بنين تستيقظ على خطر الإرهاب

رحلة سفاري في غرب أفريقيا تنتهي بكابوس

تدريب الجنود في حديقة بندجاري الوطنية في شمال بنين لتأمين حدودها  مع بوركينا فاسو بعد تصاعد العمليات الإرهابية (نيويورك تايمز)
تدريب الجنود في حديقة بندجاري الوطنية في شمال بنين لتأمين حدودها مع بوركينا فاسو بعد تصاعد العمليات الإرهابية (نيويورك تايمز)
TT

بنين تستيقظ على خطر الإرهاب

تدريب الجنود في حديقة بندجاري الوطنية في شمال بنين لتأمين حدودها  مع بوركينا فاسو بعد تصاعد العمليات الإرهابية (نيويورك تايمز)
تدريب الجنود في حديقة بندجاري الوطنية في شمال بنين لتأمين حدودها مع بوركينا فاسو بعد تصاعد العمليات الإرهابية (نيويورك تايمز)

كان مرشد رحلات السفاري يعلم كل نبع ماء في متنزه بندجاري الوطني في بنين، لكنه لم يكن يعلم أن الإرهابيين قادرون على الوصول إليه في عقر داره عبر الحدود. لم يكن هناك أي اختلاف واضح بين فياكر غبيدجي، مرشد رحلات السفاري في محمية برية مترامية الأطراف في غرب أفريقيا، وبين السائحين اللذين كان يرشدهما، حيث كان يشهق عندما يرى أي أسد، ويشعر بالإثارة لدى رؤية كل ظبي يقفز بين الشجيرات.
مع ذلك، عندما دخل غبيدجي، هو وسائحان فرنسيان، في قلب المتنزه، قام إرهابيون باختطافهم. وقام الجيش الفرنسي بإنقاذ السائحين بعد 10 أيام، وتم تنظيم مراسم في قلب باريس لتأبين 2 من أفراد القوات الخاصة الفرنسية كان قد تم قتلهما في أثناء تنفيذ المهمة. وفي خضم الاهتمام الدولي بعملية الاختطاف، اختفى غبيدجي، بل لم يأتِ ذكره تقريباً على لسان أحد، فما هو في النهاية سوى «مرشد». لقد قتله المختطفون، وأكلت الحيوانات جثته، على حد قول مسؤولين.
ورغم ذلك، أصبح اسم غبيدجي نذير شؤم في بنين، الدولة الصغيرة الواقعة في غرب أفريقيا بين توغو ونيجيريا، التي بدأت تصبح من وجهات رحلات السفاري، وبات متنزه بندجاري جوهرة البلد تحت مظلة الإدارة الجديدة. ومع ذلك، عرقلت عملية الاختطاف ذلك التقدم، وجذبت الانتباه إلى خطر الإرهاب الذي يقترب من البلاد، بعدما ضرب بوركينا فاسو ودول جوارها. وقد اتجه كل من تنظيم القاعدة وجماعات على صلة بتنظيم داعش إلى بنين، في ظل هروبهم من الهجمات العسكرية على معاقلهم السابقة في مالي والنيجر، بحسب خبراء أمنيين. وقد تمكنوا من تجنيد عناصر، والعثور على ملجأ آمن على أرض المتنزه ذات الأشجار الكثيفة.
وتزايدت اليوم أعداد المرشدين السياحيين الذين يتجولون بين الفنادق الخالية، بعد إلغاء سائحين لرحلاتهم. وتراقب الدوريات العسكرية في بنين اليوم، التي تتجول بين التماسيح وأفراس النهر في بندجاري، الحدود مع بوركينا فاسو. ويبدو أن موت غبيدجي دليل على أن عدم اتخاذ إجراءات فورية ربما يجعل بنين، الدولة الديمقراطية الآمنة إلى حد كبير، عرضة لخطر الإرهاب.
بدأ ذلك اليوم مثل أي يوم آخر في حياة غبيدجي، البالغ من العمر 33 عاماً، بحسب ما قالت أسرته. فبعدما أزاح في الفجر الشبكة الحامية من الناموس المعلقة أعلى سريره الذي يتقاسمه مع زوجته فيرونيكا فارا، البالغة من العمر 29 عاماً، التي تحمل في بطنها طفله الثاني، توجه إلى منزل أمه في الباحة ليلقي التحية عليها، حيث حول منزله الصغير المصنوع من الطين إلى مسكن متطور لعائلته، فقد ساهم تزايد الاهتمام بالمتنزه في زيادة دخل أسرته. وقد منح رئيس البلاد، باتريس تالون، الذي تولى منصبه عام 2016، الأولوية لدعم السياحة. ويعد المتنزه واحداً من 3 متنزهات تمثل مجمعاً يضم 1700 فيل، ويمتد بين بوركينا فاسو والنيجر وبنين.
وقد خصص الرئيس تالون، الذي شبّه أراضي المتنزه غير المستغلة بالنفط غير المستغل، 6 ملايين دولار للمتنزه الذي تبلغ مساحته 1800 ميل مربع. وفي عام 2017، سمح لمؤسسة «أفريكان باركس» في جنوب أفريقيا بإدارة العمل به. وساعد تدفق السائحين غبيدجي في إعالة أطفاله الستة وأمهاتهم الست. وتقول أم غبيدجي، جاستين كوليكبا، البالغة من العمر 63 عاماً: «محبة النساء له هبة من الله». وكان ذلك بعد مرور 3 أسابيع على مقتل ابنها، بينما يجلس حفيدها، بيرا إسيلي، ذو العامين متململاً بين ذراعيها. وقد راودت السيدة كوليكبا أفكار انتحارية منذ وفاة ابنها، لكن ما منعها من تنفيذها، كما تقول، رعاية أحفادها، مضيفة: «لقد أخبرني أنه سيعود قريباً». وكان من المفترض أن يلتقي غبيدجي عملاء له في ذلك اليوم، وهما لوران لاسيمويلا (46 عاماً) وباتريك بيكي (51 عاماً)، معلما الموسيقى الفرنسيان. لم يطلب غبيدجي في ذلك اليوم من أمه تحضير غدائه المفضل، وهو عجينة السبانخ بالذرة، لذا قالت: «لقد مات ومعدته خاوية وجائعاً».
وكان غبيدجي مرشداً معتمداً، إلى جانب تمتعه بخبرة كبيرة في المكان، حيث كان يعرف كل نبع ماء وعرين أسد. كذلك كان يعلم جيداً الأماكن التي لا ينبغي الذهاب إليها، وهي نهر بندجاري في الشمال الذي يفصل بين بنين وبوركينا فاسو. وكان ذلك النهر يمثل خطاً أحمر على الخرائط الرسمية التي وضعتها الحكومتين الفرنسية والأميركية قبل وفاته. وينشط مسلحون أصوليون على الطرف الشمالي، لذا «لا يُنصح» بالقيام بأنشطة سياحية في تلك المنطقة، بحسب وزارة الخارجية الفرنسية. بدأ على ذلك الشاطئ تدفق متمردين هاربين من عمليات الجيش الفرنسي في مالي والنيجر، وهم ينجحون في تجنيد عناصر من خلال استغلال التوترات التي تسود العلاقة بين الرعاة والمزارعين، والصراع على الموارد التي باتت نادرة بسبب التغير المناخي، والإحباط الناتج عن سوء استغلال القوات الحكومية للسلطة.
تجدر الإشارة إلى أن بوركينا فاسو شهدت خلال العام الماضي 137 هجوماً من جانب جماعات إرهابية، بعدما كان عدد الهجمات 12 فقط خلال عام 2016ن بحسب بيانات المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية. وقالت كورين دوفكا، مديرة غرب أفريقيا في منظمة «هيومان رايتس ووتش»: «التحدي الذي تواجهه الحكومات هو تمكن المتطرفين في كثير من المناطق من تلبية احتياجات الناس الأساسية قريبة المدى، ومنها الاستقرار وسيادة القانون». وكثيراً ما يفرض المسلحون النظام المطلوب، قبل تصعيد وتيرة العنف مع فرض آيديولوجيتهم. وتواجه بنين تحديات مماثلة، حيث لا تتوافر كثير من الخدمات الأساسية، كما يتزايد عدم الاستقرار، فقد أصبح رئيس الدولة، التي مثلت نموذجاً للديمقراطية عام 1991، حين تحولت إلى الحكم الديمقراطي بعد النظام الاشتراكي، أكثر ميلاً للاستبداد. وتحتاج بنين إلى معالجة الأمور التي جعلت الجماعات المتطرفة تكتسب نفوذاً وسطوة في بلدان أخرى، على حد قول دوفكا التي تحذر من زيادة توغل تلك الجماعات في قلب غرب أفريقيا، مما يجعل بنين آخر ملجأ محتمل. وقد توجه المتطرفون نحو الجنوب، إلى المجمع المكون من 3 متنزهات، حيث يوجد طعام ومأوى يحميهم من الرقابة الجوية، على حد قول لوري آن ثيروكس بينوني، مديرة مكتب معهد الدراسات الأمنية في غرب أفريقيا. وقد هاجم الإرهابيون في بوركينا فاسو والنيجر مرشدي غابات، وأجبروا كثيرين على الهروب من ذلك الجزء.
وفي الجزء الموجود في بنين، أعادت إدارة «أفريكان باركس» إحياء متنزه «بندجاري»، لكن أثارت تلك العملية الشعور بالاستياء في بعض الأحيان، خصوصاً عند حظر اصطياد لحم الحيوانات البرية، وهو تقليد محلي، رغم إصدار تصريحات مدفوعة الأجر لصائدي الحيوانات.
وأوضحت ثيروكس أن الإرهابيين «يدركون نقاط الضعف في المجتمع المحلي ويستغلونها». وكان غبيدجي يعمل بعيداً عن نهر بندجاري، ويشعر بالأمان، على حد قول مرشدين سياحيين آخرين. لكن منذ عملية الاختطاف، أصبحت منطقة بندجاري بالكامل منطقة خطر، وملونة بالأحمر على الخرائط الفرنسية والأميركية.
ويقول نويل نابوغو، المرشد الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، والذي ينتظر في فندق تاتورا في مدينة ناتيتينغو، حيث ألغى كثير من السائحين رحلاتهم: «نحن ضحايا». وردد قول حكومة بنين التي ذكرت أن ضمّ بندجاري إلى منطقة الخطر أمر غير مبرر، وأوضح قائلاً: «إذا تخلينا عن المتنزه اليوم بسبب انعدام الأمن، لن يتم فتحه مرة أخرى، وسيستقر المتطرفون به؛ سوف يعدون ذلك المتنزه أرضاً مشاعاً لا صاحب لها، ويستخدمونها كقاعدة لهم».
وقد تمكنت القوات الخاصة الفرنسية من إقامة كمين للمختطفين في بوركينا فاسو تحت جنح الليل، وتمكن أفراد القوات الخاصة من قتل 4 من العناصر الإرهابية المسلحة، في حين تمكن 2 من الهرب. ولكن راح ضحية تلك العملية من جانب القوات الفرنسية سيدريك دي بيربونت (32 عاماً) وألين بيرتونسيلو (27 عاماً). وتم إنقاذ السائحين الفرنسيين ورهينتين آخرين. وكان المختطفون يقتادون رهائن إلى خلايا إرهابية في مالي، بحسب الجيش الفرنسي.
وكان قد تم قتل غبيدجي قبل أيام من مهمة الإنقاذ مايو الماضي، وتم العثور على جثته في بوركينا فاسو، بحسب ما ذكر مارسيل باغلو، المدير العام لجهاز الأمن الداخلي في بنين. ولم يتبقِ من جثمان غبيدجي سوى جمجمته، وبعض قطع من عظامه وملابسه. وتم التعرف عليه من بنطاله على حد قول باغلو. وتم دفن غبيدجي تحت كومة من الحجارة على شكل صليب داخل المتنزه.
مع ذلك، لا يزال الغموض يلفّ عملية الاختطاف، حيث لم تعلن أي من الجماعات الإرهابية مسؤوليتها عن الحادث، ورفض السائحان الفرنسيان إجراء أي مقابلة، كذلك لم تسمح الحكومة الفرنسية لمسؤولي بنين بإجراء مقابلة معهما، كما أوضح باغلو.
وعلى الجانب الآخر، أشار خبراء إلى أن الهجوم لا يعني بالضرورة تسلل المسلحين إلى بندجاري واختراقهم لها، بل محاولتهم القيام بذلك. وأوضحت ثيروكس قائلة: «لا نعرف حتى الآن مستوى توغلهم، لكن من الواضح أن تلك المنطقة قد باتت هدفاً استراتيجياً لهم». واتخذت سلطات بنين خطوات أخرى، من بينها خطوات تتعلق بأفراد قبيلة الفولاني، وهم من البدو الرحل الذين جنّدهم المتطرفون في بلاد أخرى. وقد شيدت بنين على مدى 7 سنوات أسواراً ومدارس ومراكز شرطة، حيث تقيم القبيلة «حتى يشعروا أنهم من مواطني بنين»، كما يشير باغلو الذي أضاف: «لا توجد دولة في أفريقيا قادرة على حماية حدودها وحدها». ومع ذلك، يخشى البعض في ناتيتينغو من أن تكون الإجراءات التي تتخذها الحكومة غير كافية ومتأخرة.
وقالت بريسكا، شقيقة غبيدجي، إنه عندما تم قتل شقيقها، كانت تلك هي المرة الأولى التي يخطر ببالها أن خطر الإرهاب يمكن أن يصل إلى بنين. وهي تعتقد حالياً أن ذلك الخطر قد ضرب بجذوره في البلاد، وأضافت قائلة: «لا يوجد دخان بلا نار». كذلك قالت إنها تتمنى زيارة قبر شقيقها، لكنها لن تتمكن من ذلك أبداً، وتخشى مما يمكن أن يحدث في متنزه بندجاري.

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.