يتم تسويق الدوري الإنجليزي الممتاز بشكل قوي في جميع أنحاء العالم، وتجلب عائدات البث التلفزيوني الكثير من الأموال من الخارج، وأصبح غالبية اللاعبين والمديرين الفنيين وملاك الأندية في إنجلترا من الأجانب، وبالتالي فقد نرى من يسافر من مدينة بالتيمور الأميركية أو من مدينة بنغالور الهندية ليشاهد مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز من المدرجات.
قد يبدو هذا منطقيا ومعقولا، وأنا أتفق مع ذلك تماما على المستوى الفكري، لأن ذلك يتوافق مع أفكاري ومعتقداتي الليبرالية، لكن لدي بعض التحفظات. في البداية، يجب أن أشير إلى أن مدينة سندرلاند تعد جزءا مني بطريقة لا يمكن التشكيك فيها على الإطلاق، فقد نشأت هناك وعائلتي من هناك. كما أن سندرلاند تعد مستودع المشاعر المرتبطة بذكريات والدي وجميع زملائي الذين لعبت معهم عندما كنت مراهقا.
وقد جاءت عائلتي إلى تلك المدينة قبل وقت طويل من آيرلندا واسكوتلندا بحثاً عن عمل في مجال بناء السفن، ووجدت انتماءها للمدينة من خلال الذهاب إلى المباريات. ويعد نادي سندرلاند هو كل شيء بالنسبة لي وأكثر أهمية من أي نتائج فردية وبغض النظر عن أي لاعب يرتدي قميص النادي خلال هذا الموسم.
وهذا هو السبب في أهمية نادي سندرلاند، وأهمية نادي بولتون، وأهمية نادي بيري، الذي تم استبعاده من مسابقات المحترفين في إنجلترا بعد إخفاقه في حل مشكلاته المالية. ويجب ألا نكون ساذجين وندرك أن المال دائماً ما يلعب دوراً مهماً للغاية في كرة القدم. إن الأندية التي هيمنت على الدوري الإنجليزي في بداياته - بريستون، وسندرلاند وأستون فيلا – قد فعلت ذلك إلى حد كبير كنتيجة مباشرة لشرائها أفضل المواهب الاسكوتلندية. وعندما فاز سندرلاند، بصفته بطلا للدوري الإنجليزي، على بطل اسكوتلندا، هارتس، بخمسة أهداف مقابل ثلاثة على ملعب تينكاسل في أول كأس عالم للأندية في عام 1895، كان جميع اللاعبين الـ22 من اسكوتلندا. كما تم إنشاء ليفربول وتشيلسي من قبل مالكي الملاعب بهدف الحصول على أموال من المشجعين الذين يأتون لمشاهدة المباريات.
ومع ذلك، فإن الفجوة بين الأندية الغنية والأندية الفقيرة في عالم كرة القدم لم تكن أبدا بهذا الاتساع والوضوح. وتقدم الأندية الغنية الكبرى مستويات استثنائية، كما شهدت مباريات دوري أبطال أوروبا – على الأقل في الأدوار الإقصائية – إثارة كبيرة للغاية. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستحق الأمر كل هذا؟
في حالة ناديي بولتون وبيري، تم ارتكاب أخطاء محددة من قبل المالكين في بيئة لم تفعل الكثير لتنظيم من يُسمح له بأن يمتلك ناديا أو كيف يتصرف عندما يمتلك ناديا. لكن الظروف التي أوصلت هذين الناديين إلى حافة الهاوية ليست مقصورة عليهما فقط، وهو ما يعني أن المشكلة ليست فردية وإنما هي مشكلة جماعية ومنهجية.
بالتأكيد، سوف يستهجن البعض هذا الكلام ويشير إلى أنه لا يوجد بلد آخر في العالم، غير إنجلترا، لديه رابطة تضم 92 ناديا (بالإضافة إلى فرق محترفة أخرى غير تابعة لرابطة المحترفين)، وأنه من الطبيعي أن يتعثر ناد أو آخر في هذا النظام. لكن الأشخاص الذين يتبنون وجهة النظر هذه نسوا أن هذا المنطق قد ينطبق على سلاسل المحلات التجارية، ويجب ألا ينطبق على أندية كرة القدم!
وكما يوضح الكتاب الجديد لديفيد غولدبلات، والذي يحمل عنوان «عصر كرة القدم»، فإن هذا الأمر يعد جزءا من اتجاه أوسع بكثير؛ حيث يتم استيعاب كل شيء - اللاعبين والمديرين الفنيين والاستثمار والاهتمام – في عدد محدود من الأندية في عدد محدود من الدوريات في غرب أوروبا، لدرجة أنه عندما تشاهد إحدى مباريات الدوري الأرجنتيني أو البرازيلي فإنك ستشعر بالصدمة من ضعف مستوى المباريات بالمقارنة بمستوى أفضل اللاعبين في هذين البلدين والذين يلعبون في الدوريات الأوروبية.
وأصبحنا نشاهد مباريات كأس الأمم الأفريقية تقام في ملاعب خاوية من الجمهور، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى أن ثقافة الذهاب إلى المباريات قد انتهت في جميع أنحاء القارة. إن كرة القدم التي يهتم بها الناس حاليا هي تلك التي تلعب في أوروبا، وبالتالي يشاهدها الجمهور في كل مكان في العالم عبر القنوات الفضائية في المقاهي والحانات.
ولا يوجد أي اهتمام بالجمهور المحب لمشاهدة المباريات من الملعب للدرجة التي تجعل المنظمين يقيمون الملاعب الجديدة المصممة لاستضافة مباريات كأس الأمم على مشارف البلدات، وهو الأمر الذي يكون جيدا بالنسبة لكبار الشخصيات وللبث التلفزيوني، ولا يلائم بشكل كبير السكان المحليين الذين يرغبون في حضور المباريات والذين يتعين عليهم قطع مسافات طويلة للوصول إلى تلك الملاعب.
وتكمن المفارقة الفظيعة في أن الضغوط تتزايد على الأندية الصغيرة في إنجلترا، رغم أن الحضور الجماهيري في الدوريات الأربعة الأولى في إنجلترا كما هو منذ أربعة عقود. لكن الأزمة تنبع من الفجوة الهائلة بين الدوري الإنجليزي الممتاز من جهة وباقي الدوريات من جهة أخرى، وخاصة منذ تغيير شكل ومسمى الدوري الإنجليزي الممتاز في عام 1992 بسبب جشع وطمع الأندية الكبرى.
والسؤال المطروح الآن هو: ما وضع هذه الأندية الآن؟ لقد تحولت هذه الأندية إلى علامات تجارية عالمية توجد في إنجلترا، بعدما أصبح مالكو الأندية أجانب والمديرون الفنيون أجانب واللاعبون أجانب، بل وأصبح معظم الجمهور أيضا من الأجانب! وحتى في نادي ليفربول؛ حيث يشعر المرء بأن التواصل الاجتماعي أقوى بكثير عنه في معظم الأندية الكبرى، أصبحت اليد العليا للمال، وهناك محاولات سيئة تجري الآن لتسويق كلمة «ليفربول»، كما لو أنه يمكن أن تؤخذ المدينة نفسها من أهلها وتتحول إلى شيء رمزي يمكن شراؤه وبيعه!
وبالتالي، فإن السؤال المهم الآن هو: هل من الممكن الاستفادة من فوائد العولمة من دون أن تصبح الأندية الغنية أكثر ثراء، ومن دون أن تتحول هذه الأندية إلى أندية عالمية من غير أن تدمر مجتمعاتها المحلية؟ هذا هو السؤال الرئيسي الآن، لكن يبدو أن كرة القدم ستكون عاجزة عن الإجابة عنه في الوقت الحالي. وخلاصة القول هو أن مستوى اللعب قد أصبح الآن أفضل بكثير من أي وقت مضى، لكن تكاليف ذلك كانت مدمرة وكارثية للغاية.
تحويل الأندية إلى علامات تجارية عالمية يعني أن أندية أخرى ستواجه مصير بيري
تركيز الثروة في عدد محدود من الأندية العملاقة يؤدي إلى لحظات من الدراما المثيرة... لكن الثمن سيكون باهظاً
تحويل الأندية إلى علامات تجارية عالمية يعني أن أندية أخرى ستواجه مصير بيري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة