«الحرب المناخية» لا تلقى زخماً لكنها أكثر خطراً من التجارية

TT

«الحرب المناخية» لا تلقى زخماً لكنها أكثر خطراً من التجارية

مع سعي الدول الكبرى للريادة الاقتصادية من خلال تحقيق معدلات نمو مرتفعة لخفض نسب البطالة وزيادة الرفاهية، تستخدم في ذلك مواد لا تراعي حماية المناخ، مما يزيد من الاحتباس الحراري ويرفع درجة حرارة الأرض، الأمر الذي يهدد بتلاشي موارد أساسية ومعادن أولية تقود في النهاية إلى تلاشي صناعات بعينها ومن ثم بطالة غير متناهية مع إفقار الملايين.
يمثل السعي للنمو الاقتصادي من دون ضوابط دولية إلزامية «حرب مناخية» في حد ذاته بين جميع دول العالم، غير أن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم هي ما تستحوذ على أنظار المستثمرين واقتصاد العالم أجمع، في خضم نزاع يرمي بالأساس إلى تقليل فجوة الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وليس إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفينة للغلاف الجوي التي تتسع رقعتها وتؤثر مباشرة على اقتصاد العالم بما فيهم أكبر اقتصادين.
وبموجب اتفاقية باريس، التزم العالم بالسعي للحد من الارتفاع في درجات الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات حقبة ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن. ويتطلب تحقيق أهداف الاتفاقية اتخاذ إجراءات حاسمة وجريئة. لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية مؤخرا.
«يمثل تغير المناخ تهديداً حقيقياً للتنمية العالمية وللجهود الرامية إلى القضاء على الفقر. ومن دون اتخاذ إجراءات عاجلة، يمكن لآثار تغير المناخ أن تدفع 100 مليون شخص إضافي إلى الفقر بحلول العام 2030». وفقا للبنك الدولي.
يقول البنك الدولي في هذا الصدد: «تعاني البلدان والمجتمعات المحلية في شتى أنحاء العالم بالفعل من زيادة وطأة التغيرات المناخية، والتي تشمل موجات الجفاف والفيضانات وتسارع وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها، واستمرار ارتفاع مستويات سطح البحر، والفئات الأشد فقراً وضعفاً هي الأكثر تضرراً في كل مرة». موضحا أن «تأثير الكوارث الطبيعية المتطرفة يعادل خسارة 520 مليار دولار في الاستهلاك السنوي، ويؤدي إلى إفقار نحو 26 مليون شخص كل عام عالمياً».
وأشار إلى الآثار الملموسة للتغير المناخي على صحة الإنسان، إذ يعد تلوث الهواء مسؤولاً عن أكثر من 7 ملايين حالة وفاة قبل العمر المتوقع سنوياً. «وقد تصل التكاليف الصحية المباشرة إلى 4 مليارات دولار سنوياً بحلول العام 2030».
وتغير المناخ لن يجعل إطعام سكان الأرض، المتوقع أن يبلغ عددهم 10 مليارات شخص بحلول العام 2050 أمراً أصعب وحسب، بل صارت آثاره محسوسة بالفعل، متمثلة في انخفاض غلة المحاصيل، وكثرة الظواهر الجوية المتطرفة التي تؤثر على المحاصيل والثروة الحيوانية.
ويجب حساب التمويل اللازم للانتقال المنظم إلى اقتصاد عالمي منخفض الانبعاثات الكربونية، وقادر على المواجهة، بتريليونات وليس فقط بمليارات الدولارات. ويلزم ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة - نحو 90 تريليون دولار حتى العام 2030 وفقا للبنك الدولي.
تُقدر مؤسسة التمويل الدولية أن تمثل المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ في 21 اقتصادا من الأسواق الناشئة وحدها 23 تريليون دولار في فرص الاستثمار.
ومن الممكن أن يؤدي التحول إلى الاقتصادات منخفضة الانبعاثات الكربونية والقادرة على المواجهة إلى تحقيق منافع اقتصادية عالمية بقيمة 26 تريليون دولار حتى العام 2030.
فمن الممكن أن تساعد سياسات، مثل تسعير الكربون، على خلق محفزات للتغيير التحوّلي. يقترح البنك الدولي أن سياسة تسعير الكربون تمثل خياراً بسيطاً وعادلاً وفعالاً للتصدي لتغير المناخ. كما يمكنها أيضاً توفير فوائد إضافية، كالحد من تلوث الهواء والازدحام مع تجنب زيادة تكاليف التدابير العلاجية المرتبطة بمسارات نمو العالية الكربون. أما بالنسبة للشركات، فإن تسعير الكربون يمكنها من إدارة المخاطر وتخطيط استثماراتها منخفضة الكربون ويدفعها للابتكار.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت يوم السبت صراحة المجتمع الدولي إلى المضي قدما على نحو مشترك في حماية المناخ. وقالت في مدينة ووهان بشرق الصين، إن الجميع تسبب في تغير المناخ، مضيفة أنه لذلك يتعين على الجميع الاهتمام بالأمر. وذكرت ميركل أن المجتمع الدولي يعتمد على أن تقدم الصين إسهاما مهما في ذلك الصدد نظرا لحجمها وقوة اقتصادها، مضيفة أن ألمانيا تسعى إلى تحقيق الحيادية المناخية بحلول العام 2050 فهل ثمة تحرك حقيقي قريبا لحماية اقتصادات العالم أجمع وليس أكبر اقتصادين في العالم فقط؟ خاصة مع تعرض أصول بقيمة 2.5 تريليون دولار لخطر نتيجة الاحتباس الحراري، وفقا لدراسة اقتصادية.



لاغارد: المزيد من خفض الفائدة ممكن مع تراجع التضخم نحو الهدف

رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)
رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)
TT

لاغارد: المزيد من خفض الفائدة ممكن مع تراجع التضخم نحو الهدف

رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)
رئيسة «البنك المركزي الأوروبي» كريستين لاغارد تتحدث لوسائل الإعلام بعد «اجتماع السياسة النقدية» في فرنكفورت (رويترز)

قالت كريستين لاغارد، رئيسة «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الاثنين، إن «البنك» سيتخذ خطوات لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر إذا استمر التضخم في التراجع نحو هدفه البالغ اثنين في المائة، مؤكدة أنه لم يعد من الضروري فرض قيود على النمو الاقتصادي.

وكان «البنك المركزي الأوروبي» قد خفض أسعار الفائدة 4 مرات هذا العام، ويترقب المستثمرون مزيداً من التيسير في السياسات خلال عام 2025 بعد أن تراجعت مخاوف التضخم بشكل كبير، بينما أصبح النمو الاقتصادي الضعيف الآن يشكل القلق الرئيسي.

وخلال تصريحات لها في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، قالت لاغارد: «إذا استمرت البيانات في تأكيد توقعاتنا الأساسية، فسيكون الاتجاه واضحاً، وسنتوقع خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر»، وفق «رويترز».

وأوضحت لاغارد أن الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات «مقيدة بدرجة كافية» لم يعد مبرراً في ظل النمو الضعيف وضغوط الأسعار المعتدلة، في إشارة إلى أن الهدف التالي هو الوصول إلى ما يُسمى «المستوى المحايد» الذي لا يعوق ولا يحفز الاقتصاد. وعلى الرغم من أن مفهوم «الحياد» غامض، فإن لاغارد قد أشارت في السابق إلى أن أبحاث «البنك المركزي الأوروبي» تضعه بين 1.75 في المائة و2.5 في المائة. وهذا يعني أنه قد تحدث تخفيضات أخرى عدة في سعر الفائدة على الودائع، الذي يبلغ حالياً 3 في المائة، قبل أن يدخل «البنك» في «مرحلة الحياد».

ويتوقع المستثمرون أن يخفض «البنك المركزي الأوروبي» أسعار الفائدة في الاجتماعات الأربعة المقبلة، فاحتمال إجراء تخفيض آخر قبل نهاية العام تقدّر بأكثر من 50 في المائة. وهذا قد يدفع بسعر الفائدة الرئيسي إلى أدنى مستويات «النطاق المحايد».

ويُعزى تسريع تخفيف السياسة إلى اختفاء بقايا التضخم المرتفع، مع تراجع ضغوط تكاليف الخدمات التي تشكل أكبر عنصر في سلة أسعار المستهلك. وأضافت لاغارد: «لقد انخفض زخم التضخم في الخدمات بشكل حاد مؤخراً. وتشير هذه البيانات إلى وجود مجال لتعديل هبوطي في تضخم الخدمات، وبالتالي التضخم المحلي، في الأشهر المقبلة».

كما أظهرت بيانات نمو الأجور، التي كانت مصدر قلق رئيسياً في الماضي، اتجاهاً أكثر اعتدالاً، حيث يُتوقع أن تنمو الأجور بنسبة 3 في المائة العام المقبل، وهو المستوى الذي يتوافق أخيراً مع هدف «البنك المركزي الأوروبي».

ورغم هذه التطورات الإيجابية، فإن لاغارد أشارت إلى أن هناك بعض المخاطر السلبية على التضخم، خصوصاً من قِبل العوامل الجيوسياسية، التي قد تؤثر سلباً على التوقعات الاقتصادية. وأوضحت أن أي صدمات جديدة قد تلحق ضرراً بالنمو الضعيف الذي تشهده منطقة اليورو حالياً.

وقالت: «إذا تبنت الولايات المتحدة - أكبر سوق تصدير لنا - سياسات حمائية، فمن المرجح أن يتأثر النمو في منطقة اليورو».

وأكدت رئيسة «المركزي الأوروبي» أن عدم اليقين الجيوسياسي قد يؤثر على «شهية المخاطرة لدى المستثمرين والمقترضين والوسطاء الماليين». وأشارت إلى أن القلق الأكبر بالنسبة إلى «البنك» هو أن اتساع الفروق غير المنضبطة في عوائد السندات بين دول منطقة اليورو قد يجعل السياسة النقدية أقل فاعلية، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

وقالت لاغارد: «إن تقييم انتقال السياسة النقدية سيظل ذا أهمية كبيرة. وإذا واجهنا صدمات جيوسياسية كبيرة تزيد من حالة عدم اليقين بشأن آفاق التضخم، فسنحتاج إلى الاستعانة بمصادر أخرى للبيانات لتعزيز تقييمنا للمخاطر التي تهدد توقعاتنا الأساسية».