يعتبر ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية من أبرز التداعيات الخطيرة لظاهرة الاحترار العالمي، ويترتب عليه ارتفاع منسوب المياه في البحار، ما يهدد بغرق المدن المنخفضة عن مستوى البحار.
وعند الحديث عن ذوبان الجليد، يتم التأريخ منذ بدايات عملية رصد هذه الظاهرة، والتي بدأت في سبعينات القرن الماضي مع عمل أقمار المراقبة الصناعية، وهذا لا يسمح بوضع تصور دقيق لتطور الظاهرة، لوجود فترات سابقة كان ينبغي أن تشملها الحسابات. وقد وجد فريق بحثي مشترك من معهد الجيولوجيا بجامعة هامبورغ بألمانيا وقسم علوم الأرض بجامعة تورونتو بكندا، حلا لهذه المشكلة باللجوء للطحالب المرجانية طويلة العمر، كوسيلة يمكن استخدامها في إعادة كتابة تاريخ ظاهرة الاحترار العالمي وتأثيراتها على ذوبان الجليد بالقطب الشمالي.
ويعتمد النمو السنوي لهذه الطحالب ونسب المغنيسيوم والكالسيوم بها على كمية الضوء التي تصل لهذه النباتات البحرية القابعة في قاع المحيط. وحيث إن انصهار الجليد في المنطقة القطبية الشمالية يسمح بمرور المزيد من الضوء لقاع البحر، كانت نظرية الفريق البحثي أن مراقبة نسب نمو الطحالب يمكن أن تعطي فرصة لدراسة معدلات ذوبان الجليد البحري في الماضي.
وعلى عكس البيانات التي تتوفر حاليا من خلال صور الأقمار الصناعية، فإن كتابة تاريخ الماضي في هذه الظاهرة جاء من قاع المحيط.
وتظهر الطحالب أن أقل كمية جليد بحري خلال الـ200 عام الماضية كانت في الفترة من الثمانينات لأوائل الألفينات. وتساعد هذه النتائج في تقليل حالة عدم اليقين في وجود تلك الظاهرة، كما توفر نهجاً جديداً للكشف عن التغيرات في الجليد البحري في القطب الشمالي، بالإضافة لصور الأقمار الصناعية.
يقول الدكتور ستيفن هيتزنغر في تقرير نشره موقع الجمعية الجيولوجية الأميركية عن هذه الدراسة، نهاية أغسطس (آب) 2019: «رغم أن ظاهرة الاحترار على مستوى المنطقة القطبية الشمالية خلال القرن العشرين موثقة جيداً، فإنه من غير الواضح متى بدأ تراجع الجليد البحري. وتفيد الطحالب في الإجابة على هذا السؤال».
ويضيف أن «الإجابة عن هذا السؤال مهمة، لأن تغطية البيانات في هذه المنطقة مقيدة للغاية وتعتمد على صورة الأقمار الصناعية التي لم تتوفر إلا منذ سبعينات القرن الماضي».
وسبق أن ربطت دراسات أخرى بين نمو الطحالب وظاهرة الاحترار العالمي، لكنها المرة الأولى التي يتم استخدامها للخروج بنتائج حول البعد الزمني للمشكلة، كما يقول الدكتور محمد عاشور، المتخصص في الطحالب بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بمصر.
ويشير عاشور لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «أول ازدهار واسع للطحالب لوحظ عام 2011 ببحر تشوكتشي شمال مضيق بيرينغ الذي يفصل بين ألاسكا وروسيا، وهذه المنطقة كانت مظلمة إلى حد لا يتيح إمكانية حدوث عملية التمثيل الضوئي الذي يسمح بنمو الطحالب».
ويضيف «كانت الطحالب تدخل في سبات دائم لا يسمح بنموها بسبب طبقة الجليد في القطب الشمالي التي تحجب الضوء عن قاع المحيط، لكن الاحترار العالمي الذي أذاب طبقات الجليد أيقظها على ما يبدو من هذا السبات».
«الطحالب» تعيد كتابة تاريخ ظاهرة الاحترار العالمي
توفر نهجاً جديداً للكشف عن عمليات ذوبان الجليد البحري
«الطحالب» تعيد كتابة تاريخ ظاهرة الاحترار العالمي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة