قراءات فنية في استعادة التاريخ المفقود وثقافة «البوب» في الخليج

تطرحها معارض فنية يطلقها «مركز جميل للفنون» بدبي

عمل للفنان علي شري من معرض «ذاكرة المبتور»
عمل للفنان علي شري من معرض «ذاكرة المبتور»
TT

قراءات فنية في استعادة التاريخ المفقود وثقافة «البوب» في الخليج

عمل للفنان علي شري من معرض «ذاكرة المبتور»
عمل للفنان علي شري من معرض «ذاكرة المبتور»

برنامج فني حافل في انتظار الجمهور الخليجي عامة، وجمهور الإمارات خاصة، أعلن عنه بالأمس «مركز جميل للفنون» في دبي، منها معرض فني جماعي يشارك فيه 13 من فناني الشرق الأوسط بعنوان «ذاكرة المبتور» حول التراث المادي، ومعرض منفرد للفنانة السعودية سارة أبو عبد الله يطرح تساؤلات حول الهوية.
في «ذاكرة المبتور» الذي ينطلق يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يطرح 13 فناناً وفنانة تساؤلات حول علاقتنا التي نعايشها مع التراث المادي. حيث تتناول الأعمال، التي تعددت وسائطها الفنية، موضوعات ملحّة، من قبيل كتابة التاريخ، وتسليح التراث، وترسيخ معانٍ وهمية للثقافة المادية. ويتطرق المعرض إلى عملية توزيع الآثار وصولاً إلى تخريب المساحات المعمارية. وكانت قد اكتسبت قضية التراث المادي اهتماماً عالمياً، ولكنها أشد إلحاحاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث تلقي خلفيات الاستعمار والحروب وصراعات الهيمنة الثقافية، بظلالها الثقيلة على الموضوع.
تتنوع المعالجات الفنية للموضوعات والأشياء والمواقع في هذا المعرض، ما بين مجسّمات وتركيبات فنية ومقاطع فيديو وصور فوتوغرافية ورسوم ثلاثية الأبعاد، على أنها تبقى معالجات منقوصة، وهدفها الأول هو تشجيع المتلقي على الاسترسال بخيالاته لتحيله إلى تشعبات أخرى على الدرب ذاته. وكان في اختيار عنوان المعرض «ذاكرة المبتور» إحالة إلى تلك الحالة الطبية المؤلمة التي يرفض فيها الجسد الإقرار بخسارته لطرف من أطرافه على أثر إصابة عنيفة أو عملية بتر حتمية، فنجد في أعمال هؤلاء الفنانين أصداء حقيقة ثقافية تتمثل فيما يلازم حاضرنا من أمور جرى محوها عنوة في الماضي.
ولطالما كان التراث المادي ساحة لادعاءات متناقضة وروايات تاريخية متنازعة، يتم على أساسها إبراز الهويات القومية والإثنية. وشهدت السنوات الأخيرة وقائع متوالية لهدم مقصود لمبانٍ وآثار وأساليب حياة ذات أهمية تاريخية عالمية. وفي الوقت ذاته، ثار جدل متصاعد حول ضرورة استعادة البلدان لآثارها ومقتنياتها الثقافية، وهو جدل مُلحّ تجاوز حدود المتاحف إلى أروقة السياسة، ويهدف المعرض إلى تقديم محاولات لاستعادة التاريخ المفقود، ليس فقط من خلال الوثائق والأرشفة، ولكن أيضاً من خلال التأمل والخيال.
يقدم معرض «ذاكرة المبتور» أعمالاً تكليفية لكل من رند عبد الجبار، وعلي شري، وديكولونايزنج أركيتكتشر، وبينجي بويادغيان، علاوة على أعمال من إبداع أكرم زعتري، وجمانة منّاع، وبيو أباد، وفرنسيس وادزورث جونز، وقادر عطية، وثيو ميرسير، وريان تابت، وخليل رباح. كما يشتمل المعرض على عمل تركيبي كبير بعنوان «خرائط المواجهة» وهو تركيب فني يجمع بين المواد البصرية، وخرائط مفصّلة، ونماذج ثلاثية الأبعاد، وتحليل للبيانات، وهي من تنفيذ وكالة الأبحاث «فورينسك أركيتكتشر»، وبمشاركة إنتاجية من «مؤسسة فن جميل»، و«متحف فيكتوريا وألبرت». ويوضح هذا العمل التركيبي كيف يمكن للطرق المبتكرة للتصميم الرقمي والتقاط الصور أن تساعد في الحفاظ على التراث الثقافي، وتبقى شاهدة في الوقت نفسه على ما جرى من تدمير قبل أن يتم محو آثار الجرائم من خلال عمليات إعادة الإعمار.
تعمل الفنانة السعودية سارة أبو عبد الله من خلال وسائط متنوعة: الفيلم، والتركيب الفني، والرسم، والكتابة. ويبحث عمل الفنانة في الحياة الخليجية المعاصرة، وكيف أسهم الإنترنت وقنوات التواصل الرقمية في صياغة فهمنا واهتماماتنا تجاه العالم، لا سيما بالتدفق المستمر للصور وصياغة الشخصيات الوهمية عبر الإنترنت، ومعمارية الحيّز المحلي، وثقافة البوب في الخليج. يعكس المعرض بحثاً معاصراً عن الذات والانتماء، وتتساءل سارة فيه عن الكيفية التي يمكننا بها التنقل في المساحات العامة والخاصة بينما نتفاوض على أطر لكل منها، من خلال رؤية تتأثر، على سبيل المثال لا الحصر، بتجربتها كفنانة في المجتمع السعودي.
ويجمع المعرض بين أعمال الفيديو الحالية والتكليفات الجديدة بما في ذلك رسم كبير على النسيج وكذلك تركيب لنباتات حية، وهو إنتاج مشترك بين «مؤسسة فن جميل» و«كونستفيرين هامبورغ - ألمانيا»، حيث بدأ المعرض في أغسطس (آب) 2019. وتُعد الكتابة أساسية لممارسة سارة أبو عبد الله وتشكل جوهر كتاب جديد، في مشروع نشر مشترك بين «فن جميل» و«كاف بوكس» و«كونستفيرين هامبورغ».
الأرض الرقمية تتحدث في تعاون بين «مركز جميل للفنون» و«الأرض الرقمية» (ديجيتال إيرث) وهي شبكة بحثية عالمية للفنانين والباحثين الذين يستكشفون علاقة التكنولوجيا بالجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين، يُقام برنامج المحادثات يومي 7 و8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. ويجمع الحدث المفتوح للجمهور بين فنانين ومفكرين ومصممين من أفريقيا وأوروبا وآسيا لاستكشاف الكيفية التي يصيغ بها فهمنا للتكنولوجيا واستخداماتها العلاقات الجيوسياسية والعلاقات الشخصية. وتحيلنا تسمية «الأرض الرقمية» إلى مفهوم «التوأم الرقمي» لكوكب الأرض، الذي يتكون من أنظمة لوغارتمية تقوم بتوليد وتتبع وتجميع البيانات التي تجتاح وتشكل وتستغل وتنظم حول حركة البضائع والأشخاص حول العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».