الأوروبيون يعبرون عن «قلقهم العميق» من انتهاكات طهران للاتفاق النووي

مصادر رسمية فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: لن نستطيع الدفاع طويلاً عن اتفاق أُفرغ من محتواه

ظريف خلال لقائه عدداً من قادة الدول الأوروبية في باريس اخيراً (أ. ف. ب)
ظريف خلال لقائه عدداً من قادة الدول الأوروبية في باريس اخيراً (أ. ف. ب)
TT

الأوروبيون يعبرون عن «قلقهم العميق» من انتهاكات طهران للاتفاق النووي

ظريف خلال لقائه عدداً من قادة الدول الأوروبية في باريس اخيراً (أ. ف. ب)
ظريف خلال لقائه عدداً من قادة الدول الأوروبية في باريس اخيراً (أ. ف. ب)

فيما تتضارب التخمينات حول احتمال عقد قمة أميركية ــ إيرانية بوساطة فرنسية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قرعت الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - وممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ناقوس الخطر لتحذر طهران من السير على درب الخروج من الاتفاق المذكور. وأصدرت هذه الجهات الأربع، أمس، بيانا مشتركا عبرت فيه عن «قلقها العميق» إزاء ما أعلنته إيران أو ما تقوم به وهو يتناقض مع التزاماتها المنصوص عليها في اتفاق العام 2015 مستندة بذلك إلى التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة النووية.
وأشار البيان تحديدا إلى قيام إيران بنشر طاردات مركزية في موقع ناطانز من الجيلين الرابع والسادس المحظور نشرها والتي من شأنها تسريع إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجات عالية. كذلك، أعربت الجهات الأوروبية الموقعة على البيان عن «المخاطر» من «انهيار» الاتفاق بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبسبب قرار طهران التخلي عن العمل ببعض «بنوده الأساسية» في إشارة إلى التخصيب الذي يشكل العقدة الأساسية في الدورة النووية.
بناء عليه، فإن الأوروبيين يعتبرون أن التطورات الأخيرة «تبين الحاجة لبذل الجهود الدبلوماسية من أجل خفض التصعيد والعودة إلى طاولة الحوار». وتحظى هذه الجهود بدعم الأوروبيين «التام» علما بأن الطرف الأوروبي، خصوصاً الفرنسي هو من يقوم بها. وإذ شدد البيان على دعم العمل الذي تقوم به الوكالة الدولية وكرر تمسك الأوروبيين بالاتفاق النووي، حث إيران على أمرين: الأول، التراجع «من غير تأخير» عن كل انتهاكاتها للاتفاق وعلى الامتناع عن اتخاذ تدابير أخرى في الإطار عينه وهو ما هدد به المسؤولون الإيرانيون. والثاني، «التعاون» مع الوكالة الدولية في كل الأمور ذات الصلة، فيما يبدو أنه رد على الانتقادات العنيفة التي وجهتها طهران أول من أمس للوكالة التي طالبته بالتعاون والاستجابة السريعة للمطالب التي تتقدم بها. ويطرح البيان الرباعي الذي صدر في مرحلة كثر الحديث فيها عن فتح كوة في جدار الأزمة النووية عنوانها قمة الرئيسين الأميركي والإيراني قبل نهاية الشهر، إشكالية أساسية هي مدى قدرة أوروبا على الاستمرار في دعم الاتفاق وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي لإيران التي تخرج منه تدريجيا.
وقالت مصادر رسمية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن طهران «يمكن أن تجد نفسها في عزلة تامة إذا استمرت في التخلي عن التزاماتها» النووية، مضيفة أن أوروبا «لن تستطيع الاستمرار بالتمسك طويلا باتفاق خرج منه الطرف الأساسي وأفرغ من محتواه». وبحسب هذه المصادر، فإن ما يقلق الأوروبيين بالدرجة الأولى هو ولوج إيران مفصلاً حساساً يتمثل في نسب التخصيب وتفعيل الطاردات الحديثة. وبحسب الخبراء النوويين، فإن إيران التي نجحت قبل الاتفاق بالوصول بالتخصيب إلى درجة 20 في المائة، قادرة بطارداتها الحديثة على تخطي هذه النسبة بسرعة ما يقربها من «الخط الأحمر» (أي تخصيب بنسبة 90 في المائة) ويمكنها من الحصول على المادة النووية المخصبة التي يمكن استخدامها في صناعة القنبلة النووية.
بيد أن هذه المصادر ترفض تحديد «السقف» الذي عنده سيتغير الموقف الأوروبي رأسا على عقب، لكنها تشير إلى أن طهران «تلزم الحذر» ودليلها على ذلك أن 10 في المائة فقط مما خصبته مؤخرا كان بنسبة 4.5 في المائة «وهي نسبة» ضعيفة فيما الكمية المتبقية خصبت بدرجة 3.67 وهي النسبة المسموح بها. كذلك، فإن المسؤولين الإيرانيين دأبوا على التذكير بأنهم قادرون سريعا على العودة للالتزام ببنود الاتفاق في حال «وفى الأوروبيون بالتزاماتهم» أي مكنوا إيران من استمرار الاستفادة مما أعطاها إياه الاتفاق. أما عن مبررات صدور البيان أمس فيعود إلى أن الأوروبيين «أخذوا يستشعرون الخطر» من المسار الذي تسلكه النشاطات الإيرانية. وتجدر الإشارة إلى أنهم بذلك يشاطرون الرئيس ترمب رأيه إذ أنه حذر طهران أول من أمس من السير في هذا «المنزلق الخطير» (نسبة التخصيب والطاردات المركزية الجديدة).
بالتوازي، ما زالت الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الأوروبيون بعيدة عن درجة اليقين. بيد أن المصادر الفرنسية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن باريس «مواظبة» على وساطتها وتساءلت: «ما هو البديل ومن يستطيع القيام بهذه الوساطة إن تخلينا نحن عنها؟» وما تأمله فرنسا هو أن تحصل أخيرا على موافقة من الرئيس ترمب على الخطة التي أعدها الرئيس ماكرون والمتمثلة بمنح إيران خطا ائتمانيا من 15 مليار دولار يسدد على ثلاث دفعات مقابل عودة طهران للتقيد بالاتفاق وقبولها الجلوس مجددا إلى طاولة المفاوضات.
وسارع ستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأميركية أمس إلى التذكير أن أمرا كهذا مرهون بالإرادة الأميركية علما بأن الرئيس ترمب أرسل إشارات بهذا المعنى وفق ما نقلت عنه وكالة بلومبيرغ أول من أمس. وتقول إيران علنا إنها تريد تراجع واشنطن عن كافة عقوباتها وهي ترهن قبول الاجتماع بالرئيس الأميركي بهذا الشرط مع التشديد على ضرورة أن يكون في إطار مجموعة 5 زائد1. لكن يبقى السؤال: ماذا بعد اللقاء في حال حصوله وما هي النتائج التي يمكن توقعها، خصوصا أن واشنطن ومعها باريس والأوروبيون يريدون فتح كافة الملفات مع طهران وهي ثلاثة: مستقبل البرنامج النووي الإيراني لما بعد عام 2025 واحتواء برنامجها الصاروخي الباليستي، وأخيراً سياستها الإقليمية. وحتى اليوم، لم يصدر عن إيران شيء يدل على قبولها السير في هذا المخطط وهي ترفض رفضا قاطعا تناول برنامجها الباليستي. وكشفت المصادر الفرنسية أن طهران، في باب البحث في سياستها الإقليمية تقبل فتح ملف اليمن حيث يحظى الحوثيون بدعمها الكامل. فهل سيكون ذلك كافيا؟



إسرائيل تقصف دمشق... وتُهجّر أهالي قرى في جنوب سوريا

TT

إسرائيل تقصف دمشق... وتُهجّر أهالي قرى في جنوب سوريا

جنود إسرائيليون يعبرون الخميس السياج الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا (أ.ب)
جنود إسرائيليون يعبرون الخميس السياج الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا (أ.ب)

عززت إسرائيل المخاوف من وجودها بشكل طويل في الجولان السوري، بالبدء في تهجير أهالي قرى بالجنوب السوري، بموازاة شن الطيران الحربي غارات على محيط دمشق.

وأفادت وسائل إعلام سورية، الخميس، بأن «جيش الاحتلال دخل الأطراف الغربية لبلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة، وطالب الأهالي بتسليمه ما لديهم من أسلحة».

ووفق وسائل الإعلام السورية، فإن «الجيش الإسرائيلي هجّر أهالي قريتي الحرية والحميدية واستولى عليهما، ودخل إلى بلدة أم باطنة مدعوماً بعربات عسكرية ودبابات، فضلاً عن رصد دبابات داخل مدينة القنيطرة جنوبي سوريا».

وشن الطيران الإسرائيلي غارات على محيط العاصمة السورية، وقال سكان في أحياء دمشق الغربية، إنهم سمعوا انفجارَين قويَين يعتقد أنهما في مطار المزة العسكري، وأضاف السكان أنهم سمعوا أصوات طائرات حربية تحلق في أجواء ريف دمشق الجنوبي الغربي.

بدوره أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، لمستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، ضرورة منع «الأنشطة الإرهابية» من الأراضي السورية ضد إسرائيل بعد إطاحة بشار الأسد.

وقال نتنياهو في بيان، إنه التقى سوليفان في القدس، وتطرق معه إلى «الحاجة الأساسية إلى مساعدة الأقليات في سوريا، ومنع النشاط الإرهابي من الأراضي السورية ضد إسرائيل».

إقامة طويلة

وتتوافق التحركات العسكرية الإسرائيلية مع ما كشفت عنه مصادر عسكرية في تل أبيب، بأن الممارسات التي يقوم بها الجيش في الجزء الشرقي من الجولان، تدل على أنه يستعد لإقامة طويلة الأمد في الأراضي السورية، التي احتلها إثر انسحاب قوات النظام السوري من مواقعها في المنطقة العازلة وفض الاشتباك في الجولان.

وتجرى هذه العمليات وسط موافقة أميركية صامتة، وهو ما يُقلق أوساطاً عدة تخشى من فتح الشهية لتدمير خطوط الحدود وتوسيع نطاق الاستيطان في سوريا.

وأشارت المصادر إلى أن هذه العمليات تتم من دون معارضة دولية علنية، باستثناء فرنسا التي نشرت بيان تحذير.

وكان الجنرال مايك كوريلا، قائد القوات الأميركية المركزية في الشرق الأوسط (سنتكوم) زار إسرائيل، الأربعاء، واطلع على تفاصيل العمليات، وعلى نتائج القصف الإسرائيلي، الذي دمر نحو 80 في المائة من مقدرات الجيش السوري، وحطم له سلاح الجو وسلاح البحرية والمضادات الجوية ومخازن الأسلحة، كما أجرى وزير الأمن، يسرائيل كاتس، مكالمة مع نظيره الأميركي، لويد أوستن.

بنية تحتية

وقالت مصادر عسكرية في تل أبيب، إن الجيش الإسرائيلي شرع بتحويل المواقع العسكرية السورية، التي احتلتها الكتيبة 101 من وحدة المظليين، إلى مواقع عسكرية إسرائيلية.

وذكر تقرير عبري أن «الجيش الإسرائيلي بدأ بتأسيس بنية تحتية لوجيستية شاملة، حيث تم إحضار حاويات تحتوي على خدمات مثل الحمامات، والمطابخ، وحتى المكاتب الخاصة بالضباط»، ورجح أن «يتوسع النشاط ليشمل أعمدة اتصالات».

وأفاد بأن الجيش الإسرائيلي أحكم سيطرته على المناطق الحيوية في المنطقة، واحتل قمم التلال التي تكشف مساحات واسعة من سوريا، خصوصاً في المناطق الحدودية، وأقام حواجز عسكرية في التقاطعات داخل القرى السورية، مثل الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية.

ومع نشر أنباء تقول إن عمليات الجيش تدل على أنه يخطط للبقاء هناك لمدة سنة على الأقل، قالت المصادر العسكرية لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه «من المبكر تقييم مدى استدامة هذا الوضع، ولكن قادة الجيش يعتقدون أنه لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور الآن في سوريا مع القيادات الجديدة، التي تدل تجربتها على أنها تحمل تاريخاً طافحاً بممارسات العنف الشديد والإرهاب من جهة، وتبث من جهة ثانية رسائل متناقضة حول المستقبل».

وأضافت المصادر: «وفي الحالتين ستواجه إسرائيل تحديات مستقبلية تتطلب بقاء طويل الأمد في المنطقة وتعزيز عدد القوات، ما قد يتطلب استدعاء قوات الاحتياط».

اليمين المتطرف

وتثير العمليات الإسرائيلية في الأراضي السورية قلقاً لدى أوساط عقلانية من أن تفتح شهية اليمين المتطرف على توسيع الاستيطان اليهودي في سوريا. ففي الأراضي التي تم احتلالها سنة 1967 أقامت إسرائيل نحو 30 مستوطنة يهودية، وتبرر إسرائيل احتلالها الأراضي السورية الجديدة بحماية هذه المستوطنات.

وقد لوحظ أن نتنياهو الذي وقف على أرض الجولان يوم الأحد الماضي، وأعلن إلغاء اتفاقية فصل القوات مع سوريا، تكلم خلال محاكمته الثلاثاء عن «شيء بنيوي يحصل هنا، هزة أرضية لم تكن منذ مائة سنة، منذ اتفاق (سايكس - بيكو 1916)».

وبحسب متابعين لسياسته فإنه لم يقصد بذلك إعطاء درس في التاريخ عن اتفاق من عام 1916 بين الدولتين العظميين الاستعماريتين في حينه، بريطانيا وفرنسا، اللتين قُسّمت بينهما أراضي الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط، وأوجدت منظومة الدول القائمة حتى الآن؛ بل قصد أنه يضع حداً لمنظومة الحدود في المنطقة.

ولربما باشر تكريس إرثه بصفته رئيس الحكومة الذي وسع حدود إسرائيل مثل دافيد بن غوريون وليفي أشكول، وليس الذي قلصها أو سعى لتقلصيها مثل مناحيم بيغن وإسحق رابين وأرئيل شارون وإيهود أولمرت وإيهود باراك.