظة حلب بشمال غربي البلاد، كانت خاضعة لسيطرة الجيش السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».