شينزو آبي يرفع شعار «الاستقرار والتحدي» لحكومته المعدلة

الخارجية أكثر الحقائب حساسية... وتوقعات بأن يترك مهامه عام 2021

رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يستعرض حكومته الجديدة (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يستعرض حكومته الجديدة (إ.ب.أ)
TT

شينزو آبي يرفع شعار «الاستقرار والتحدي» لحكومته المعدلة

رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يستعرض حكومته الجديدة (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يستعرض حكومته الجديدة (إ.ب.أ)

حقيبة الخارجية هي الأكثر حساسية في حكومة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في ظل العلاقات المتوترة مع كوريا الجنوبية والخلافات الجغرافية مع الصين وروسيا، فضلا عن انتقادات واشنطن والمخاوف المحيطة ببرنامج كوريا الشمالية النووي. إذ أجرى آبي الأربعاء تعديلات على حكومته شملت انتقال وزير الاقتصاد إلى الخارجية ووزير الخارجية إلى الدفاع، مع ضم سياسي شاب واسع الشعبية إلى الفريق. وعين آبي توشيميتسو موتيغي وزيرا للخارجية، تقديرا لمساعيه في التوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
وتم تعيين وزير الخارجية المنتهية ولايته تارو كونو على رأس وزارة الدفاع في خطوة اعتبرت مؤشرا على تشديد النهج تجاه كوريا الجنوبية وسط تراجع العلاقات بين الجارين.
وتارو كونو المعروف بتفاعله مع الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، تمسك بنهج متشدد في الخلاف الأخير مع سيول الذي أساء إلى العلاقات التجارية والأمنية.
وموتيغي (63 عاما) خريج جامعة هارفرد وسياسي مخضرم عمل مستشارا لدى ماكنزي قبل أن يفوز بمقعد في مجلس النواب في 1993. ولا يتوقع المحللون أن يؤدي التعديل الحكومي إلى تغييرات مهمة في السياسة الدبلوماسية لليابان والتي يديرها بشكل كبير مكتب رئيس الوزراء.
لكن لا يتوقع الخبراء السياسيون تغييرات كبرى في خط اليابان الدبلوماسي، إذ إن آبي هو الذي يحدده بشكل رئيسي، وهو لا يتردد في القيام بزيارات لدول كثيرة ويضاعف اللقاءات مع الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين منذ أن تسلم السلطة قبل نحو سبع سنوات. ويبقى شعار هذا التعديل الحكومي الجديد «الاستقرار والتحدي».
والاستقرار قضى بالحفاظ على ركني الحكومة مع بقاء تارو آسو وزيرا للمالية ويوشيهيدي سوغا أمينا عاما للحكومة متوليا أيضا مهام المتحدث باسم السلطة التنفيذية. وانضم آسو وسوغا إلى فريق آبي منذ عودته إلى السلطة في نهاية عام 2012. وانتقل وزير الخارجية تارو كونو إلى الدفاع، ما يمكن أن يعكس دعم آبي لخطه الحازم في الخلاف مؤخرا مع سيول الذي انعكس على العلاقات التجارية والأمنية بين البلدين. أما توشيميتسو موتيغي الذي كان في صلب المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة بعد خروجها من اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادي»، فانتقل من وزارة الاقتصاد إلى وزارة الخارجية، ما يعتبر مكافأة له فيما يتوقع أن تعلن طوكيو وواشنطن قريبا التوصل إلى تفاهم تجاري.
أما «التحدي» في هذه الحكومة الجديدة، فيكمن في انضمام وجه شاب واسع الشعبية هو شينجيرو كويزومي، نجل رئيس الوزراء السابق جونيشيرو كويزومي، إلى الفريق الحكومي، ما يشكل ضربة إعلامية موفقة لآبي غير أنها أثارت تساؤلات الطبقة السياسية.
وكويزومي الذي يتسلم ملف البيئة في الـ38 من عمره، هو أصغر وزير سنا يعين في اليابان منذ نهاية الحرب. وهو شخصية سياسية صاعدة تنصب عليه أضواء الإعلام سواء لمظهره الوسيم الذي يجعله يصنَّف في فئة «المشاهير» أو لمواقفه التي تتعمد إثارة الفوضى. لكنه لم يدعم آبي في انتخابات داخلية للحزب الليبرالي الديمقراطي، بل فضل التصويت لخصمه الرئيسي. ولا تتضمن الحكومة الجديدة سوى امرأتين هما ساناي تاكيشي وزيرة للداخلية وسيكو هاشيموتو وزيرة للألعاب الأولمبية، ولو أن آبي يواصل التأكيد أنه يريد مجتمعا «تسطع» فيه النساء. وتسري تكهنات منذ الآن في الصحافة اليابانية حول اسم خلف آبي على رأس الحكومة. وسيصبح آبي في نوفمبر (تشرين الثاني) رئيس الوزراء الأطول مدة. ومن المفترض مبدئيا أن يغادر منصبه في 2021 وتسري تكهنات في وسائل الإعلام اليابانية منذ الآن حول خلفه على رأس الحكومة.
ورأى الخبير الاقتصادي في شركة «إس إم بي سي نيكو سيكيوريتيز» يوشيماسا ماروياما، أن «آبي يسعى لإطلاق السباق لاختيار رئيس الوزراء المقبل، وربما التالي له أيضا».
وفي هذه الأثناء، يعتزم آبي تحقيق طموحه الأكبر الذي لم يتمكن جده نوبوسوكي كيشي من إنجازه حين كان رئيسا للوزراء (1957 - 1960)، وهو إصلاح الدستور الياباني الذي وضع نصه الأميركيون عام 1946 ودخل حيز التنفيذ في 1947 من غير أن يدخل عليه أي تعديل منذ ذلك الحين. لكنه أعطى بعض المؤشرات قبل الظهر خلال اجتماع لحزبه إذ قال: «أريد جبهة موحدة وأن نعمل بقوة معا من أجل تعديل دستوري».
ويواجه آبي أسئلة حول الوضع الاقتصادي للبلاد عشية زيادة للضريبة الاستهلاكية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، في إجراء لا يلقى أي تأييد شعبي، وفي وقت بدأت تظهر تبعات الحرب التجارية الصينية الأميركية. واختار آبي وزيرين جديدين هما ياسوتوشي نيشيمورا، أحد أقرب المقربين منه، لحقيبة الاقتصاد، والنائب السابق لوزير المال إيسشو سوغاوارا لحقيبة التجارة والصناعة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟