تسابق بين «داعش» و«القاعدة» على «تليغرام»

وسط مطالب بمواجهة الإرهاب الإلكتروني

«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
TT

تسابق بين «داعش» و«القاعدة» على «تليغرام»

«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)

وسط مطالب بوضع شروط خاصة على تطبيق «تليغرام»، وفقاً لأحكام تضعها الدول للحد من استخدامه، بعدما لوحظ - بحسب مختصين في الاتصالات والإعلام والحركات الأصولية - أنه «أصبح ملاذاً آمناً تعتمد عليه التنظيمات لتنفيذ عملياتها الإرهابية والتواصل، خصوصاً من قبل (داعش) و(القاعدة)».
و«تليغرام» هو تطبيق مراسلة سريع، وعبره يُمكن إرسال الرسائل والصور ومقاطع الفيديو. وسبق أن أثار ظهور أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في أبريل (نيسان) الماضي، على «تليغرام» دون غيره من منصات التواصل، بعد 5 سنوات من الاختفاء، وكذا ظهور تسريب صوتي أشار إلى أن «تليغرام» كان وسيلة التواصل بين منفذي «انفجار معهد الأورام» بمصر، حالة من الجدل حول التطبيق، وضرورة مواجهة الإرهاب الإلكتروني.
المختصون أكدوا أن «تشفير (تليغرام) يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته، لذا لجأت إليه التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أنه غير مراقب مثل باقي التطبيقات». وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «التطبيق لديه عداد تدمير ذاتي كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة حول العالم، بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية»، لافتين إلى «استحواذ التطبيق على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية».

صعوبة التتبع

وقال وليد حجاج، الخبير في أمن المعلومات بمصر، إن «(تليغرام) يتميز بأنه التطبيق الوحيد الذي يعمل من خلال الإيميل، ومن دون رقم هاتف، فضلاً عن أنه يعمل على جميع أجهزة (الآندرويد) و(الأبل) و(الآيفون)، ويتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته».
بينما أكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(تليغرام) تطبيق مراسلة فائق السرعة، ولديه ما يطلق عليه (عداد التدمير الذاتي) كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة الإرهابية حول العالم، وذلك بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية، وتشفير النهاية للنهاية، وهو تشفير غير متناظر، يحمي البيانات، بحيث يمكن قراءتها فقط من قبل المرسل والمستلم»، مضيفاً: «منذ أقل من عامين، بدأت بعض أجهزة الاستخبارات العالمية تطالب بوقف التطبيق، وتتبع الحسابات الوهمية والإرهابية، مما دفع مؤسس التطبيق بافيل دوروف إلى القول في وقت سابق: لقد أوقفنا جميع القنوات العامة المتعلقة بالإرهاب».
ومن جهته، أكد الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعة الأزهر، أن «(تليغرام) أحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تقوم على التراسل الفوري، وقد تأسس عام 2013، ووصل عدد مستخدميه النشطين في مارس عام 2018 إلى 200 مليون شخص شهرياً، مما يشير إلى انتشاره بقوة بين مستخدمي مواقع التواصل»، مضيفاً: «(تليغرام) أحد أهم وأبرز التطبيقات التي اعتمدت عليها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة كوسيلة للتواصل بين عناصرها وقادتها، خصوصاً في ظل ما يتميز به التطبيق من سرية كبيرة، مما يجعل من تعقب مستخدميه عملية صعبة معقدة للغاية»، لافتاً إلى أن «الدراسات تشير إلى أن (تليغرام) أصبح التطبيق الأكثر استخداماً من قبل الجماعات الإرهابية، مقارنة بالتطبيقات الأخرى مثل (واتساب) و(فايبر)، لكونه مفتوح المصدر متعدد المنصات. ولذلك فإن الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها (داعش)، تعتمد عليه بشكل أساسي في التواصل بينها وبين عناصرها، خصوصاً في نقل الرسائل، والتنسيق فيما بينهم بشأن العمليات الإرهابية».

«داعش» يستحوذ

وقال أيمن بريك إن «مسؤولي (تليغرام) لا يستطيعون الوصول إلى رسائل الأشخاص، إضافة إلى إمكانية تعديل الرسائل المُرسلة أو حذفها، وإنشاء مجموعات تتسع لـ30 ألف عضو، مقارنة بالتطبيقات الأخرى، كما يمكن عبر التطبيق إرسال ملفات وصور وأفلام ووثائق وكُتب بعدد غير محدود للرسائل، كما تتيح القنوات في (تليغرام) إمكانية بث المحتوى لجمهور كبير، ويمكن لأي مستخدم من مستخدمي التطبيق إنشاء قناة خاصة لبث المحتوى، برابط خاص وصورة خاصة».
وحلل مؤشر الفتوى العالمي بدار الإفتاء المصرية أخيراً عدداً من القنوات والمواقع التابعة للتنظيمات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح أن «(تليغرام) ما زال الوجهة التي يفضلها (الإرهابيون) للتواصل وتناقل الأخبار»، لافتاً إلى «استحوذ (تليغرام) على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية، فيما جاءت برامج (اللايف شات) في المرتبة الثانية بنسبة 30 في المائة، و(تويتر) ثالثاً بنسبة 15 في المائة، و(فيسبوك) بنسبة 10 في المائة... فضلاً عن (داعش) الذي وجد عبر (تليغرام) بنسبة 30 في المائة، فيما جاء استخدام تنظيم (الإخوان) للتطبيق بنسبة 25 في المائة، وتنظيم (القاعدة) بنسبة 20 في المائة».
وقال مراقبون إنه «تم إغلاق 660 قناة لـ(داعش) على (تليغرام)، بحسب ما جاء في تغريدة لمؤسس التطبيق على حسابه بـ(تويتر)، في يناير (كانون الثاني) عام 2016».

أشهر الهجمات

ومن أبرز العمليات الإرهابية التي أعلنت سلطات الدول استخدام منفذيها «تليغرام» إعلان «داعش» عبر «تليغرام» الاستعداد لتنفيذ عملية إرهابية داخل باريس، وبالفعل نفذ هجمات إرهابية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وأعلن التنظيم حينها من خلال قناته الرسمية على «تليغرام» عن نجاح العملية. كذلك تفجير ملهى ليلي بإسطنبول في يناير 2017، استخدم مُنفذه التطبيق لتلقي التعليمات من مسؤوله بمدينة الرقة، وهجوم المترو في سان بطرسبرغ بروسيا في أبريل (نيسان) 2017، واستخدم مُخططه «تليغرام» لتنفيذ الهجوم، حسبما أعلنت لجنة التحقيق الروسية، وحادث الواحات الإرهابي الذي وقع بمصر 2017، حيث تواصل المتهم الليبي عبد الرحيم المسماري مع أفراد التنظيم في ليبيا عبر «تليغرام» لإغاثته، بعد هجوم الجيش المصري جواً على مجموعته الإرهابية.
وحول لجوء الجماعات الإرهابية لـ«تليغرام» أخيراً. أكد وليد حجاج أن «الجماعات الإرهابية تلجأ إلى الإنترنت بشكل عام لأنه غير مركزي، ومن السهل نشر فيديوهات عليه، إذ يقوم الشخص بنشر أي شيء، ويحجب شخصيته».
وأرجع مؤشر الفتوى لجوء «الإرهابيين» للتطبيق لخصائص الحماية، مقارنة بالتطبيقات والمواقع الأخرى، حيث «يستغل (الإرهابيون) قواعد الحفاظ على خصوصية المستخدم للتواصل فيما بينهم، ومن أبرز الخصائص أنه لا يستطيع أي شخص آخر التدخل، بمن فيهم فريق عمل (تليغرام)، في المحادثات، فضلاً عن حفظ كافة المحادثات السرية في الجهاز الخاص بصاحبها، دون رفعها لخوادم (تليغرام)».

محتوى متشدد

وعن المحتوى الإفتائي الذي تنشره التنظيمات الإرهابية عبر «تليغرام»، أكد مؤشر الفتوى «تداول فتاوى تدعم أهداف (داعش) وخططه بنسبة 8 في المائة من إجمالي المحتوى المنشور عبر التطبيق، ودارت نحو 56 في المائة من تلك الفتاوى حول التشدد ومواجهة الحكام والهجرة». ونشر المؤشر أبرز فتاوى «داعش» المتداولة عبر التطبيق، ومنها «الديمقراطية نظام مخالف» و«الهجرة إلى ديار الإسلام أمر واجب». كما دشن تنظيم «القاعدة» قنوات جديدة عبر التطبيق، ضمت قنوات باللغات العربية والإنجليزية والأُردية والألمانية، كانت بمثابة أبواق إعلامية لأخباره، وأبرز قنوات «القاعدة» التي أعيد بثها من جديد عبر «تليغرام» مؤسسة «شام الرباط» للإنتاج الإعلامي وقناة «مؤسسة السحاب» ومؤسسة «بيان للإعلام».
أما عمرو عبد المنعم، خبير الحركات المتطرفة، فقال إنه «منذ أوائل عام 2019، هناك حذف لمعظم القنوات الإرهابية على (تليغرام)، ومنها ما هو تابع لشخصيات مناصرة لـ(القاعدة)، مثل قناة (أبو قتادة)، ويبلغ عدد أعضائها 15 ألفاً، وقناة (أبو محمد المقدسي)، ويبلغ عدد أعضائها 10 آلاف»، مضيفاً: «(داعش) من أهم التنظيمات التي تستخدم قنوات (تليغرام)، مثل (النبأ) و(نيوز)، وقناة (عمر الفلاحي)، وهو شخصية افتراضية تحلل الأوضاع الميدانية في العراق، و(سلطان) وهي تعيد نشر المواد المرئية والمسموعة للتنظيم، لكنها أوسع انتشاراً، ويبلغ عدد أعضائها نحو 7 آلاف... وهناك قنوات تغلق بشكل متكرر، ويعاد بثها مرة أخرى».
ومن جهته، أكد الدكتور أيمن بريك أنه «وفقاً للدراسات، فإن عدد الصفحات التابعة لتنظيم (داعش) على مواقع التواصل أكثر من 82 ألف صفحة، تقوم ببث الفكر المتطرف والتكفيري، وجمع المعلومات بطرق استخباراتية، إضافة إلى اختيار وتحديد الأهداف المقبلة، فضلاً عن القيام بعمليات تجنيد أعضاء جدد، وجمع الأموال لتمويل نشاطات التنظيم».
وعن إمكانية حصار تطبيق «تليغرام»، قال وليد حجاج، خبير أمن المعلومات: «مطلوب توقيع اتفاقيات بين الدول القائمة على هذه المنصات، ووضع ضوابط معينة لذلك، واعتبار أن ما يتم نشره مُخالف للقوانين».
وفي حين ذكر الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، أن «وقف الإرهاب على مواقع التواصل صعب، لأنه لا يتم معرفته، إلا إذا قام شخص بوضع (بوست) أو فيديو متطرف، يُمكن وقتها التعرف عليه، وتتبع مصدر الفيديو وحذفه، أي الحذف يكون بعد البث، لكن قبل البث لا يُمكن التعرف على أي مُحتوى... ومنع الإرهاب تماماً من الإنترنت سوف يـأخذ وقتاً طويلاً»، أكد عمرو عبد المنعم أن «مواجهة الإرهاب الإلكتروني يكون عبر طرح بدائل فكرية قوية، وليس بالحظر، لأن الحظر مستحيل».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».