كاتب مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» جاك ثورن... قصة نجاح

مجلة «إيكونوميست» أطلقت عليه لقب «شاعر بريطانيا»

مسرحية  «هاري بوتر والطفل الملعون» في لندن (غيتي)
مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» في لندن (غيتي)
TT

كاتب مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» جاك ثورن... قصة نجاح

مسرحية  «هاري بوتر والطفل الملعون» في لندن (غيتي)
مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» في لندن (غيتي)

لا يجد جاك ثورن غضاضة ولا تنقصه الأسباب ولا الأساليب في وصف نفسه بالشخصية غريبة الأطوار. «أنا شاب مشوش الفكر، علاقاتي مع الناس أقل من عادية، وعلّتي الوحيدة هي طريقتي في التفكير».
يشير إلى ملصق حائطي للفنان الإنجليزي رالف ستيدمان معلق على جدار مكتبه المنزلي المليء بالكتب حتى السقف، في صورة تنمّ عن بشاعة واضحة تستثير مكامن الاعتراض والتأفف لدى كل من يطالعها، حتى وإن كان ولده إليوت الذي لم يتجاوز العام الثالث من عمره. يبتسم جاك، وهو يقول: «أحب هذه الصورة للغاية... إنها تعبّر عن مكنون كراهيتي لذاتي».
يصف جاك ثورن، الكاتب الإنجليزي الذي يجاوز العقد الرابع من عمره بقليل، أغلب مراحل حياته بأنها سلسلة متتابعة ومظلمة من رواية ذات فصول بائسة، ومن بين ذلك علة جلدية معيقة لازمته، وأثرت عليه منذ سنوات، ولا تزال.
غير أنه يجد نفسه الآن في بقعة لم يكن ليتصور بلوغها في يوم من الأيام؛ فلقد تزوج وأنجب، ودخلت حياته المهنية على مستوى المسرح والسينما والتلفزيون في مرحلة ازدهار جعلته واحداً من أكثر مؤلفي الروايات والقصص روعة وإثارة للاهتمام في العالم المعاصر.
ونال جاك ثورن جائزة «أنطوانيت بيري للتميز في مجال المسرح»، المعروفة إعلاميّاً باسم جائزة «توني»، التي تُمنَح للعروض المسرحية الأميركية المتميزة، وذلك عن أولى مسرحياته التي ألفها في برودواي، حيث كتب السيناريو لمسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» ذات الحضور العالمي الكبير. ومن أعماله السينمائية البارزة كان فيلم بعنوان «ذي أيرونوتس»، إنتاج العام الحالي (2019)، مع الممثل البريطاني إيدي ريدماين، وله فيلم من إنتاج العام المقبل تحت عنوان «ذي سيكريت غاردن»، (مع الممثل البريطاني كولين فيرث).
كما سجل أول حضور له خلال موسم الصيف الحالي في مؤتمر «سان دييغو كوميك كون إنترناشيونال» للكتب المصورة بالولايات المتحدة الأميركية، من خلال الترويج لروايته الجديد تحت عنوان «هيز دارك ماتيريالز»، التي سوف تتحول إلى مسلسل قيد الإنتاج لدى «هيئة الإذاعة البريطانية» بالتشارك مع شركة «إتش بي أو» الأميركية، وكان قد اقتبس مادتها الفنية من روايات المبدع فيليب بولمان الخيالية.
ظل جاك ثورن يكتب الروايات والسيناريوهات للتلفزيون منذ أن كان يبلغ 25 عاماً من عمره، وحصل خلال تلك الفترة على خمس جوائز «بافتا – جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام»، وهي الجائزة البريطانية المكافئة لجوائز «إيمي» للمسلسلات والبرامج التلفزيونية الأميركية. وأشاد الجمهور والنقاد أيما إشادة بالمسلسل التلفزيوني القصير الرائع «ناشيونال تريجر» حول فنان كوميدي متهم بحادثة اغتصاب. وسوف تعرض له شبكة «نيتفليكس» الترفيهية الأميركية العام المقبل أولى حلقات المسلسل الموسيقي الجديد بعنوان «إيدي» للمخرج الأميركي الفرنسي داميان شازيل، وهو من تأليف جاك ثورن، كما تلقى جاك التكليف مؤخراً بكتابة مسلسل درامي عائلي جديد لصالح «هيئة الإذاعة البريطانية».
وكانت مجلة «إيكونوميست» قد نشرت مقالاً في يونيو (حزيران) الماضي تتحدث فيه عن شخصية المؤلف جاك ثورن وتخلع عليه لقب «شاعر بريطانيا»، وقالت عنه إنه «يمثل للتلفزيون البريطاني الحديث ما كان يمثله تشارلز ديكنز تماماً للرواية الفيكتورية. إنه مؤرخ قصصي للحكايات والروايات التي يحجم كثيرون من غيره عن سردها أو التطرق إليها، واصفاً عِلَل المجتمع ببراعة فائقة، محاولاً إماطة اللثام عن الدراما المحلية التي تحيط بها وتغلفها عن عيون الناس».
ويشهد مسرح «رويال كورت» في لندن، موسم الصيف الحالي، مسرحية درامية تستند إلى مراحل حياة وتنشئة جاك ثورن بنفسه. وفي خريف العام الحالي، سوف تُعرَض له مسرحيتان على خشبة مسرح نيويورك؛ مسرحية تحمل عنوان «صنداي»، وتدور حول نيويورك في عشرينات القرن الماضي وشبابها الغض الذين يبحرون في مجاهل المدينة الكبيرة في أوائل حياتهم، وسوف تُعرَض هذه المسرحية في جولة عالمية خارج مسارح برودواي للمرة الأولى من خلال «أتلانتيك ثياتر كومباني»، ثم هناك مسرحية بعنوان «كريسماس كارول»، وهي تمثل اقتباسه المسرحي الشهير لرواية تشارلز ديكنز الكلاسيكية، وسوف تُعرض على مسارح برودواي الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
يقول جاك ثورن في مقابلة شخصية حديثة أُجرِيَت معه في منزله الذي يعيش فيه مع زوجته راشيل ماسون وولده إليوت في حي إزلنغتون بغرب العاصمة لندن: «إنني أعمل بجدية أكثر مما فعلتُ في أي وقت مضى من حياتي. وإنني مدرك لأفول نجم شهرتي ومعرفة الناس بي في وقت ليس بالبعيد، ولذا تحدوني رغبة عارمة كي أتلو كل ما أتمكن من تلاوته من قصص وحكايات على الناس حين لا يزالون مهتمين بجاك ثورن وأقاصيصه».
وتقول سونيا فريدمان، كبيرة منتجي مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» الشهيرة عن جاك ثورن: «إن هذا النوع من إنكار الذات هو ما يؤجج أعماله وبلوغها حدّاً من النجاح غير مسبوق».
لا يعدو مكتب جاك ثورن الخاص أكثر من كونه غرفة وحيدة في منزله، ويضم أعماله وتحفه الفنية البديعة، ورغم أنه يحتفظ بالجانب الأكبر من جوائزه في قبو المنزل، إلا أنه قبو مليء بكنوز أخرى ذات مغزى عميق للرجل ولفنونه.
,يضمّ قبو جاك ثورن الخاص رسوماً لعصي سحرية وصولجان من تصميم الفريق الفني لمسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون»، فضلاً عن إطار خشبي يضم ملابس طفل وليد يُذكره بميلاد طفله الوحيد (إليوت). ويقول جاك عن ذلك: «لا بد أنني أحب أن تطاردني ذكريات حياتي الماضية أينما حللت».
- دوافع ممتزجة
جاك ثورن شخص فارع يقارب المترين طولاً، وجسده عبارة عن كتلة متقدة من الطاقة العصبية المحتدة. وغالباً ما تراه يعبث بأصابع قدميه في ملل واضح. وهو أكثر شتاتاً للفكر مما يصرفه عن ركوب الدراجات، كما أنه شخصية كارهة لمترو الأنفاق مما يجعله يقطع المسافات الطويلة سيراً على الأقدام، وتراه يقول: «إن المكوث في الأنفاق هو أكثر الأشياء إزعاجاً في الحياة».
كما أنه يعاني من «لعثمة» لفظية بادية (تلك التي تسبب له عائقاً في الحديث المتصل)، مما يُفضي به في كثير من الأحيان إلى الاستعانة بعبارة «هل تدركون ما أقصده كما تعلمون؟»، التي يقولها بالإنجليزية في منطوق واحد غير مفهوم. وهو يجد ذلك الأمر مثيراً للسخط في نفسه، ويقول: «لا تعني هذه العبارة شيئاً لأحد قط، وددتُ لو أنني أستطيع الحديث بشكل متماسك مثل الآخرين».
وفي إشارة إلى أعداده لرواية «هيز دارك ماتيريالز»، يقول إن الناس في الرواية يقترنون بالشياطين التي تتبدى لهم في الحياة على صور حيوانات متنوعة تعكس الشرور التي تعتمل داخل أنفسهم: «أعتقد أن شيطاني المفضل سوف يظهر على صورة طائر نقار الخشب، لأنه لا يفارق مخيلتي أبداً، دائم الطيران والطنين فوق رأسي، ويأمرني بكل فجاجة بما أقول وما لا يجب أن أقول!».
صارت الكتابة المستمرة لدى جاك ثورن نوعاً من أنواع الإكراه المحبب؛ المهنة التي لا تجلب على قلبه السرور فحسب، وإنما ينعم بسببها بقدر لا بأس به من الهدوء الذاتي: «أقابل حالما أشرع في الكتابة أناساً آخرين لم أكن أعرفهم، وأصبح برفقتهم أفضل حالاً. إنها الكتابة والبحر... أفرّ إليهما فراري من العالم المحيط بي محاولاً العثور على نفسي».
فما الذي يجمع بين الكتابة والبحر لدى نفسية جاك ثورن؟ يجيب قائلاً: «إنها الوحدة أو الانفراد بالذات تماماً. فعندما أسبح في البحر فإنني أغادر واقعي بالكلية، وأعتقد أنني ألحظ أثراً مماثلاً يعتريني فور شروعي في الكتابة إلى حد كبير».
يقدر جاك ثورن أن مؤلفاته قد بلغت أكثر من أربعين مسرحية حتى الآن، كما أنه (وللغرابة) يعمل على ثلاثة مؤلفات في آن واحد! إذ ينتقل بينهما في تقافز غريب كلما عرضت له عثرة من العثرات: «لا أحتمل العمل على رواية واحدة في وقت واحد أبداً. فعندما أتعثر في رواية من الروايات تتبدى بشاعة الأمر أمام عيني، وألعن نفسي لعناً كبيراً، ولا أظن أنني سأفلح في مجال الكتابة بعدها أبداً. فمن اللطيف حقّاً أنني أستطيع التهادي بين هذه الرواية وتلك في الوقت نفسه، فأشعر بارتياح داخلي ويساروني شعور بأن كل شيء قد صار على ما يرام».
وكما هو الواقع، لا تفلح كل المحاولات أبداً. فلقد رُفضت مشاركة جاك ثورن في تأليف الحلقة التاسعة من «حرب النجوم» فور تغيير المخرج المشرف على إخراج الفيلم الجديد. كما أنه ألف كتاباً لاقتباس مسرحي بميزانية هائلة لفيلم «كينغ كونغ» الشهير، ولكنه لم يلقَ استحساناً من المنتجين، وألغيت فكرة اقتباس الفيلم وعرضه على مسارح برودواي، رغم أن المنتجين أنفسهم كانوا يأملون في إحياء المسرحية بنسختها الموسيقية في شنغهاي.
يقول جاك ثورن عن الأمر: «كان وقتاً عصيباً للغاية. شعرت بأن هناك نوعاً من الافتراضات المسبقة بأنني صرتُ مندوب مبيعات تجارية، كنتُ أدرك أنني أتلمّس أولى خطواتي في مدينة لا تكترث لأمري البتة».
ولكنه يقسو على نفسه في انتقادها: «هناك أشياء لم يُكتب لها النجاح في هذا العرض. وأعتقد أنني أصبتُ بذعر لا مبرر له، ذلك لأن المراجعات الأولى لم تنجح على الإطلاق، ولم أكن مخلصاً تمام الإخلاص فيما أحاول فعله، ربما كان حريّاً بي أن أنتج شيئاً أكثر عمقاً وذكاء. لقد وقعت في حالة مرضية شديدة الوطء على نفسي».

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».