«القاعدة» بعد 18 عاماً من هجمات سبتمبر

تحديات تواجه تكتيكات التمدد بحثاً عن صدارة

طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001  وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001 وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
TT

«القاعدة» بعد 18 عاماً من هجمات سبتمبر

طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001  وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001 وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)

اتفق مختصون في الحركات الأصولية بمصر على أن «تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ عملية هزت أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث كان التنظيم في أوج قوته، وقاد حركة (الجهاد) العالمي، تعرض لمرحلة خفوت، عززها ظهور تنظيم داعش؛ إلا أن الأخير خسر نفوذه في سوريا والعراق، مما دفع (القاعدة) لأن يحاول تجديد شبابه لاستعادة زخم الماضي؛ زخم هجمات سبتمبر (أيلول)».

اتفق مختصون في الحركات الأصولية بمصر على أن «تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ عملية هزت أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث كان التنظيم في أوج قوته، وقاد حركة (الجهاد) العالمي، تعرض لمرحلة خفوت، عززها ظهور تنظيم داعش؛ إلا أن الأخير خسر نفوذه في سوريا والعراق، مما دفع (القاعدة) لأن يحاول تجديد شبابه لاستعادة زخم الماضي؛ زخم هجمات سبتمبر (أيلول)-
يؤكد المختصون أن «تنظيم القاعدة استند أخيراً إلى استراتيجية تكثيف الوجود الإعلامي والتحريضي، محاولاً استقطاب عناصر (داعش) الفارة عقب الهزائم». وكشفوا عن تحديات تواجه «القاعدة»، من بينها تقدم سن زعيمها أيمن الظواهري، وجهود مكافحة الإرهاب.
ويقول خبراء أمنيون إن «(القاعدة) يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده، بل سوف يشهد تحسناً»، وأوضحوا أنه «بعد هجمات سبتمبر (أيلول)، طرح (القاعدة) نفسه بوصفه لا يسعى لإقامة (الدولة)، عكس (داعش)، لذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها للبقاء متماسكاً قدر الإمكان».
مراقبون أكدوا أن «القاعدة» عمل على تغيير خطابه منذ عام 2011، حيث حاول طرح واستخدام مصطلحات جديدة لم تكن تستخدم في خطابته من قبل (كالأمة)، وتخلى عن خطاب الاستعلاء الذي كان يتحدث به التنظيم عبر إصداراته المرئية أو المكتوبة.

حضور باهت
أحداث 11 سبتمبر (أيلول) هي مجموعة من الهجمات شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، وفيها توجهت 4 طائرات لتصطدم ببرجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن، وسقط نتيجة لهذه الهجمات عشرات الضحايا.
ومن جهته، يقول عمرو عبد المنعم الباحث في شؤون الحركات الأصولية: «بات تنظيم القاعدة في الذكرى الـ18 لأحداث سبتمبر (أيلول) باهتاً، يبحث عن ماضٍ، ويحاول أن يُمجد بكل طاقته أحداث سبتمبر (أيلول)، وليس له جديد من الأعمال أو الأحداث يستطيع عبرها أن يستقطب الشباب، ويبحث عن مستويات عدة قيادية جديدة، كما يبحث عن ماضٍ يجدد له شباب التنظيم، فلا يجد ميراثاً كبيراً يستطيع أن يلحق به بعض الأحداث الحالية لينال قصب السبق، عكس الماضي الذي أحدثته هجمات سبتمبر (أيلول)».
وأكد عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) لديه بعض التحديات، منها تقدم الظواهري في العمر، وجهود الولايات المتحدة الأميركية وباكستان لمكافحة الإرهاب، واحتمالية قتل الظواهري، سواء من قبل أعدائه من داخل التنظيم أو عبر عناصر (داعش)، أو من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها، وأنه في حالة وفاة الظواهري بشكل طبيعي، فمن المرجح أن تكون هناك فوضى كبيرة تواجه الزعيم القادم للتنظيم، ومن المتوقع أن يتشتت (القاعدة) إلى قواعد، لأن طبيعة الظواهري ديناميكية، اعتمد على إنشائها عبر أطروحات وقواعد وانطلاقات الزعيم السابق أسامة بن لادن بشكل أساسي».
وقال عبد الله محمد، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إنه «مع إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في سوريا والعراق، اتجه (القاعدة) لمرحلة جديدة، عبر تصدير خطاب تحريضي ضد المؤسسات الوطنية في العالم الإسلامي، واستغلال بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لتحريض الشعوب ضد تلك المؤسسات، كما سعى إلى استغلال قضية القدس في خطابه للتحريض على الحكومات العربية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) استند أخيراً إلى استراتيجية تقوم على تكثيف الوجود الإعلامي والتحريضي، محاولاً تجنيد واستقطاب عناصر (داعش) الفارة، أو شباب تنظيم (الإخوان)، وهو ما نراه في أعداد مجلة (أمة واحدة) التي تصدر عن التنظيم، ومحاولة تجنيدهم فيما سمته المجلة (الجهاد الإلكتروني)».

وهم التماسك
التغيرات التي مر بها «القاعدة» منذ أحداث سبتمبر (أيلول) وضحتها دراسة حديثة لدار الإفتاء المصرية، أكدت أن «التنظيم نجح في التعامل مع متغيرات المرحلة بالشكل الذي جعله يتمكن من البقاء حتى الآن، من دون أن يتم القضاء عليه. فبعد هجمات سبتمبر (أيلول)، ظل يطرح نفسه على أنه في طليعة التنظيمات المتطرفة، ولا يسعى لإقامة (الدولة) على المدى القصير، لذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها للبقاء متماسكاً قدر الإمكان، عبر توفير القدرات واستقطاب مقاتلين جدد»، موضحة أن «(القاعدة) عمل على تقسيم الأساليب لعدة مراحل تتوافق مع متطلبات كل مرحلة. فبعد هجمات سبتمبر، وجد التنظيم صعوبة في انضمام مقاتلين له، مما جعله يعتمد على شبكة العلاقات في المناطق التي ينتشر فيها، بالإضافة إلى الاعتماد على مؤيديه في الخارج لتنفيذ عمليات إرهابية، كحادثتي مدريد ولندن أعوام 2004 و2005، كما عمل على وضع خطة تقوم على أساس أن كل مجموعة تابعة له تكون مسؤولة عن منطقة بعينها، وفق نمط لامركزي، وهو ما يشير إلى أن التنظيم عمل على ترك هذه المجموعات تعمل بشكل فردي، مع الحفاظ على فكرة (توحيد المجتمع) عبر تدمير المجتمعات الحالية، وإقامة أخرى بديلة». وبدا خلال الأشهر الماضية أن «القاعدة» استغل اهتمام القوى الدولية بمحاربة «داعش» في العمل على إعادة بناء قدراته العسكرية والتنظيمية، حيث حاول توسيع نطاق انتشاره من جديد، وهو ما كشف عنه منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، ناثان سيلز، مطلع أغسطس (آب) الماضي، حينما أشار إلى أن «التنظيم ما يزال يشكل تهديداً للولايات المتحدة، كما كان في السابق، بعد أن انخرط في عملية إعادة بناء خلال الأعوام الماضية، معتمداً في هذا السياق على تبني آليات كثيرة، ترتبط بتكوين شبكة تحالفات، وما يسمى (الكمون التنظيمي)، فضلاً عن تنويع مصادر التمويل».
وقال عبد الله محمد إن «منحنيات (القاعدة) خلال السنوات الماضية شهدت مجموعة من الاستراتيجيات والتكتيكات التي ساعدت على بقاء التنظيم كخطر داهم على المجتمعات، فعمل على استغلال تركيز الجهد الدولي المنسق للقضاء على (داعش) لإعادة تنظيم صفوفه، بعد أن اعتراها الترهل والتفكك. كما عمل التنظيم على التواري عن دوائر الظهور، تجنباً للضربات التي قامت بها التحالفات العسكرية، وعمل على تطوير خطابه الإعلامي لكسب حاضنة شعبية، تمثل مخزناً لاستقطاب عناصر جديدة، فيما عمل الظواهري على إعادة دمج وتوحيد الفروع والشبكات الصغيرة، كما حدث في غرب أفريقيا».

إمداد وتمويل
وأكد عمرو عبد المنعم أنه «دائماً الجماعات المتشددة، ومن بينها (القاعدة)، تستقطب الشباب، خصوصاً خلال الفضاء الواسع، وتستخدم في ذلك عدة طرق جديدة، من ضمنها الشبكات العنكبوتية، وطرق الإمداد والتمويل عن بُعد، للتمدد في المناطق التي تستطيع أن تثبت جدارة فيها، من الناحية العسكرية والتكتيكية والجهادية».
يشار إلى أن «القاعدة» عمل على عدة مرتكزات أساسية منذ عام 2014 حتى الآن، أبرزها الانسحاب المؤقت من عدة ساحات ومناطق، خصوصاً تلك التي حظيت بزخم عسكري كبير من قبل التحالفات الدولية، مثل العراق وسوريا، وسعى في الوقت ذاته إلى لململة صفوفه، والحفاظ على فروعه وتوحيدها، وسعى نحو إعادة بناء شبكات جديدة، وتقوية روابطها في مناطق أخرى.
وأكد عبد المنعم أن «التنظيمات المنضمة لـ(القاعدة) تستخدم أكثر من مفردة تنظيمية، مثل (جيش الإسلام) و(أنصار الإسلام) و(حراس الشريعة) و(تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) و(القاعدة في بلاد المغرب) و(القاعدة في إرتيريا) و(شباب المجاهدين)، لكن الأفكار واحدة، والتصورات واحدة، ومن يملك التنظير هو من له الحضور في المستقبل». وأكد باحثون في دار الإفتاء المصرية أن «(القاعدة) عقب هزيمة (داعش) تطلع أكثر إلى الانتقال للمرحلة الثانية، بعد الإعداد والتأسيس والدمج، وهي مرحلة التوسع على المستوى الإعلامي والدعائي، وكذلك الحركي والميداني، وهو ما يتضح في استراتيجية التنظيم في باكستان وأفغانستان والهند»، موضحين أن «منطقة كشمير باتت تشهد زخماً متزايداً من قبل تنظيمات موالية لـ(القاعدة)، ترجع جذورها إلى عام 2014، حينما أعلن الظواهري تأسيس فرع أو تنظيم تحت اسم (قاعدة الجهاد بشبه القارة الهندية)، وتولى آنذاك أحد قيادات حركة طالبان زعامة التنظيم، وسعى التنظيم لتنفيذ هجمات إرهابية خاصة في باكستان وبنغلاديش، وشهد عام 2015 العدد الأكبر من هجمات التنظيم الوليد، ثم عاد مرة أخرى للخفوت، خصوصاً العام الماضي».
وأكد المراقبون أن «(القاعدة) حرص عبر فروعه المنتشرة في عدد من المناطق على الدخول في شبكة تحالفات معقدة، سواء قبلية أو تنظيمية، مما أدى إلى ظهور أفرع وخلايا تابعة له في تونس وجنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر وشمال نيجيريا في وقت متزامن».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحالف مع حركة (أنصار الدين) و(جبهة تحرير ماسينا) شمال مالي، و(أنصار الإسلام) في بوركينا فاسو، إضافة إلى تعاونه مع الفصيل الذي قاده أبو بكر شيكاو داخل حركة (بوكو حرام)، الذي أدى لتكوين جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) التي تم الإعلان عنها في مارس (آذار) 2017... وأدرجت الخارجية الأميركية في سبتمبر (أيلول) عام 2018 جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) على قائمة التنظيمات الإرهابية».
وقال العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني، إن «تنظيم القاعدة ينظر باهتمام للشمال الأفريقي ودول الصحراء، وله وجود في عدد من هذه البلدان»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) توسع في اليمن والصومال وإريتريا، وفي آسيا والصين، وفرنسا وألمانيا»، مضيفاً أن «(القاعدة) يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده في عام 2001، بل سوف يشهد تحسناً نسبياً، خصوصاً مع خفوت نجم (داعش) وفرار عناصره، وقد يواجه انقسامات مستقبلية جديدة».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».