تسابق بين «داعش» و«القاعدة» على «تليغرام»

وسط مطالب بمواجهة الإرهاب الإلكتروني

«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
TT

تسابق بين «داعش» و«القاعدة» على «تليغرام»

«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)
«تليغرام» يتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه أو تتبع رسالته وبات مفضلاً لدى الأصوليين في التواصل (غيتي)

وسط مطالب بوضع شروط خاصة على تطبيق «تليغرام»، وفقاً لأحكام تضعها الدول للحد من استخدامه، بعدما لوحظ - بحسب مختصين في الاتصالات والإعلام والحركات الأصولية - أنه «أصبح ملاذاً آمناً تعتمد عليه التنظيمات لتنفيذ عملياتها الإرهابية والتواصل، خصوصاً من قبل (داعش) و(القاعدة)».
و«تليغرام» هو تطبيق مراسلة سريع، وعبره يُمكن إرسال الرسائل والصور ومقاطع الفيديو. وسبق أن أثار ظهور أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في أبريل (نيسان) الماضي، على «تليغرام» دون غيره من منصات التواصل، بعد 5 سنوات من الاختفاء، وكذا ظهور تسريب صوتي أشار إلى أن «تليغرام» كان وسيلة التواصل بين منفذي «انفجار معهد الأورام» بمصر، حالة من الجدل حول التطبيق، وضرورة مواجهة الإرهاب الإلكتروني.
المختصون أكدوا أن «تشفير (تليغرام) يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته، لذا لجأت إليه التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أنه غير مراقب مثل باقي التطبيقات». وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «التطبيق لديه عداد تدمير ذاتي كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة حول العالم، بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية»، لافتين إلى «استحواذ التطبيق على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية».

صعوبة التتبع

وقال وليد حجاج، الخبير في أمن المعلومات بمصر، إن «(تليغرام) يتميز بأنه التطبيق الوحيد الذي يعمل من خلال الإيميل، ومن دون رقم هاتف، فضلاً عن أنه يعمل على جميع أجهزة (الآندرويد) و(الأبل) و(الآيفون)، ويتميز بالتشفير العالي الذي يزيد من صعوبة الوصول لمستخدمه، أو تتبع رسالته».
بينما أكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(تليغرام) تطبيق مراسلة فائق السرعة، ولديه ما يطلق عليه (عداد التدمير الذاتي) كل نحو 3 دقائق، لذلك هو منصة الرسائل المفضلة للعناصر المسلحة الإرهابية حول العالم، وذلك بسبب ميزات خاصة به، مثل الدردشات السرية، وتشفير النهاية للنهاية، وهو تشفير غير متناظر، يحمي البيانات، بحيث يمكن قراءتها فقط من قبل المرسل والمستلم»، مضيفاً: «منذ أقل من عامين، بدأت بعض أجهزة الاستخبارات العالمية تطالب بوقف التطبيق، وتتبع الحسابات الوهمية والإرهابية، مما دفع مؤسس التطبيق بافيل دوروف إلى القول في وقت سابق: لقد أوقفنا جميع القنوات العامة المتعلقة بالإرهاب».
ومن جهته، أكد الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعة الأزهر، أن «(تليغرام) أحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تقوم على التراسل الفوري، وقد تأسس عام 2013، ووصل عدد مستخدميه النشطين في مارس عام 2018 إلى 200 مليون شخص شهرياً، مما يشير إلى انتشاره بقوة بين مستخدمي مواقع التواصل»، مضيفاً: «(تليغرام) أحد أهم وأبرز التطبيقات التي اعتمدت عليها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة كوسيلة للتواصل بين عناصرها وقادتها، خصوصاً في ظل ما يتميز به التطبيق من سرية كبيرة، مما يجعل من تعقب مستخدميه عملية صعبة معقدة للغاية»، لافتاً إلى أن «الدراسات تشير إلى أن (تليغرام) أصبح التطبيق الأكثر استخداماً من قبل الجماعات الإرهابية، مقارنة بالتطبيقات الأخرى مثل (واتساب) و(فايبر)، لكونه مفتوح المصدر متعدد المنصات. ولذلك فإن الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها (داعش)، تعتمد عليه بشكل أساسي في التواصل بينها وبين عناصرها، خصوصاً في نقل الرسائل، والتنسيق فيما بينهم بشأن العمليات الإرهابية».

«داعش» يستحوذ

وقال أيمن بريك إن «مسؤولي (تليغرام) لا يستطيعون الوصول إلى رسائل الأشخاص، إضافة إلى إمكانية تعديل الرسائل المُرسلة أو حذفها، وإنشاء مجموعات تتسع لـ30 ألف عضو، مقارنة بالتطبيقات الأخرى، كما يمكن عبر التطبيق إرسال ملفات وصور وأفلام ووثائق وكُتب بعدد غير محدود للرسائل، كما تتيح القنوات في (تليغرام) إمكانية بث المحتوى لجمهور كبير، ويمكن لأي مستخدم من مستخدمي التطبيق إنشاء قناة خاصة لبث المحتوى، برابط خاص وصورة خاصة».
وحلل مؤشر الفتوى العالمي بدار الإفتاء المصرية أخيراً عدداً من القنوات والمواقع التابعة للتنظيمات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح أن «(تليغرام) ما زال الوجهة التي يفضلها (الإرهابيون) للتواصل وتناقل الأخبار»، لافتاً إلى «استحوذ (تليغرام) على 45 في المائة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية، فيما جاءت برامج (اللايف شات) في المرتبة الثانية بنسبة 30 في المائة، و(تويتر) ثالثاً بنسبة 15 في المائة، و(فيسبوك) بنسبة 10 في المائة... فضلاً عن (داعش) الذي وجد عبر (تليغرام) بنسبة 30 في المائة، فيما جاء استخدام تنظيم (الإخوان) للتطبيق بنسبة 25 في المائة، وتنظيم (القاعدة) بنسبة 20 في المائة».
وقال مراقبون إنه «تم إغلاق 660 قناة لـ(داعش) على (تليغرام)، بحسب ما جاء في تغريدة لمؤسس التطبيق على حسابه بـ(تويتر)، في يناير (كانون الثاني) عام 2016».

أشهر الهجمات

ومن أبرز العمليات الإرهابية التي أعلنت سلطات الدول استخدام منفذيها «تليغرام» إعلان «داعش» عبر «تليغرام» الاستعداد لتنفيذ عملية إرهابية داخل باريس، وبالفعل نفذ هجمات إرهابية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وأعلن التنظيم حينها من خلال قناته الرسمية على «تليغرام» عن نجاح العملية. كذلك تفجير ملهى ليلي بإسطنبول في يناير 2017، استخدم مُنفذه التطبيق لتلقي التعليمات من مسؤوله بمدينة الرقة، وهجوم المترو في سان بطرسبرغ بروسيا في أبريل (نيسان) 2017، واستخدم مُخططه «تليغرام» لتنفيذ الهجوم، حسبما أعلنت لجنة التحقيق الروسية، وحادث الواحات الإرهابي الذي وقع بمصر 2017، حيث تواصل المتهم الليبي عبد الرحيم المسماري مع أفراد التنظيم في ليبيا عبر «تليغرام» لإغاثته، بعد هجوم الجيش المصري جواً على مجموعته الإرهابية.
وحول لجوء الجماعات الإرهابية لـ«تليغرام» أخيراً. أكد وليد حجاج أن «الجماعات الإرهابية تلجأ إلى الإنترنت بشكل عام لأنه غير مركزي، ومن السهل نشر فيديوهات عليه، إذ يقوم الشخص بنشر أي شيء، ويحجب شخصيته».
وأرجع مؤشر الفتوى لجوء «الإرهابيين» للتطبيق لخصائص الحماية، مقارنة بالتطبيقات والمواقع الأخرى، حيث «يستغل (الإرهابيون) قواعد الحفاظ على خصوصية المستخدم للتواصل فيما بينهم، ومن أبرز الخصائص أنه لا يستطيع أي شخص آخر التدخل، بمن فيهم فريق عمل (تليغرام)، في المحادثات، فضلاً عن حفظ كافة المحادثات السرية في الجهاز الخاص بصاحبها، دون رفعها لخوادم (تليغرام)».

محتوى متشدد

وعن المحتوى الإفتائي الذي تنشره التنظيمات الإرهابية عبر «تليغرام»، أكد مؤشر الفتوى «تداول فتاوى تدعم أهداف (داعش) وخططه بنسبة 8 في المائة من إجمالي المحتوى المنشور عبر التطبيق، ودارت نحو 56 في المائة من تلك الفتاوى حول التشدد ومواجهة الحكام والهجرة». ونشر المؤشر أبرز فتاوى «داعش» المتداولة عبر التطبيق، ومنها «الديمقراطية نظام مخالف» و«الهجرة إلى ديار الإسلام أمر واجب». كما دشن تنظيم «القاعدة» قنوات جديدة عبر التطبيق، ضمت قنوات باللغات العربية والإنجليزية والأُردية والألمانية، كانت بمثابة أبواق إعلامية لأخباره، وأبرز قنوات «القاعدة» التي أعيد بثها من جديد عبر «تليغرام» مؤسسة «شام الرباط» للإنتاج الإعلامي وقناة «مؤسسة السحاب» ومؤسسة «بيان للإعلام».
أما عمرو عبد المنعم، خبير الحركات المتطرفة، فقال إنه «منذ أوائل عام 2019، هناك حذف لمعظم القنوات الإرهابية على (تليغرام)، ومنها ما هو تابع لشخصيات مناصرة لـ(القاعدة)، مثل قناة (أبو قتادة)، ويبلغ عدد أعضائها 15 ألفاً، وقناة (أبو محمد المقدسي)، ويبلغ عدد أعضائها 10 آلاف»، مضيفاً: «(داعش) من أهم التنظيمات التي تستخدم قنوات (تليغرام)، مثل (النبأ) و(نيوز)، وقناة (عمر الفلاحي)، وهو شخصية افتراضية تحلل الأوضاع الميدانية في العراق، و(سلطان) وهي تعيد نشر المواد المرئية والمسموعة للتنظيم، لكنها أوسع انتشاراً، ويبلغ عدد أعضائها نحو 7 آلاف... وهناك قنوات تغلق بشكل متكرر، ويعاد بثها مرة أخرى».
ومن جهته، أكد الدكتور أيمن بريك أنه «وفقاً للدراسات، فإن عدد الصفحات التابعة لتنظيم (داعش) على مواقع التواصل أكثر من 82 ألف صفحة، تقوم ببث الفكر المتطرف والتكفيري، وجمع المعلومات بطرق استخباراتية، إضافة إلى اختيار وتحديد الأهداف المقبلة، فضلاً عن القيام بعمليات تجنيد أعضاء جدد، وجمع الأموال لتمويل نشاطات التنظيم».
وعن إمكانية حصار تطبيق «تليغرام»، قال وليد حجاج، خبير أمن المعلومات: «مطلوب توقيع اتفاقيات بين الدول القائمة على هذه المنصات، ووضع ضوابط معينة لذلك، واعتبار أن ما يتم نشره مُخالف للقوانين».
وفي حين ذكر الدكتور مقبل فياض، خبير الاتصالات في مصر، أن «وقف الإرهاب على مواقع التواصل صعب، لأنه لا يتم معرفته، إلا إذا قام شخص بوضع (بوست) أو فيديو متطرف، يُمكن وقتها التعرف عليه، وتتبع مصدر الفيديو وحذفه، أي الحذف يكون بعد البث، لكن قبل البث لا يُمكن التعرف على أي مُحتوى... ومنع الإرهاب تماماً من الإنترنت سوف يـأخذ وقتاً طويلاً»، أكد عمرو عبد المنعم أن «مواجهة الإرهاب الإلكتروني يكون عبر طرح بدائل فكرية قوية، وليس بالحظر، لأن الحظر مستحيل».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.