تقرير أممي يحذّر من انهيار وشيك للاقتصاد الفلسطيني

التوقعات على المدى القصير تبدو أكثر قاتمة

TT

تقرير أممي يحذّر من انهيار وشيك للاقتصاد الفلسطيني

حذّر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» من انهيار وشيك للاقتصاد الفلسطيني.
وذكر التقرير الذي عُرضت نتائجه في رام الله، أمس، أن إحكام قبضة الاحتلال الإسرائيلي، وتدهور الحالة الأمنية، وخنق اقتصاد غزة، وتراجع المنح والمساعدات الخارجية بنسبة 6 في المائة بين 2017 و2018، وتوقف «أموال المقاصة» التي رفض الفلسطينيون تسلمها رداً على اقتطاع إسرائيل جزءاً منها، كانت سبباً وراء الانهيار الوشيك المتوقع للاقتصاد المحلي.
واعتبر التقرير الأممي أن التوقعات الاقتصادية لفلسطين على المدى القصير، تبدو أكثر قتامة، «ولا توجد مؤشرات بتغير فيها خلال المستقبل القريب».
ورصد التقرير كيف أن الاقتصاد الفلسطيني شهد في عام 2018 ومطلع عام 2019 حالة من الركود، وزاد تراجع نصيب الفرد من الدخل بنسبة 1.7 في المائة، وارتفع مستوى البطالة، واستشرى الفقر، وارتفعت حصيلة الأضرار البيئية في الأرض الفلسطينية (غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية).
وقال التقرير إن واحداً من بين كل 3 فلسطينيين في سوق العمل يعاني من البطالة. وفي غزة، بلغ معدل البطالة أكثر من 50 في المائة، في حين بلغت نسبة الفقر 53 في المائة، رغم أن معظم الأشخاص المصنفين ضمن الفقراء يتلقون مساعدة من الحكومة والمنظمات الدولية.
وأضاف التقرير: «باتت غزة على نحو متزايد مكاناً غير صالح للحياة الآدمية في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية والمتفاقمة. وفي عام 2018، انكمش اقتصادها المحلي بنسبة 7 في المائة، ما أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الدخل بنسبة 10 في المائة».
وعزت المنظمة الدولية الأسباب الكامنة وراء الانهيار الوشيك للاقتصاد الفلسطيني، إلى «زيادة وإحكام قبضة الاحتلال، وخنق الاقتصاد المحلي في غزة، وانخفاض الدعم المقدم من المانحين بنسبة 6 في المائة بين عامي 2017 و2018، وتدهور الحالة الأمنية، وانعدام الثقة بسبب الآفاق السياسية القاتمة». وقال: «رغم أن الاحتلال يفرض قيوداً على جميع قطاعات الاقتصاد، فإن قطاعي الزراعة والصناعة يتأثران بصورة أكبر، وما يترتب على ذلك من عجز تجاري ضخم يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي».
ويشير التقرير، الذي عرض نتائجه أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت يوسف داود، إلى تقلص حصة الصناعة التحويلية من الاقتصاد، بين عامي 1994 و2018، من 20 إلى 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين انخفضت حصة الزراعة والصيد من أكثر من 12 في المائة إلى نسبة زهيدة تقل عن 3 في المائة: «فيما قوّضت القيود الإدارية والمادية التي تفرضها سلطة الاحتلال قدرة المنتجين الفلسطينيين على الاستمرارية والمنافسة».
وفي الضفة الغربية، رصدت المنظمة الدولية 705 من الحواجز المادية الدائمة التي تقيّد حركة العمال الفلسطينيين والبضائع، وهي تشمل نقاط تفتيش وبوابات وحواجز ترابية وحواجز على الطرق وخنادق، إضافة إلى استمرار إضعاف الاقتصاد بسبب الحظر الإسرائيلي المفروض على استيراد قائمة طويلة من السلع الأساسية والتكنولوجية والوسيطة، التي تنتمي إلى قائمة السلع ذات «الاستخدام المزدوج»، فضلاً عن حظر مدخلات إنتاج أخرى بالغة الأهمية، وهي سلع مدنية تتذرع إسرائيل بأن لها تطبيقات عسكرية محتملة.
وقال التقرير إن الاحتلال يعزل الشعب الفلسطيني عن الأسواق العالمية، ويجبره بالتالي على الاعتماد والتبعية الاقتصادية بشكل كبير على إسرائيل، التي تستأثر على ما نسبته 80 في المائة من صادرات الشعب الفلسطيني، وتستحوذ على 58 في المائة من وارداته.
ولفت تقرير «أونكتاد» إلى حرمان الاحتلال للشعب الفلسطيني من استغلال موارده من النفط والغاز الطبيعي في قطاع غزة والضفة الغربية، ما ألحق بالاقتصاد الفلسطيني خسائر متراكمة بمليارات الدولارات، إضافة إلى التكلفة الهائلة المتمثلة في الفرص الإنمائية الضائعة، «وما دام هذا الوضع قائماً، فإن هذه التكلفة ستزداد وسيتواصل ارتفاع التكاليف الاقتصادية للاحتلال التي يتكبدها الفلسطينيون».
وفيما يتعلق بالأزمة المالية التي تعانيها الحكومة الفلسطينية جراء أزمة المقاصة مع إسرائيل، حذرت «أونكتاد» من أن «الصدمات المالية المتعددة تنذر بتدهور اقتصادي أشد حدة».
وقال التقرير: «إضافة إلى التدهور غير المسبوق في الظروف الاجتماعية والاقتصادية، أقرت إسرائيل، في يوليو (تموز) 2018، قانوناً يقضي بأن تقتطع من الإيرادات الضريبية الفلسطينية ما يعادل المبالغ التي تدفعها الحكومة الفلسطينية لأسر الشهداء والسجناء الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية، واستناداً إلى ذلك، قامت إسرائيل في عام 2019 بخصم مبلع 11.5 مليون دولار شهرياً من إيرادات المقاصة الفلسطينية (138 مليون دولار سنوياً)، وردّت الحكومة الفلسطينية برفض تسلم أي شيء أقل من كامل مبالغ الإيرادات الضريبية المستحقة لها».
وأضاف: «هذه المواجهة بشأن إيرادات الضرائب تحرم الحكومة الفلسطينية من 65 في المائة من إيراداتها، أو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبسبب حرمان الحكومة الفلسطينية من ثلثي الإيرادات الضريبية، فقد اضطُرت إلى التكيف عن طريق تخفيضات مؤلمة للمساعدات الاجتماعية المقدمة لأشد الفئات فقراً، ودفع 50 في المائة فقط من رواتب موظفي القطاع العام».
وخلص التقرير إلى أن «هذه الصدمة المالية ستفاقم الآثار السلبية الكبيرة أصلاً لتناقص الدعم المقدم من المانحين على مجالات الإنتاج وفرص التوظيف والظروف الاجتماعية والاقتصادية»، محذراً من أن «استمرار هذه المواجهة الضريبية، قد يدفع الاقتصاد إلى الركود، ويفضي إلى انهيار مالي في فلسطين».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».