«القاعدة» بعد 18 عاماً من هجمات سبتمبر

تحديات تواجه تكتيكات التمدد بحثاً عن صدارة

طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001  وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001 وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
TT

«القاعدة» بعد 18 عاماً من هجمات سبتمبر

طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001  وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)
طائرات الإرهابيين تصطدم ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في سبتمبر 2001 وسقوط مئات الضحايا نتيجة لهذه الهجمات (غيتي)

اتفق مختصون في الحركات الأصولية بمصر على أن «تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ عملية هزت أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث كان التنظيم في أوج قوته، وقاد حركة (الجهاد) العالمي، تعرض لمرحلة خفوت، عززها ظهور تنظيم داعش؛ إلا أن الأخير خسر نفوذه في سوريا والعراق، مما دفع (القاعدة) لأن يحاول تجديد شبابه لاستعادة زخم الماضي؛ زخم هجمات سبتمبر (أيلول)».

اتفق مختصون في الحركات الأصولية بمصر على أن «تنظيم القاعدة الإرهابي الذي نفذ عملية هزت أميركا في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث كان التنظيم في أوج قوته، وقاد حركة (الجهاد) العالمي، تعرض لمرحلة خفوت، عززها ظهور تنظيم داعش؛ إلا أن الأخير خسر نفوذه في سوريا والعراق، مما دفع (القاعدة) لأن يحاول تجديد شبابه لاستعادة زخم الماضي؛ زخم هجمات سبتمبر (أيلول)-
يؤكد المختصون أن «تنظيم القاعدة استند أخيراً إلى استراتيجية تكثيف الوجود الإعلامي والتحريضي، محاولاً استقطاب عناصر (داعش) الفارة عقب الهزائم». وكشفوا عن تحديات تواجه «القاعدة»، من بينها تقدم سن زعيمها أيمن الظواهري، وجهود مكافحة الإرهاب.
ويقول خبراء أمنيون إن «(القاعدة) يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده، بل سوف يشهد تحسناً»، وأوضحوا أنه «بعد هجمات سبتمبر (أيلول)، طرح (القاعدة) نفسه بوصفه لا يسعى لإقامة (الدولة)، عكس (داعش)، لذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها للبقاء متماسكاً قدر الإمكان».
مراقبون أكدوا أن «القاعدة» عمل على تغيير خطابه منذ عام 2011، حيث حاول طرح واستخدام مصطلحات جديدة لم تكن تستخدم في خطابته من قبل (كالأمة)، وتخلى عن خطاب الاستعلاء الذي كان يتحدث به التنظيم عبر إصداراته المرئية أو المكتوبة.

حضور باهت
أحداث 11 سبتمبر (أيلول) هي مجموعة من الهجمات شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، وفيها توجهت 4 طائرات لتصطدم ببرجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن، وسقط نتيجة لهذه الهجمات عشرات الضحايا.
ومن جهته، يقول عمرو عبد المنعم الباحث في شؤون الحركات الأصولية: «بات تنظيم القاعدة في الذكرى الـ18 لأحداث سبتمبر (أيلول) باهتاً، يبحث عن ماضٍ، ويحاول أن يُمجد بكل طاقته أحداث سبتمبر (أيلول)، وليس له جديد من الأعمال أو الأحداث يستطيع عبرها أن يستقطب الشباب، ويبحث عن مستويات عدة قيادية جديدة، كما يبحث عن ماضٍ يجدد له شباب التنظيم، فلا يجد ميراثاً كبيراً يستطيع أن يلحق به بعض الأحداث الحالية لينال قصب السبق، عكس الماضي الذي أحدثته هجمات سبتمبر (أيلول)».
وأكد عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) لديه بعض التحديات، منها تقدم الظواهري في العمر، وجهود الولايات المتحدة الأميركية وباكستان لمكافحة الإرهاب، واحتمالية قتل الظواهري، سواء من قبل أعدائه من داخل التنظيم أو عبر عناصر (داعش)، أو من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها، وأنه في حالة وفاة الظواهري بشكل طبيعي، فمن المرجح أن تكون هناك فوضى كبيرة تواجه الزعيم القادم للتنظيم، ومن المتوقع أن يتشتت (القاعدة) إلى قواعد، لأن طبيعة الظواهري ديناميكية، اعتمد على إنشائها عبر أطروحات وقواعد وانطلاقات الزعيم السابق أسامة بن لادن بشكل أساسي».
وقال عبد الله محمد، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إنه «مع إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش في سوريا والعراق، اتجه (القاعدة) لمرحلة جديدة، عبر تصدير خطاب تحريضي ضد المؤسسات الوطنية في العالم الإسلامي، واستغلال بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لتحريض الشعوب ضد تلك المؤسسات، كما سعى إلى استغلال قضية القدس في خطابه للتحريض على الحكومات العربية»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) استند أخيراً إلى استراتيجية تقوم على تكثيف الوجود الإعلامي والتحريضي، محاولاً تجنيد واستقطاب عناصر (داعش) الفارة، أو شباب تنظيم (الإخوان)، وهو ما نراه في أعداد مجلة (أمة واحدة) التي تصدر عن التنظيم، ومحاولة تجنيدهم فيما سمته المجلة (الجهاد الإلكتروني)».

وهم التماسك
التغيرات التي مر بها «القاعدة» منذ أحداث سبتمبر (أيلول) وضحتها دراسة حديثة لدار الإفتاء المصرية، أكدت أن «التنظيم نجح في التعامل مع متغيرات المرحلة بالشكل الذي جعله يتمكن من البقاء حتى الآن، من دون أن يتم القضاء عليه. فبعد هجمات سبتمبر (أيلول)، ظل يطرح نفسه على أنه في طليعة التنظيمات المتطرفة، ولا يسعى لإقامة (الدولة) على المدى القصير، لذلك تبنى عدة أساليب هدف من خلالها للبقاء متماسكاً قدر الإمكان، عبر توفير القدرات واستقطاب مقاتلين جدد»، موضحة أن «(القاعدة) عمل على تقسيم الأساليب لعدة مراحل تتوافق مع متطلبات كل مرحلة. فبعد هجمات سبتمبر، وجد التنظيم صعوبة في انضمام مقاتلين له، مما جعله يعتمد على شبكة العلاقات في المناطق التي ينتشر فيها، بالإضافة إلى الاعتماد على مؤيديه في الخارج لتنفيذ عمليات إرهابية، كحادثتي مدريد ولندن أعوام 2004 و2005، كما عمل على وضع خطة تقوم على أساس أن كل مجموعة تابعة له تكون مسؤولة عن منطقة بعينها، وفق نمط لامركزي، وهو ما يشير إلى أن التنظيم عمل على ترك هذه المجموعات تعمل بشكل فردي، مع الحفاظ على فكرة (توحيد المجتمع) عبر تدمير المجتمعات الحالية، وإقامة أخرى بديلة». وبدا خلال الأشهر الماضية أن «القاعدة» استغل اهتمام القوى الدولية بمحاربة «داعش» في العمل على إعادة بناء قدراته العسكرية والتنظيمية، حيث حاول توسيع نطاق انتشاره من جديد، وهو ما كشف عنه منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية، ناثان سيلز، مطلع أغسطس (آب) الماضي، حينما أشار إلى أن «التنظيم ما يزال يشكل تهديداً للولايات المتحدة، كما كان في السابق، بعد أن انخرط في عملية إعادة بناء خلال الأعوام الماضية، معتمداً في هذا السياق على تبني آليات كثيرة، ترتبط بتكوين شبكة تحالفات، وما يسمى (الكمون التنظيمي)، فضلاً عن تنويع مصادر التمويل».
وقال عبد الله محمد إن «منحنيات (القاعدة) خلال السنوات الماضية شهدت مجموعة من الاستراتيجيات والتكتيكات التي ساعدت على بقاء التنظيم كخطر داهم على المجتمعات، فعمل على استغلال تركيز الجهد الدولي المنسق للقضاء على (داعش) لإعادة تنظيم صفوفه، بعد أن اعتراها الترهل والتفكك. كما عمل التنظيم على التواري عن دوائر الظهور، تجنباً للضربات التي قامت بها التحالفات العسكرية، وعمل على تطوير خطابه الإعلامي لكسب حاضنة شعبية، تمثل مخزناً لاستقطاب عناصر جديدة، فيما عمل الظواهري على إعادة دمج وتوحيد الفروع والشبكات الصغيرة، كما حدث في غرب أفريقيا».

إمداد وتمويل
وأكد عمرو عبد المنعم أنه «دائماً الجماعات المتشددة، ومن بينها (القاعدة)، تستقطب الشباب، خصوصاً خلال الفضاء الواسع، وتستخدم في ذلك عدة طرق جديدة، من ضمنها الشبكات العنكبوتية، وطرق الإمداد والتمويل عن بُعد، للتمدد في المناطق التي تستطيع أن تثبت جدارة فيها، من الناحية العسكرية والتكتيكية والجهادية».
يشار إلى أن «القاعدة» عمل على عدة مرتكزات أساسية منذ عام 2014 حتى الآن، أبرزها الانسحاب المؤقت من عدة ساحات ومناطق، خصوصاً تلك التي حظيت بزخم عسكري كبير من قبل التحالفات الدولية، مثل العراق وسوريا، وسعى في الوقت ذاته إلى لململة صفوفه، والحفاظ على فروعه وتوحيدها، وسعى نحو إعادة بناء شبكات جديدة، وتقوية روابطها في مناطق أخرى.
وأكد عبد المنعم أن «التنظيمات المنضمة لـ(القاعدة) تستخدم أكثر من مفردة تنظيمية، مثل (جيش الإسلام) و(أنصار الإسلام) و(حراس الشريعة) و(تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) و(القاعدة في بلاد المغرب) و(القاعدة في إرتيريا) و(شباب المجاهدين)، لكن الأفكار واحدة، والتصورات واحدة، ومن يملك التنظير هو من له الحضور في المستقبل». وأكد باحثون في دار الإفتاء المصرية أن «(القاعدة) عقب هزيمة (داعش) تطلع أكثر إلى الانتقال للمرحلة الثانية، بعد الإعداد والتأسيس والدمج، وهي مرحلة التوسع على المستوى الإعلامي والدعائي، وكذلك الحركي والميداني، وهو ما يتضح في استراتيجية التنظيم في باكستان وأفغانستان والهند»، موضحين أن «منطقة كشمير باتت تشهد زخماً متزايداً من قبل تنظيمات موالية لـ(القاعدة)، ترجع جذورها إلى عام 2014، حينما أعلن الظواهري تأسيس فرع أو تنظيم تحت اسم (قاعدة الجهاد بشبه القارة الهندية)، وتولى آنذاك أحد قيادات حركة طالبان زعامة التنظيم، وسعى التنظيم لتنفيذ هجمات إرهابية خاصة في باكستان وبنغلاديش، وشهد عام 2015 العدد الأكبر من هجمات التنظيم الوليد، ثم عاد مرة أخرى للخفوت، خصوصاً العام الماضي».
وأكد المراقبون أن «(القاعدة) حرص عبر فروعه المنتشرة في عدد من المناطق على الدخول في شبكة تحالفات معقدة، سواء قبلية أو تنظيمية، مما أدى إلى ظهور أفرع وخلايا تابعة له في تونس وجنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر وشمال نيجيريا في وقت متزامن».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحالف مع حركة (أنصار الدين) و(جبهة تحرير ماسينا) شمال مالي، و(أنصار الإسلام) في بوركينا فاسو، إضافة إلى تعاونه مع الفصيل الذي قاده أبو بكر شيكاو داخل حركة (بوكو حرام)، الذي أدى لتكوين جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) التي تم الإعلان عنها في مارس (آذار) 2017... وأدرجت الخارجية الأميركية في سبتمبر (أيلول) عام 2018 جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) على قائمة التنظيمات الإرهابية».
وقال العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني، إن «تنظيم القاعدة ينظر باهتمام للشمال الأفريقي ودول الصحراء، وله وجود في عدد من هذه البلدان»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «(القاعدة) توسع في اليمن والصومال وإريتريا، وفي آسيا والصين، وفرنسا وألمانيا»، مضيفاً أن «(القاعدة) يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده في عام 2001، بل سوف يشهد تحسناً نسبياً، خصوصاً مع خفوت نجم (داعش) وفرار عناصره، وقد يواجه انقسامات مستقبلية جديدة».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.