«أسرار فتاة قاعة التشريح»

«أسرار فتاة قاعة التشريح»
TT

«أسرار فتاة قاعة التشريح»

«أسرار فتاة قاعة التشريح»

عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، صدرت رواية «أسرار فتاة قاعة التشريح»، لجاسم محمد عبود.
وتركز الرواية، كما كتب الناشر «حالة شخصية استيهامية - نفسية، والإيهام بواقعية الحدث (عودة الروح إلى الحياة)، لذلك نجد الكاتب يجاهد في تجليتها وبلورتها، بلورة تجمع بين الواقع والحلم، الهلوسة والحوار الداخلي، الوعي واللاوعي». وتتحقق الواقعة نصياً بصيغ تعبيرية باطنية تجري على لسان بطل الرواية، وهو طالب في كلية الطب، يُكلَّف ضمن منهجه الدراسي بمهمة تشريح جثة فتاة مجهولة، كُتب على يدها اسمها (عتاب). ومنذ أن كشف عن وجهها لم تعد حياته كما كانت، حيث بدأت الفتاة تطارده كل ليلة، دون أن يعرف ماذا تريد منه، فكاد ظهورها المتكرر له أن يوصله إلى حد الجنون. فأصبح يسأل نفسه هل ما يتعرض له مجرد هلوسات بصرية، وإسقاطات لخياله الموهوم، أم أنه حقيقة وأمر واقع؟ ولكي يحصل على إجابة تبدد الوهم بالحقيقة، يبدأ بطل الرواية في البحث عن أسرار فتاة قاعة التشريح، في سلسلة من المغامرات التي تفاجئ وتدهش وتحبس الأنفاس.
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«يقول فولتير: (الإنسان دائماً يبحث عن الأوهام لأنه أجبن من أن يواجه الحقائق). خلال حياتي التي شارفت على العشرين عاماً، وخاصة في السنوات الأخيرة، انسحبت من المجتمع، وأخذت أتصرف بسلبية كبيرة مع من حولي بشكل غريب، عائلتي الأقرب لي كانت تعاني ما يعاني غيرها من العوائل التي تشكل النسبة الأكبر من المجتمع، تحت ظل الظرف الاقتصادي الصعب، وانهيار المنظومة المجتمعية التي أخذت بالتداعي بشدة وبسرعة، الكل كان تحت الضغط، وأنا فضلت الانزواء والمراقبة من بعيد، وتركيز كل طاقتي واهتمامي على دراستي، كنت بشكل أو بآخر أنانياً، وأحاول بكل جهدي أن أتجنب الحقائق والواقع.
أيكون تمسكي بقضية عتاب هو هروبي إلى الأمام من مواجهة الحقائق؟ هل يمكن للأوهام أن تكون بهذه الدرجة من النقاء والصفاء لتحاكي الواقع وتتفوق عليه؟!».



جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.