تبادل الأسرى بين موسكو وكييف يحيي الآمال بإطلاق مسار التسوية

ارتياح غربي وتأكيد روسي وأوكراني على «خطوات أخرى» مقبلة

الرئيس الأوكراني مصافحا المخرج سينتسوف بعد الإفراج عنه إثر عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا أمس (رويترز)
الرئيس الأوكراني مصافحا المخرج سينتسوف بعد الإفراج عنه إثر عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا أمس (رويترز)
TT

تبادل الأسرى بين موسكو وكييف يحيي الآمال بإطلاق مسار التسوية

الرئيس الأوكراني مصافحا المخرج سينتسوف بعد الإفراج عنه إثر عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا أمس (رويترز)
الرئيس الأوكراني مصافحا المخرج سينتسوف بعد الإفراج عنه إثر عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا أمس (رويترز)

سارت موسكو وكييف أمس خطوة مهمة نحو دفع مسار التسوية السياسية للأزمة المستفحلة بين البلدين منذ العام 2014، وأسفر نجاح الجهود في أول عملية واسعة لتبادل الأسرى بين الطرفين عن إنعاش الآمال بتبني «خطوات أخرى لتعزيز النهج الإيجابي»، وسط ترحيب غربي واسع بهذا التطور الملحوظ.
وتبادلت موسكو وكييف 70 سجيناً في تتويج لمفاوضات شاقة، واجهت صعوبات كثيرة كادت أن تحبطها، قبل أن يتوصل الجانبان أخيرا إلى صيغة مشتركة قضت بإطلاق كل طرف 35 أسيرا، ما فتح الباب أمام توسيع المفاوضات لاحقا لاستكمال عمليات تبادل مماثلة.
وهبطت طائرتان في نفس التوقيت تقريبا، في كل من موسكو وكييف، محملة بالأسرى الذين تم تبادلهم، ونظمت أوكرانيا استقبالا حافلا لأسراها العائدين، ووقف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي على باب الطائرة ليصافح السجناء السابقين لدى روسيا، ووصف الخطوة بأنها «تاريخية». وقال زيلينسكي بعدما عانق السجناء: «قمنا بالخطوة الأولى... وعلينا استكمال جميع الخطوات لإنهاء هذه الحرب البشعة». وبدا المشهد مفعماً بالعواطف في مطار بوريسبيل في كييف؛ حيث عانق أفراد العائلات السجناء، وقدموا لهم الزهور، بينما بكى كثيرون من فرحتهم. وبين المشمولين في عملية التبادل، 24 بحاراً أوكرانياً، والمخرج الأوكراني أوليغ سينتسوف.
وفي مطار «فنوكوفو1» الروسي، الذي يستخدم عادة للرحلات الحكومية حطت الطائرة، التي أقلت السجناء الروس المحررين، وبينهم الصحافي كيريل فيشنيسكي، الذي نقلت وسائل الإعلام الروسية تصريحات له فور هبوط الطائرة، أكد فيها ارتياحه بسبب «الدعم الذي تلقيته خلال الشهور الـ15 التي قضيتها في السجن الأوكراني».
وازداد الترقب منذ أيام لعملية التبادل، التي كانت ثمرة أسابيع من المفاوضات السرية بين الجانبين. فيما أمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من جهته، قبل أيام، أن يشكل «تبادل السجناء خطوة كبيرة نحو تطبيع العلاقات» مع كييف.
وأثار نجاح عملية التبادل موجة ارتياح واسعة في البلدين، ولدى الأوساط الغربية. وصرّحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن عملية التبادل أمس كانت «خطوة غاية في الأهمية». مشيرة إلى أن «تبادل المعتقلين بين روسيا وأوكرانيا هو نتيجة للإرادة السياسية والعمل الشاق.. وهذه الخطوة مهمة للغاية. ومن الضروري الحفاظ على هذا السعي لحل القضايا على أكبر قدر ممكن بدلا من تعقيدها. وتأتي الإرادة السياسية والعمل المنتظم والدقيق بثمارها».
وأوضحت الخارجية الروسية أن إطلاق السراح المتبادل للمعتقلين، تم نتيجة تنفيذ الاتفاق بين الرئيسين الروسي والأوكراني. وأفادت في بيان: «أصبح ذلك ممكنا بفضل تنفيذ الاتفاقات التي توصل إليها الرئيسان الروسي والأوكراني شخصيا. وخلافا للسلطة السابقة، أظهرت الإدارة الجديدة لفلاديمير زيلينسكي موقفا سليما واستعدادا لحلول وسط». كما رحب الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بإتمام عملية تبادل المعتقلين بين روسيا وأوكرانيا، وقال للصحافيين: «نرحب بالتبادل، ويسرنا أن المواطنين الروس عادوا إلى وطنهم». وفي باريس، رحب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بالعملية، مناشدا الطرفين إحراز «تقدم جديد» لإنهاء النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وقال لودريان في بيان: «إنها بادرة تظهر استعداد روسيا وأوكرانيا لإحياء حوارهما(...) ستدعم فرنسا وألمانيا جهود الجانبين بهدف تحقيق تقدم ملموس جديد في الأسابيع المقبلة».
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فأكدت أن عملية التبادل تمنح «بصيص أمل»، ودعت إلى تطبيق اتفاق لوقف إطلاق النار ساهمت باريس وبرلين بالتوصل إليه في 2015.
بدوره، اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن تبادل السجناء «قد يكون خطوة أولى عملاقة نحو السلام». وبين الأسرى الذين تم تبادلهم شخصيات أثارت ضجة كبرى، وطالبت منظمات دولية بالإفراج عنها، ويعد إطلاق سراح المخرج الأوكراني سينتسوف انتصاراً كبيراً لكييف، إذ كان المخرج أشهر سجين سياسي أوكراني، وقد انطلقت حملة دولية واسعة داعية للإفراج عنه، بعد إدانته بالتخطيط لـ«هجمات إرهابية» في القرم.
وبين المحررين كذلك 24 بحارا أوكرانيا، بينهم عنصران في جهاز المخابرات الأوكراني، كانت موسكو احتجزتهم العام الماضي على متن ثلاث سفن أوكرانية قبالة شبه جزيرة القرم. في المقابل، أكد جهاز الاستخبارات الأوكراني الإفراج عن فلاديمير تسيماخ، وهو مقاتل في صفوف الانفصاليين المدعومين من روسيا، وقد اعتبر شاهداً أساسيا في كارثة تحطّم طائرة الرحلة «إم إتش17»، التي أُسقطت في شرق أوكرانيا عام 2014، وذلك رغم دعوات هولندا لعدم تسليمه لموسكو.
وبين السجناء الذين تم تسليمهم إلى موسكو فيشينسكي، وهو صحافي لدى وكالة «نوفوستي» الحكومية الروسية، والذي أعلن بعد سجنه تخليه عن الجنسية الأوكرانية، فيما منحته روسيا جنسيتها. وكان يواجه تهماً بـ«الخيانة العظمى»، لكن أطلق سراحه بكفالة أواخر الشهر الماضي.
وأعرب مسؤول في الخارجية الأميركية بعد إتمام عملية التبادل عن أمل واشنطن بمواصلة الحوارات بين الطرفين، ورحب بـ«مؤشرات حوار أكثر صلابة بين روسيا وأوكرانيا»، مؤكدا «دعم الجهود»، التي يبذلها الرئيس الأوكراني الجديد زيلينسكي من أجل «حل دبلوماسي». وأضاف: «ندعو روسيا إلى الإفراج فورا عن جميع الأوكرانيين الآخرين، وبينهم أفراد ينتمون إلى تتار القرم لا يزالون مسجونين ظلما». وتابع المسؤول الأميركي: «لا نزال نحض روسيا على الوفاء بالتزاماتها في إطار اتفاقات مينسك، وعلى أن تعيد لأوكرانيا السيطرة على القرم»، التي ضمتها موسكو في 2014.
في المقابل، رأت أوساط روسية وأوكرانية أن الخطوة ستشكل «علامة فارقة» في آليات الحوار بين الجانبين، لأن نجاح الرئيسين في إنجاز التبادل بعد اتفاق خلال محادثة هاتفية قد يدفع إلى عقد لقاء ثنائي بينهما، يؤسس لإعادة إحياء مسار التسوية السياسية للأزمة المستفحلة منذ العام 2014.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.