أقدمت الحكومة المصرية، أخيراً، على إجراءات تتعلق بتحصيل الضرائب من بعض المتهربين، أو بحث تطبيقها على أنشطة لم تخضع لسداد الضريبة منذ عقود، وفي حين اعتبر خبراء أن تلك المساعي تأتي في إطار ما وصفوه بـ«انتفاضة ضريبية»، دخل مواطنون ورجال أعمال في جدل قانوني وتشريعي بشأن مدى مشروعية تطبيق بعض تلك القرارات.
وانعكست حالة الخلاف بشأن تطبيق ما سُمي بـ«رسوم استخدام الشواطئ»، على المستوى الحكومي، ودفعت رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إلى «تشكيل لجنة قانونية برئاسة رئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء، وعضوية ممثلين عن وزارة التنمية المحلية والمحافظات المعنيّة، وهيئة التنمية السياحية؛ لدراسة قرار تحصيل حق الانتفاع عن الشواطئ الساحلية، وكذلك القيمة المستحقة التي تم الإعلان عنها، وكيفية تطبيقها».
وبحسب قرار تشكيل اللجنة، الصادر، الأسبوع الماضي، فإنه «في حالة انتهاء الدراسة إلى أحقية الدولة في الحصول على مقابل حق الانتفاع سيتم تحديد القيمة، ومن سيتحملها، وكيفية وطرق تحصيلها».
وبسبب إعلان فرض «رسوم الشواطئ» على القرى السياحية، انقسم المصريون المهتمون بالقضية، ما بين مؤيد لفرضها في ظل حرمان بعضهم من دخول تلك الشواطئ الخاصة، وآخرون ساخرون من توسع الحكومة في فرض مزيد من الرسوم والضرائب، واتخذت التعليقات في جانب منها «منحى طبقياً». وفيما دخل الملياردير المصري، ورجل الأعمال البارز نجيب ساويرس، على خط التعليقات اللاذعة، بنشر دعابة، عبر حسابه الموثق على موقع «تويتر»، تقول: «إننا في انتظار فرض ضريبة على الشقة البحري في الصيف، والقبلي في الشتاء»، لكن إحدى متابعاته، ردت بأن «مُلاك القرى يحتكرون هذه الشواطئ، ويمنعون باقي الشعب من دخولها، إذن لازم يدفعوا ضريبة إضافية، ولو مش عايزين (لا يريدون) دفع الضريبة يفتحوا شواطئ القرى لجميع الناس».
وإذا كانت «رسوم الشواطئ» قد دخلت في نفق الجدل القانوني والطبقي، فإن ملامح «التحركات الضريبية» كان لها تمثيل عبر قرار آخر من «مصلحة الضرائب المصرية»، نهاية الشهر الماضي، يفيد بأنه «تنظيم حملات ضريبية مكثفة على قرى الساحل الشمالي (المصايف المطلة على البحر المتوسط)، للتحقق من الالتزام بالتسجيل الضريبي بضريبة القيمة المضافة، وسداد حق الدولة».
ونوهت «الضرائب المصرية» بأن «حملات مكافحة التهرب الضريبي على نحو 40 قرية سياحية نجحت في اكتشاف 307 منشآت من المحلات التجارية، والكافيهات، والمنشآت الخدمية غير المسجلة في ضريبة القيمة المضافة، رغم أن رقم أعمالها السنوي يزيد عن حد التسجيل البالغ 500 ألف جنيه مصري (الدولار يساوي 16.4 جنيه)».
وأكدت «مصلحة الضرائب» أنه هناك «دعم من القيادة السياسية لتحصيل حق الدولة واتخاذ الإجراءات القانونية كافة لضم الاقتصاد غير الرسمي، وخفض معدلات التهرب الضريبي».
وتقول وزارة المالية إن إجمالي الحصيلة الضريبية للعام المالي 2018 - 2019 بلغت 660 مليار جنيه، مقابل 566 مليار في العام السابق. وإن نسبة النمو في الضريبة وصل إلى 17 في المائة. فيما أشار البيان المالي للموازنة إلى أن الحكومة «تستهدف زيادة إجمالي حصيلة الضرائب نحو 13 في المائة إلى 856.616 مليار جنيه، مقابل 759.648 مليار كانت متوقعة كحصيلة متوقعة في 2018 - 2019».
ويرى رئيس لجنة الضرائب في نقابة التجاريين، هاني الحسيني، أن «السياسة الضريبية العامة للدولة تتجه منذ فترة إلى توسعة نسبة مساهمة الضرائب في موارد الدولة والإنفاق العام؛ إلى حد أن تكون المصدر الرئيسي، فضلاً عن زيادة نسبتها بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي»، مستدركاً: «يمكن القول إن هناك (انتفاضة حكومية ضريبية)».
وقال الحسيني لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدخول في منازعات قانونية ومساجلات تشريعية بشأن تطبيق رسوم أو ضرائب جديدة، يمكن اعتباره خطأ كبيراً لا لزوم له، بينما يجب أن يكون الهدف هو تصحيح النظام الضريبي، من حيث الجانب الفني للقطاع واستقطاب الكفاءات، والتوقف عن الضغط بتحصيل رقم مستهدف كبير من الحصيلة، وهو ما يخلق بالتالي تقديرات جزافية على بعض الممولين، وظهور منازعات جديدة». وأفاد الحسيني، بأن الحكومة المصرية ممثلة في وزارة المالية، بدأت في التواصل مع جمعيات ونقابات ذات صلة بالمجتمع التجاري والضريبي، لبدء مناقشات بشأن تعديل على قانون «ضريبة القيمة المضافة». وطبّقت مصر ضريبة «القيمة المضافة» قبل نحو 3 سنوات، وبموجبه تُحصل ضريبة تبلغ 14 في المائة على السلع والمعاملات كافة، باستثناءات محدودة على مبلغ السلع والخدمات. وفي السياق نفسه، وكإجراء حكومي «ضريبي» ثالث، واصلت «مصلحة الضرائب» نشر إعلانات في الصحف اليومية الأوسع انتشاراً في مصر، مصحوبة بحملة إلكترونية على المواقع الإخبارية، تشير إلى أنها «لاحظت أن بعض المنشآت الخاضعة لقانون القيمة المضافة تكتفي بتسجيل المركز الرئيسي للمنشأة والحصول على شهادة تسجيل لهذا المركز دون القيام بتسجيل الفروع، وكذلك دون الحصول على شهادة تسجيل فرع».
وحذرت من أن ذلك «يترتب عليه مخالفة لأحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، وتعرض المكلف للعقوبات المقررة على جريمة التهرب الضريبي»، ودعت كذلك «المنشآت بالمبادرة بسرعة تسجيل الفروع لدى مأمورية الضرائب».
بدوره، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، أول من أمس، إنه يأمل في أن تُعزز بلاده الاستثمار الأجنبي المباشر الضعيف من خلال ميكنة وتبسيط العمليات الجمركية والضريبية. وبحسب تصريحات نقلتها «رويترز» عن معيط، فإن الحكومة تعكف الآن على مشروع قانون لتوحيد الإجراءات الضريبية. وأضاف: «بنهاية أكتوبر (تشرين الأول)، سيتسنى لنا إصدار أول مسودة لمجتمع الأعمال والمجتمع المدني». ومع ذلك تعهد معيط بأنه «لن يكون هناك أي تغيير في السياسة الضريبية العامة أو معدلات الضرائب». ويشير الخبير المصري في مجال الضرائب، إلى الصعوبات التي تكتنف مسألة التوسع في تطبيق الضرائب بشكل عادل، وأهمها برأيه «وجود نسبة كبيرة من المعاملات المصنفة ضمن الاقتصاد غير الرسمي، وهي غير خاضعة للرقابة أو الإحصاء أو الضريبة، وتمثل ما يزيد عن نصف حجم الأعمال في البلاد». ونوه الحسيني إلى ضرورة «اعتماد سياسات ضريبية ذات ميزة تنافسية، لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة».
«انتفاضة ضريبية» في مصر تخلف جدلاً قانونياً وشعبياً
حملات حكومية طالت الشواطئ والمتهربين... والمالية تتعهد بـ«تسهيلات»
«انتفاضة ضريبية» في مصر تخلف جدلاً قانونياً وشعبياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة