رياح التغيير تهب على «أسبوع نيويورك»

توم فورد يبدأ رئاسته «مجلس الموضة» بتغييرات مهمة واستراتيجيات هادفة

من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»
من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»
TT

رياح التغيير تهب على «أسبوع نيويورك»

من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»
من عرض «تومي هيلفغر» على «مسرح أبولو»

في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وعندما اختير المصمم توم فورد رئيساً لـ«مجلس مصممي الأزياء» في أميركا، تفاءل الجميع خيراً. جاء خلفاً للمصممة دايان فون فورتنسبورغ، التي قامت بهذه المهمة لمدة 13 عاماً. كان التغيير ضرورياً لخضّ المياه الراكدة، إضافة إلى أن عالم الموضة بات يعيش تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة في السنوات الأخيرة، تحتاج إلى نفَس طويل وتدخلات من نوع جديد.
لا يختلف اثنان في أن ألق «أسبوع نيويورك» خفتَ في هذه السنوات، كما تشتتت ركائزه بين تغيير أماكن العرض الرسمية؛ من «براين بارك» إلى «مركز لينكولن»، ثم إلى أماكن متفرقة في نيويورك، وعزوف مشترين عالميين عن حضوره لافتقاده أي جديد يُذكر. كل هذا حدا ببعض المصممين إلى هجره، إما إلى أوروبا أو إلى لوس أنجليس؛ فمردوديته بالنسبة لهم لم تعد تستحق التعب والتكاليف التي يتكبدونها من أجل المشاركة فيه. خلاصة الأمر؛ كان «الأسبوع» يحتاج إلى ضخ دم جديد يُعيد له رونقه القديم ومكانته العالمية، لهذا ليس غريباً أن تُهلل أوساط الموضة عندما تم اختيار توم فورد، وأن تُعقد عليه آمال كبيرة. فهو المصمم الذي نجح نجاح الأبطال في إنقاذ دار «غوتشي» من الإفلاس في التسعينات من القرن الماضي.
يوم الجمعة الماضي، ومع انطلاق أول يوم في الأسبوع النيويوركي تحت رئاسته، كانت رياح التغيير بادية وملموسة. نجح في استقطاب، أو بالأحرى استعادة، أسماء مهمة كانت قد هجرته إلى «باريس» مثل «تومي هيلفغر» الذي عاد إلى الحُضن بعد 3 سنوات من الغياب، كذلك «راغ آند بون» إضافة إلى «ريهانا»... وغيرهم. الرئيس الحالي صرح في إحدى مقابلاته الصحافية بأن المهم بالنسبة له أن يُخرج «نيويورك» من شعورها بالاكتفاء الذاتي «لأن العالم أوسع بكثير».
يذكر أن توم فورد، الذي عمل طويلاً مع بيوت أزياء عالمية مثل «غوتشي» و«إيف سان لوران»، وعاش تجارب كثيرة مع المجموعات الكبيرة التي تنضوي تحتها هذا البيوت، تعلم الكثير من هذه التجارب، بحلوها ومرها، وعلى رأسها أن حلم العالمية هو ما يطمح إليه أي مصمم عندما يتكبد مئات الآلاف من الدولارات لتحقيق ذلك. تجربته الأوروبية جعلته أيضاً واقعياً وعملياً. واقعيته تجلت في تقصيره مدة الأسبوع النيويوركي من 7 أيام إلى 5 أيام، في خطوة شجاعة طالب بها كثير من المتابعين وصناع الموضة سابقاً من دون أن تتحقق. فطول الأسبوع كان من نقاط ضُعفه لما كان يُسببه من تعب وضيق وقت لحضور الأسابيع الأوروبية، لا سيما «لندن»، التي كان يتضارب يومها الأول مع اليوم الأخير في «نيويورك». ثم لا ننسى أن تقصيره يعني تكاليف أقل بالنسبة للذين يحضرون إليه من أوروبا.
رياح التغيير شملت أيضاً التنوع باحتضان اختلاف الآخر، وهو ما كان من بين القرارات التي اتخذها وعدّها ضرورية، مثل الاستعانة بعارضات من كل الأجناس والألوان والأحجام. كذلك، وحتى يحصل كل المصممين على تمثيل متكافئ في «مجلس المصممين الأميركي»، ضم إليه 4 أسماء جديدة، هي: المصمم فيرجيل أبلو، مؤسس ماركة «أوف وايت» ومصمم دار «لويس فويتون» الحالي للخط الرجالي، والبريطانية كارلي كوشني، التي أسست ماركتها منذ 10 سنوات بالتعاون مع ميشيل أوكس، وكوربي جون رايموند، الذي فاز في العام الماضي بتمويل «المجلس الأميركي» لتسليطه الضوء على تجربة السود في عروضه ومن خلال وسائل إعلامية أخيراً. وأخيراً وليس آخراً، التشيلية ماريا كورنيو، التي تُثير الإعجاب بأسلوبها الفني البسيط. جاء تعيين هؤلاء على حساب 4 آخرين نذكر منهم: جورجينا تشابمان، مصممة دار «ماركيزا»، التي لا يزال اسمها يثير الجدل رغم انفصالها عن زوجها السابق هارفي وينشتين، ومصممة المجوهرات كارا روس، التي يعدّ زوجها الملياردير ستيفن روس أحد الموالين للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكان قد أثار ضجة كبيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي لجمعه تبرعات لصالحه.
حسبما صرح به توم فورد لمجلة «ويمنز وير دايلي»، فإن النية من التغيير كانت إعادة ترتيب المجلس وخلق تنوع يتطلبه العصر الحالي، وليس له علاقة بآراء سياسية لأحد، ولا انتماءاته على الإطلاق.
وسواء كانت قراراته تحركها أسباب سياسية أم لا، فإن كل ما قام به حتى الآن قوبل بالترحاب ولمس هوى لدى الأغلبية. فنحن في زمن أصبح فيه للموضة دور اجتماعي وصوت سياسي يعلو مطالباً بحقوق الإنسان أو نابذاً الظلم والأفكار الشعبوية... وغيرها. في شهر أغسطس الماضي مثلاً، وبعد أن تناهى إلى المسامع خبر دعم الملياردير ستيفن روس الرئيس ترمب، قرر كثير من المصممين ممن كانوا سيعرضون تشكيلاتهم في مكان يملكه الملياردير، الانسحاب والبحث عن أماكن أخرى. كانت الرسالة سياسية واضحة رغم أن أغلبهم صرحوا بأن الأمر لا علاقة له بالدعم. المصمم برابال غوانغ كان الوحيد الذي أعلن أن سبب انسحابه كان رفضه هذا الدعم. وأرفق هذا الاحتجاج بطرح «تي - شيرت» كتب عليه: «نحن نعيش في حالة أزمة».
بيد أن قوة توم فورد تكمن حتى الآن في دعمه اللامشروط وغير المسبوق المواهب الصاعدة؛ ففي مساء أول يوم من انطلاق الأسبوع، استضاف في مطعم فيتنامي 35 مصمماً ناشئاً؛ في خطوة أراد من ورائها فتح الأبواب والفرص أمامهم بخلق حوار بينهم وبين وسائل الإعلام وصناع الموضة المحترفين. شرح توم فورد فكرته قائلاً: «إننا عندما نتفاعل مع أي شخص وجهاً لوجه ونتحدث إليه، فإننا نفهمه أكثر، والنتيجة أننا ننظر إلى أعماله بنظرة مختلفة»؛ أكثر إيجابية.
ولا شك في أن توم فورد الذي عاش في أوروبا لأكثر من عقد من الزمن، لا يريد أن تُصبح «نيويورك» هرمة مثلا ميلانو، تعتمد على شيوخها من المؤسسين، بل يريدها نابضة بالحيوية والديناميكية مثل «لندن». فهذه الأخيرة قوت نفسها ورسخت مكانتها باحتضان المواهب الصاعدة بغض النظر عن جنسياتهم واختلافهم وميولهم. مع الوقت تحولت من الحلقة الأضعف بين العواصم الأربع إلى الأقوى، باستثناء باريس، التي حافظت على مكانتها، بحكم تاريخها واحتضانها خط الـ«هوت كوتير».
المصممة الشاب هيلاري تايمور كانت واحدة من المدعوين، وقالت بعد العشاء إنها، ولأول مرة، غمرها إحساس دافئ بالانتماء بفضل الجو العائلي الذي جمع بين مصممين يسمع كل منهم عن الآخر لكن لم يسبق لهم أن جلسوا معاً ليتجاذبوا أطراف الحديث بشكل ودّي؛ «وهو ما أراه منعشاً» حسب قولها. وتتابع: «كنت دائماً أشعر بأننا متفرقين، خصوصاً بعد أن تغيرت أماكن العرض من (براينت بارك) و(مركز لينكولن)، إلى أماكن أخرى...أصبح الكل وحيداً، عليه أن يعوّل على نفسه، ليأتي توم فورد الآن ويضمنا جميعاً في نادٍ واحد».
بيد أن تشجيعه الشباب ومحاولته فتح الأبواب أمامهم، لم يُلغ أهمية المصممين الكبار، من أمثال كارولينا هيريرا، ورالف لورين، وتومي هيلفغر... وغيرهم. فهؤلاء لم يؤسسوا إمبراطوريات عالمية أو يُثبتوا أنهم يفهمون السوق فحسب باعتمادهم دائماً تصاميم بأسلوب سلس يروق للجميع؛ بل هم حالياً قوة دعائية لا يمكن تجاهلها من قبل وسائل الإعلام، مما يعطي «الأسبوع» زخماً. وطبعاً لا يمكن تجاهل أن هذه القوة تنعكس على عروضهم الباهرة، بدءاً من اختيارهم الأماكن التي يقدمون فيها عروضهم؛ إلى نوع الإخراج... وباقي التفاصيل.
وليس أدل على هذا من عرضي تومي هيلفغر، ورالف لورين. الأول عرض تشكيلة قوية بعبق الثمانينات والسبعينات من القرن الماضي في «مسرح أبولو» الشهير بهارليم، والثاني كان عرضه بمثابة حفل خاص جداً حضرته باقة من النجوم، مثل كايت بلانشيت. كان المصمم يريد أن يُجسد هذا الحفل كل معاني الانطلاق وروح الانعتاق التي شهدتها حقبة العشرينات، سواء من خلال الديكور الذي غلب عليه الـ«آرت ديكو»، أو من خلال استعانته بفرقة جاز كانت في استقبال الحضور. كانت التشكيلة أيضاً سخية بفساتين السهرة وتايورات المساء، مثل التوكسيدو. «لو سموكينغ» كما يُطلق عليه الفرنسيون، تكرر بألوان وأقمشة عدة، إلى حد القول إنه كان النجم بلا منازع. ورغم أنها قطعة ارتبطت بالراحل إيف سان لوران في السبعينات، فإن رالف لوران له تاريخ معها وحق فيها، لأنه بدأ مصمماً رجالياً. اقتراحاته لربيع وصيف 2020، كانت بلا شك أنيقة، قدمها في أجواء مثيرة، لكن اللافت فيها أنها تؤكد حقيقة مهمة؛ وهي أنه عندما يتمتع أي مصمم بإمكانات مادية كبيرة، فإنه ينجح في شد الأنفاس واستقطاب النجوم.
المصمم الشاب كريستيان سيريانو، قد لا تكون له إمكانات تومي هيلفغر أو رالف لورين، لكنه يعرف أن أي عرض يحتاج إلى بهارات وحبكة مثيرة لكي ينجح. استعان بعارضات مثل كوكو روشا لاستعراض فنيته في تشكيلة قال إنه استلهمها من لوحات فنانة الـ«بوب آرت» آشلي لونغشور، رآها معروضة في قاعتها الفنية في نيو أورليانز. ويذكر أن الفنانة تشتهر بجمعها ألوان النيون بالباستيل في أعمالها، وهو ما ترجمه سيريانو في أزياء تجمع هي الأخرى بين الأناقة والشقاوة. شرح بعد عرضه: «أرى في هذه الفنانة نسخة عصرية للفنان آندي وورهول... فجميل للغاية أن ترى فنانين يرسمون لوحات يستلهمونها من مصممي الموضة والعكس». باستثناء قطع قليلة تعدّ على أصابع اليد الواحدة بالأسود والرمادي، كانت الألوان الغالبة تسطع بالأخضر المعدني، الذي ظهر في فساتين وجاكيتات «بلايزر»، والوردي الذي ظهر في فساتين قصيرة، إضافة إلى ألوان قوس قزح في فساتين من اللاميه تلمع مع كل خطوة. تأثير الفنانة آشلي لونغشور ظهر أيضاً في طبعات ثلاثية الأبعاد.
من جهته؛ قدم المصمم جايسون وو، أيضاً، تشكيلة تحتفل بألوان الصيف. قال إنه، ولأول مرة منذ سنوات، استطاع أن يقتطع لنفسه إجازة هذا الصيف مدتها شهر كامل قضاه في كل من ميكونوس ومايوركا. لم يرد لحلمه بالشمس والبحر أن ينتهي بسرعة ويبقى مجرد ذكرى، لهذا ترجمه في تشكيلته لربيع وصيف 2020، من خلال ألوان وخطوط تحتفل بالسفر والإجازة، مثل جاكيت السافاري، وفساتين اللف، وقطع أخرى قال إنه استوحاها من صور لإريفينغ بين تُروج للريفييرا الفرنسية.
أما دار «كايت سبايد» فأطلقت على عرضها عنوان: «الحديقة السرية». استلهمتها من رواية فرنسيس هودجسون بيرنيت بالعنوان نفسه، ووصفتها مصممة الدار الجديدة، نيكولا غلاس بأنها أرادتها أن «تتفتح في أي مكان توجد فيه». فهذا تحديداً ما أنيط بها وما كان متوقعاً منها عندما تولت إدارة الدار الفنية: أن تُجددها وتضخ فيها جرعة تفاؤل كانت تحتاجها بعد انتحار مؤسستها، كايت سبايد في العام الماضي. كان العرض تكريماً لذكراها من ناحية؛ أو بالأحرى «الإبقاء على اسمها حياً» حسب قول الممثلة ديبي مازار، لكنه كان أيضاً طبقاً دسماً ومتنوعاً من الأزياء الأنيقة والإكسسوارات العملية التي تحمل بصمات المؤسسة وروحها المرحة التي انطفأت.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)
الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)
TT

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)
الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)

منذ 6 سنوات، اختارت الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من السنة لكي يكون مناسبة متجددة للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي مبادرة باتت عالمية، اسمها «فاشن تراست آرابيا»، هدفها اكتشاف المصممين الصاعدين ودعمهم مادياً ومعنوياً ولوجيستياً. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتفتح لهم منصات ومحال عالمية مثل «هارودز» أبوابها لتستعرض إبداعاتهم أمام زبائنها.

من الفائزين بجوائز هذا العام (خاص)

هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.

أما جائزة الإكسسوارات، فكانت من نصيب ريم حامد من مصر، وجائزة فرانكا سوزاني، وتقدر بـ50 ألف دولار، للموهبة الصاعدة سيلويا نزال وهي فلسطينية - أردنية، بينما حصلت بتول الرشدان من الأردن على جائزة Fashion Tech، وكل من زافي غارسيا وفرانكس دي كريستال على جائزة البلد الضيف: إسبانيا.

شكَّل قصر البديع خلفية رائعة في ليلة من الأحلام والتاريخ (خاص)

لم يفز أي مغربي في هذه الدورة، باستثناء المصمم شرف تاجر مؤسس علامة «كازابلانكا» الذي حصل على جائزة شرفية بوصفه رجل أعمال. لكن فازت مراكش بالجائزة الكبرى بلا منازع. كانت المضيف والضيف القوي في الوقت ذاته. حضورها كان طاغياً وجمالها آسراً تجلى في مبانيها وقدرات حرفييها على تحويل الأحجار إلى لوحات فنية سواء في زخارف الجدران أو جص الأسقف أو فسيفساء الأرضيات، فضلاً عن فخامة الأبواب. ليست مبالغة إن قلنا إنها، أي مراكش، سرقت الأضواء وألهبت وسائل التواصل الاجتماعي. كانت خير تغيير للدوحة، البلد الأم. فالفعالية التي شهدت الدوحة ولادتها منذ 6 سنوات واحتفلت فيها لحد الآن بكل نسخها السابقة، بما فيها اثنتان؛ الأولى افتراضية بسبب جائحة «كورونا» وما ترتب عليها من منع السفر، والأخرى أُلغيت بسبب أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) في العام الماضي، وما ترتب عليها من حالة نفسية لم تفتح النفس على الاحتفال. ومع ذلك فإن إلغاء السفر لم يحرم الفائزين من أخذ فرصهم. فقد تسلموا جوائزهم ونالوا نصيبهم من التدريب والتطوير بفضل التكنولوجيا.

صورة جماعية تظهر فيها الأميرة لالة حسناء والشيخة مياسة وتانيا فارس مع الفائزين لعام 2024 (خاص)

هذا العام، ولأول مرة، تخرج الفعالية من مسقط رأسها. جاء اختيار مراكش، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024»، وهي مبادرة تقود التبادل الثقافي وتشجع الحوار القائم على الخبرات المشتركة في شتى الفنون. وبما أن «الموضة لغة فنية» كما قال النجم المصري أحمد حلمي، منشط الحفل لهذا العام، كان من الطبيعي أن تُفكر «فاشن تراست آرابيا» في المشاركة في هذه الفعالية بكل قوتها، وهكذا على مدى 3 أيام و3 ليالٍ، شهدت المدينة حركة ربما تعوّدت عليها منذ سنوات طويلة، إلا أنها اكتسبت جمالية أكبر هذه المرة نظراً لنوعية الضيوف. فقد نجحت «فاشن تراست آرابيا» في أن تجمع في نفس المكان والزمان نجوم السينما ووسائل التواصل الاجتماعي والعارضات العالميات بصناع الموضة، لتكتمل الخلطة.

كارلا بروني والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي حضرا الحفل (خاص)

فليس جديداً أن تجذب مراكش النجوم وصناع الموضة. تشدهم للاستقرار فيها أو لقضاء إجازاتهم أو إقامة مناسباتهم المهمة فيها، بدليل أن إيف سان لوران كان من عشاقها كذلك المصمم المخضرم روميو جيلي وغيره ممن استقروا فيها. الجديد أن «فاشن تراست آرابيا» كشفت لمَن سمعوا عنها ولم يُسعفهم الحظ بزيارتها من قبل خباياها وأسرارها الكامنة في معمارها الفريد وديكورات بيوتها العريقة وقصورها التاريخية وألوان صحاريها.

ماي ماسك والدة إيلون ماسك في الحفل (خاص)

يوم توزيع الجوائز، كان قصر البديع واحداً من هذه الأماكن. فيه تم استقبال الضيوف وتسليم الجوائز. كل ركن فيه كان يعبق بالتاريخ والحرفية، من أبوابه الخشبية إلى مياهه وهيبة أسواره التي تحكي كل طوبة بُنيت بها قصة وإنجازات بطولية. كل هذه التفاصيل شكلت خلفية رائعة لم يستطع الحضور المتميز، بدءاً من كارلا بروني إلى إيشا أمباني، ابنة الملياردير موكيش أمباني، رئيس شركة ريليانس أو ماي ماسك، والدة إيلون ماسك وغيرهن، منافستها بريقاً.

الأميرة لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس (خاص)

حضور الأميرة المغربية لالة حسناء الحفل وتقديمها جائزة «فاشن تراست آرابيا» للفائزة في فئة أزياء السهرة، ياسمين منصور، كان له مفعول السحر، لأنه وبكل بساطة وضع المكان في إطاره التاريخي المهيب، باستحضاره جلسات الملوك والأمراء وهم يحتفلون بالنجاحات والإنجازات بعد كل انتصار. كان واضحاً أن علاقتها بالشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني قوية وفخرهما بكل ما هو عربي ومغربي واضح. اختارت الأميرة قفطاناً عصرياً طُرِّز بالأصالة الممزوجة بالمعاصرة. بفخامة هادئة أبدعتها أنامل «معلم» محترف، لم يحتج إلى أي تطريزات براقة ومبالغ فيها. الشيخة المياسة بدورها استعملت لغة دبلوماسية راقية؛ حيث ارتدت فستاناً بتفاصيل مبتكرة من تصميم المغربي محمد بن شلال، الذي فاز بجائزة «فاشن تراست آرابيا» عام 2021 عن فئة أزياء المساء والسهرة. منذ ذلك الحين، وهو ينتقل من نجاح إلى آخر إلى حد أن أميرات أوروبا وملكة هولندا، ماكسيما، يعتمدن تصاميمه في المناسبات الرسمية والخاصة.

إنجازاته بعد حصوله على الجائزة لا تترك أدنى شك بأن الفعالية ليست مجرد حفل كبير يلتقي فيه النجوم بقدر ما هي جادة في أهدافها وتحمسها للمصممين العرب. وهذا ما تؤكده تانيا فارس، مؤسسة «فاشن تراست» التي بعد مسيرة طويلة في العمل مع مجلس الموضة البريطاني وغيره، تدعم مصمميها الشباب، رأت أن الوقت حان لتصوب أنظارها نحو المنطقة العربية. تقول: «انتبهت أننا لا نفتقر إلى المواهب، كل ما نفتقر إليه هو منصات وجهات تدعمها وتُخرج ما لديها من إمكانات ومهارات». وهكذا شكَّلت مع الشيخة المياسة ثنائياً ناجحاً، لا سيما أن وجهات النظر واحدة كذلك الأهداف.