عشرات الآلاف يتظاهرون في الخرطوم للمطالبة بتعيين رئيس للقضاء

حمدوك في جوبا... وجنوب السودان يأمل بإنقاذه الاقتصاد في البلدين

TT

عشرات الآلاف يتظاهرون في الخرطوم للمطالبة بتعيين رئيس للقضاء

احتشد عشرات الآلاف من السودانيين أمام بوابة القصر الجمهوري بالخرطوم استجابة لدعوة قوى إعلان الحرية والتغيير لمسيرة (مليونية السلطة القضائية)، للضغط على مجلس السيادة للإسراع في تعيين رئيس القضاء والنائب العام، في وقت أكد رئيس وزراء، السودان، عبد الله حمدوك، من جوبا، أن بلاده تطمح في بناء علاقات راسخة مع دولة جنوب السودان.
وأغلقت الشرطة الشوارع الرئيسية المؤدية إلى القصر أمام المحتجين الذين كانوا يرددون هتافات من بينها «الدم قصاد الدم لا نقبل الدية»، و«الشعب يريد رئيس قضاء جديد»، كما رفعوا لافتات تطالب بقضاء مستقل، وقضوا ساعات في محيط القصر. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع مساء لتفريق آلاف المحتجين كانوا يعتزمون تنفيذ اعتصاما في ساحة القصر حتى تحقيق مطالبهم. وتسلم عضو المجلس السيادة، صديق تاور، المذكرة التي دفع بها قادة المسيرة الاحتجاجية، تطالب فيها بتعيين رئيس القضاء وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث فض الاعتصام التي راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين.
ولا تزال قضية تعيين رئيس القضاء والنائب العام تراوح مكانها، بعد رفض العسكريين في مجلس السيادة، مرشح قوى إعلان الحرية والتغيير، مولانا عبد القادر محمد أحمد، بسبب اتهامات وجهها للمجلس العسكري قبل حله بالتورط في أحداث فض الاعتصام، كما اعترضوا أيضا على ترشيح مولانا محمد عبد الحافظ نائبا عاما للبلاد.
وأشارت قوى إعلان الحرية والتغيير في المذكرة التي دفعت بها إلى مجلس السيادة إلى ما أسمته باستمرار الأوضاع المعيبة في المؤسسات العدلية الذي يتنافى مع ما تم الاتفاق عليه في الوثيقة الدستورية التي حددت مهام الفترة الانتقالية، وطالبت بالاستجابة العاجلة بتكوين مؤسسات العدالة المتمثلة في رئيس القضاء والنائب العام لبدء العهد الجديد.
في غضون ذلك بدأ «حمدوك» أول زيارة خارجية له، إلى دولة جنوب السودان، تستغرق يومين، يرافقه خلالها (4) من الوزراء. وقال رئيس الوزراء، في تصريحات صحافية عقب وصوله جوبا، بأن الزيارة ستناقش قضية التجارة بين البلدين، إلى جانب ملفات تشمل النفط وحرية حركة تنقل المواطنين والبضائع. وأعرب حمدوك عن سعادته بزيارة وطنه الثاني جنوب السودان، مضيفا «تعهدت بأن تكون أول زيارة للخارج بعد أداء القسم مدنية جوبا... وأنا اليوم أوفي بهذا الوعد». وأوضح أن بلاده تطمح في «بناء علاقات استراتيجية راسخة بين شعبي البلدين لا يحده سقف... وسنعمل في هذه الزيارة خلال اليومين لوضع علاقات متميزة ومتطورة بين شعبينا».
من جانبه قال نائب رئيس حكومة جنوب السودان، جيمس واني إيقا، إن حمدوك الشخص الأفضل لقيادة السودان في المرحلة الانتقالية، لما يمتلكه من خبرات تؤهله لإدارة الأوضاع في البلاد خلال المرحلة الجديدة. وأضاف «نحن فخورون به ولدينا معه معرفة قديمة، فقد كان صديقاً لنا في الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ أيام الحرب الأهلية ضد حكومات السودان السابقة»، وقال «كما أن حمدوك خبير اقتصادي يمكن أن يضع معالجات حقيقية لكافة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدولتين لأننا شعب واحد في بلدين».
وأجرى حمدوك اجتماعاً مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت في القصر الرئاسي ناقش فيه الملفات والقضايا المشتركة بين البلدين على رأسها الحدود والنفط والتبادل التجاري والأمن علاوة على ملف السلام السوداني الذي يقود وساطته الرئيس سلفا كير.
وأعربت الأوساط الصحافية في جوبا عن ترحيبها بزيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى بلادهم، وعبرت صحيفة «الموقف» التي تصدر باللغة العربية في جوبا عن تقدير شعب جنوب السودان لهذه الزيارة، وقالت «تعتبر الزيارة التاريخية بمثابة فتح جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة أنها تأتي بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي سعى بكل ما يملك لإضعاف دولة جنوب السودان من خلال سياساته التمييزية التي لم تكن تطمح في إقامة أي علاقات حسن جوار بين الدولتين»، واعتبرت الصحيفة في افتتاحيتها اختيار حمدوك لجنوب السودان كأول دولة خارجية يزورها تعني تقديره العميق للعلاقات التاريخية التي تربط البلدين» والتي ينبغي أن تتحول إلى نموذج في التكامل الاقتصادي الذي يؤسس لحياة آمنة ومستقرة لشعبي البلدين... كما نأمل أن تقود الزيارة إلى إزالة كافة العقبات التي تعترض التطبيع الكامل بين جوبا والخرطوم بعد أن زالت الهواجس الأمنية التي صنعها النظام البائد».
وتتوقع الأوساط في جوبا، أن تناقش الزيارة أوضاع الطلاب الجنوبيين الموجودين بالخرطوم، من ناحية المعاملة والرسوم ومتطلبات الدراسة الأخرى، وأن تفتح الفرص أمام التبادل الأكاديمي بين الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في البلدين، وأن يتم دراسة «اتفاق التعاون» القائم حاليا، وتحويله لاتفاق ثنائي قائم على المصالح المشتركة، بالإضافة إلى تفعيل بند الحريات الأربع». ويتوقع أيضا أن يتم فتح الحدود أمام حركة التجارة والبشر وأن يتم التوافق على آليات مشتركة تقوم على الثقة.
واستضافت جوبا اليومين الماضيين المشاورات بين وفد مجلس السيادة والحركات المسلحة في «الجبهة الثورية» والحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة عبد العزيز الحلو، التي توجت بتوقيع إعلان مبادئ يمهد لبدء مفاوضات مباشرة منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، المقبل.
ونص اتفاق إعلان المبادئ على تأجيل تعيين حكام الولايات، وإرجاء تعيين المجلس التشريعي إلى ما بعد التوصل إلى اتفاق سلام شامل يمهد لمشاركة الحركات المسلحة في هياكل السلطة الانتقالية.
من جهة ثانية كشف المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، عقب عودة وفد المجلس من جوبا أمس، عن اتفاق بين الحكومة والحركات المسلحة على تشكيل لجنة مشتركة لوضع الجدول الزمني والقضايا محل التفاوض الذي سيبدأ منتصف أكتوبر، مؤكدا التزام واستعداد الحكومة على تحقيق السلام الشامل في البلاد، والذي أكدت عليه جميع الأطراف.
وأكد الفكي الاتفاق بين وفد مجلس السيادة والحركات المسلحة على إرجاء تشكيل حكومات الولايات والمجلس التشريعي الذي تم الاتفاق على تعيينه بعد ثلاثة أشهر من التوقيع على الوثيقة الدستورية.
وقال الفكي بأن اتفاق المبادئ الموقع مع الحركات المسلحة شمل عددا من القضايا على رأسها استمرار وقف إطلاق النار والعدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحروب والنزاعات من خلال فتح الممرات، مشيرا إلى أن تنفيذ هذه المحاور يهدف إلى تهيئة الأجواء قبل بدء العملية التفاوضية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.