دور إيجابي للسخام المتراكم في مرشِّحات مياه الصرف الصحي

باحثو جامعة «كاوست» يرصدون إبطاءه انتشار صفات مقاومة المضادات الحيوية

بيينغ هونغ (إلى اليسار) وهونغ تشينغ يدرسان التلويث الحيوي للأغشية التي ترشِّح مياه الصرف الصحي
بيينغ هونغ (إلى اليسار) وهونغ تشينغ يدرسان التلويث الحيوي للأغشية التي ترشِّح مياه الصرف الصحي
TT

دور إيجابي للسخام المتراكم في مرشِّحات مياه الصرف الصحي

بيينغ هونغ (إلى اليسار) وهونغ تشينغ يدرسان التلويث الحيوي للأغشية التي ترشِّح مياه الصرف الصحي
بيينغ هونغ (إلى اليسار) وهونغ تشينغ يدرسان التلويث الحيوي للأغشية التي ترشِّح مياه الصرف الصحي

لوقت طويل، كان يُنظَر إلى تراكُم السخام أو الأوساخ على أغشية معالَجة مياه الصرف الصحي باعتباره مشكلة، غير أنه وُجد أن بإمكانه أن يساعد على إزالة الجراثيم المقاوِمة للمضادات الحيوية، وجينات مقاوَمة المضادات الحيوية من مياه الصرف التي تجري معالجتها في المفاعلات الحيوية ذات الأغشية اللاهوائية.
ونظراً إلى أن مياه الصرف الصحي تكون مشوبة بالمضادات الحيوية المستعملة في المستشفيات، والمنازل، والزراعة، تُعتبَر محطات المعالجة أماكن ملائمة محتملة، تكتسب فيها الجراثيم مقاومة لهذه المضادات الحيوية، وتنقل جينات المقاومة بين الأنواع.
عملت بيينغ هونغ، من مركز تحلية المياه وإعادة استعمالها بجامعة الملك عبد الله للتقنية (كاوست)، مع طالب الدكتوراه لديها هونغ تشينغ، في معرفة الكيفية التي يؤثر بها الحشف الحيوي، أو السخام المتراكم، على الأغشية التي ترشح الملوِّثات من مياه الصرف الصحي، في قدرة تلك الأغشية على ترشيح الجراثيم المقاوِمة للمضادات الحيوية وجينات مقاوَمة المضادات الحيوية الجرثومية.
ويوضح تشينغ أن من المتعارف عليه أن الحشف الحيوي يمثل مشكلة، وأن المهندسين يودون عادة إزالة طبقة السخام؛ لأنها تمنع تدفُّق الماء. لكن الدراسة التي أجراها الفريق بيَّنَت أنه يمكن للسخام أن يساعد في إزالة الملوِّثات من مياه الصرف، وذلك بأن يعمل كطبقة تقوم بامتزازها (الامتزاز أو الاستجذاب أو الادمصاص هو تراكم ذرات أو جزيئات مائع على سطح مادة صلبة. وتخلق هذه العملية طبقة من الجزيئات أو الذرات التي تراكمت بكثافة على سطح المادة المازة).
وقد استعملت هونغ وتشينغ مفاعلاً حيويّاً ذا حجم مخبري، جرى تلقيمه بمياه صرف تخليقية، تحتوي على 3 أنواع من الجراثيم المقاوِمة للمضادات الحيوية، و3 أنواع من جينات مقاوَمة المضادات الحيوية.
يعالج المفاعل التجريبي مياه الصرف باستعمال كائنات دقيقة لاهوائية، أي غير مستهلِكة للأكسجين، إذ تعمل تلك الكائنات على استهلاك المواد الصلبة والملوِّثات وتفكيكها. وتتصف المفاعلات الحيوية الغشائية بكونها بدائل مستدامة للمفاعلات الحيوية الغشائية الهوائية. فالمفاعلات الهوائية تستخدم كائنات دقيقة مستهلكة للأكسجين من أجل تفكيك الملوثات، وهذا ما يجعلها تتطلب كثيراً من الطاقة من أجل تهوية المنظومة.
جرى ترشيح مياه الصرف المعالَجة عبر 3 مرشِّحات ذات طبقات متزايدة من الحشف الحيوي. وقورنت النتائج بمياه صرف مُعالَجة على نحو مشابه، لكن بواسطة غشاء جديد نظيف.
ووجدت هونغ وتشينغ أن إزالة جينات مقاوَمة المضادات الحيوية من مياه الصرف قد تحسنت، مع ازدياد سُمك طبقة الحشف الحيوي على الغشاء. لكن إزالة الجراثيم المقاوِمة للمضادات الحيوية لم تنحُ النحو نفسه. فقد أزال الغشاء الجديد غير الملوث بالحشف الحيوي ما يصل إلى 99.999 في المائة من الجراثيم من مياه الصرف. لكن مع بدء طبقة الحشف الحيوي بالتراكم، انخفضت تلك الكفاءة إلى 99 في المائة، ثم ارتفعت ثانية إلى 99.999 في المائة عندما أصبح الغشاء اللاهوائي ملوثاً إلى حدٍّ حرج، وذاك هو الطور الذي توقفت فيه طبقة الحشف الحيوي عن التراكم.
ويعلق تشينغ على هذا الأمر بقوله: «هذا يوحي بأن العمل الطويل الأجل للمفاعلات الحيوية ذات الأغشية اللاهوائية يمكن أن يكون مفيداً».
من جانبها، تضيف هونغ أن هذه النتائج تعني أن الأغشية المزودة بطبقة سطحية تُحاكي طبقات الحشف الحيوي يمكن أن تساعد في إزالة الملوِّثات غير المرغوب فيها من مياه الصرف، ومنها تلك التي تنشر مقاومة المضادات الحيوية.
يخطط الفريق لتكبير مفاعله الحيوي من أجل معالجة مياه الصرف الناتجة عن استهلاك مجتمع «كاوست». ويتعاون الفريق أيضاً مع إكرام بليلو، من برنامج علوم النباتات، في مجال اختبار استخدام مياه الصرف الصحي المُعالَجة لري المحاصيل الزراعية.
وتأمل هونغ أن توفر هذه الدراسة التي تشتمل على اختصاصات متعددة في علم الأحياء الدقيقة التطبيقية والهندسة وعلوم النبات، نظرة شاملة إلى كيفية استعمال الماء المُعالَج على الوجه الأمثل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».