إسرائيل من أكبر مصدّري «الدرون» في العالم

إسرائيل من أكبر مصدّري «الدرون» في العالم
TT

إسرائيل من أكبر مصدّري «الدرون» في العالم

إسرائيل من أكبر مصدّري «الدرون» في العالم

منذ أطلق الجيش الإسرائيلي أول طائرة مسيّرة (درون) إلى الأجواء المصرية خلال حرب الاستنزاف سنة 1969، وحتى إرسال الطائرتين المسيّرتين مؤخراً إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، شهد عالم الطائرات المسيّرة قفزات هائلة. وبقدر ما يثير مشاعر التأثر والنجاح، ويحقق الأرباح المالية والعسكرية الكبرى، يزداد القلق منه. وفي المختبرات الإسرائيلية ينكبّون على أبحاث على مدار الساعة، حول سبل مكافحة «درون العدو». وإنتاج الأسلحة التي ينبغي أن تمنع هذا السلاح من أن يرتدّ على صانعيه. وإذا كانت إسرائيل تحولت إلى إحدى أكثر الدول إنتاجاً للدرون، على أشكالها المختلفة، فإنها تدرك أنها باتت أيضاً إحدى أكثر الدول عرضة لهجمات معادية بالسلاح نفسه، ليس من جيوش كبرى تواجهها بل من أي تنظيم مسلح في دول الجوار، من «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» وحتى ذلك الفتى الفلسطيني الذي يمتلك الدرون ويزعج به الجنود الإسرائيليين في قرية صغيرة أو خربة. ومراقب الدولة فيها يحذّر: الجيش وأجهزة الأمن لم تعالج هذا الخطر بشكل ملائم، ولذلك فإنه يتفاقم ويهدد الأمن الإسرائيلي بشكل حقيقي.
لقد توصل مراقب الدولة الإسرائيلي يوسف شبيرا، خلال تقرير أصدره في سنة 2017 عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في صيف سنة 2014 إلى نتيجة مفادها أن الجيش الإسرائيلي يتباهى بقدراته على إنتاج واستخدام الدرون لكنه ليس جاهزاً بعد لمواجهة هجمات معادية بالسلاح نفسه. فاليوم توجد بأيدي الإسرائيليين 20 ألف درون وفي مناطق السلطة الفلسطينية 5000، تُستخدم بالأساس لأغراض مدنية، مثل تصوير الأعراس والمناسبات الأخرى، لكنّ كل واحدة منها قادرة على أن تتحول إلى سلاح فتاك، يمكن إلقاؤه على جمهور في ملعب لكرة القدم أو مهرجان احتفالي أو مصنع عسكري أو تجمع جنود وغير ذلك.
واليوم، بعد سنتين من صدور هذا التقرير، تعلن الصناعات العسكرية عن اختراع «سلاح لمواجهة درونات العدو»، وهو عبارة عن رشاش يحمل راداراً يكتشف الدرون ويطلق عليها أشعة ليزر تحرقها وهي في الجو، قبل أن تصل إلى هدفه.
فكرة الدرون في إسرائيل استُنبطت من التجربة الأميركية. فقد كان الرائد شبتاي بريل يشاهد برنامجاً تلفزيونياً سنة 1967 ظهر فيه فتى أميركي يحاول تركيب محرك على طائرة ورقية. كان بريل يومها يخدم في سلاح الاستخبارات العسكرية وتولى مهمة التجسس على سوريا. فقرر أن يصنع التجربة في الجيش بغرض إرسال طائرة مسيّرة بواسطة محرك صغير تحمل كاميرا. ويقول بريل اليوم، وقد تخطى 82 عاماً: «سخروا مني في البداية وقالوا إنني أصنع دمية للأطفال. ولكن، كما في كل شيء جديد في الحياة، لا بد من أن تكون مجنوناً بالشيء حتى تحققه». وقد وُجد مجانين مثله فصنعوا أول درون وأطلقوها أول مرة في 9 يوليو (تموز) 1969 في سماء مدينة الإسماعيلية غربي قناة السويس، وبعد 10 دقائق عادت بصور جيدة شجعت الجيش على إنتاجها.
لكن، في السنة التالية قرروا تطويرها أكثر لتصبح قادرةً على البقاء في الجو نصف ساعة، فركّبوا عليها محركاً آخر. إلا أن التجربة فشلت عدة مرات، فتقرر التنازل عن فكرة الدرون تماماً. ويقول بريل: «كان هذا قراراً خاطئاً لدرجة خطيرة. فلو استمر عمل الدرون، ما كان المصريون نجحوا في عبور قناة السويس وكنا قد اكتشفنا تحضيراتهم قبل أسبوعين على الأقل من قيامهم بالعبور».
ويتضح أن ما يقوله اليوم كان رأياً سائداً في القيادة العسكرية الإسرائيلية، إذ تراجعوا عن قرارهم بعد خمس سنوات. وفي سنة 1975، عادوا إلى صنعه، ولكن هذه المرة مع إضافة خبرة الأصدقاء، إذ كشف أن الأميركيين استخدموا الدرون في حرب فيتنام. وكان وراء تطويره مهندس إلكتروني أميركي يُدعى إيل أليس، كان قد حارب كمتطوع في صفوف المنظمات الصهيونية سنة 1948 وعاد إلى بلاده، واخترع طائرة مسيّرة كبيرة قادرة على الطيران لمسافة 50 كيلومتراً وبسرعة 100 كيلومتر في الساعة والتصوير بالفيديو. لكن الجيش الإسرائيلي لم يسارع إلى اقتنائها فصنعها لصالح شركة «تديران» الإسرائيلية، التي اشتركت مع شركات أميركية. وفقط في سنة 1978 تبنت الصناعات الجوية الإسرائيلية هذا المشروع وبدأت باستخدامه في سماء لبنان خلال غزوة الليطاني، وفي سنة 1982 حاولت طائرة «ميغ 21» سورية إسقاط الدرون الإسرائيلية فتحطمت ولم تفلح، فعلا شأنها وراحت إسرائيل تنتجها بشكل تجاري. وصارت من أكبر مصدري الدرون في العالم.
وتنافس الصناعات الحربية الإسرائيلية، الولايات المتحدة وألمانيا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا على صناعة الدرون. وتم اختراع أشكال متعددة لها، بدءاً بالدرون التي تبدو مثل دمية تباع بمئات الدولارات، وتستخدم أيضاً لأغراض مدنية أو لخدمة الشرطة التي تلاحق مخالفات السير والمجرمين الصغار، أو لأغراض ملاحقة المتظاهرين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، أو للتجسس وعمليات التفجير الانتحارية، وحتى الدرون الضخمة التي تُباع بمئات آلاف الدولارات وتؤدي مهام في المناطق القريبة والبعيدة عن إسرائيل.
وقد أظهر تقرير نشره معهد البحوث الأميركي «بروست آند ساليفان»، أن إسرائيل هي أكبر مصدّر للطائرات من دون طيار في العالم، وحجم هذه الصادرات يشكّل 10% من الصادرات الأمنية الإسرائيلية. وحسب تقرير لاتحاد الصناعات الإسرائيلي فإن قيمة الصادرات الإسرائيلية للطائرات من دون طيار على اختلافها بلغت خلال السنوات الثماني الأخيرة 4.6 مليار دولار. وكان معظم هذه الطائرات ذا استخدام عسكري وقسم صغير منها لأغراض أمنية مثل وزارات الأمن الداخلي ولأغراض الحراسة داخل المدن.
ويبلغ حجم الصادرات الأمنية الإسرائيلية نحو 6.1 مليار دولار في السنة، بينما كان معدل تصدير الطائرات من دون طيار 578 مليون دولار سنوياً. (في عام 2008 تم تصدير طائرات من دون طيار بمبلغ 150 مليون دولار وفي العام الذي تلاه 650 مليون دولار، بينما وصل في عام 2010 إلى 979 مليون دولار، وعام 2018 إلى 988 مليون دولار).
وتصدر إسرائيل نصف إنتاجها من الطائرات المسيّرة إلى الدول الأوروبية، خصوصاً بريطانيا وإسبانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا وهولندا وجورجيا، وثلث هذه الصادرات يذهب إلى دول آسيوية من بينها سنغافورة والهند وأذربيجان. وتم تصدير 11% من هذه الطائرات إلى دول في أميركا اللاتينية وبينها البرازيل وتشيلي وكولومبيا والإكوادور والمكسيك، كما صدرت 1.5% منها وبمبلغ 69 مليون دولار إلى دول أفريقية بينها إثيوبيا ونيجيريا وأوغندا. وتصدرها أيضاً إلى الولايات المتحدة بنسبة 3.9% من مجمل صادرات الطائرات من دون طيار.
وتنتج إسرائيل نوعين من الطائرات الكبيرة من دون طيار، والنوع الأول هو من طراز «إيتان» الذي يبلغ طول جناحيه 26 متراً، والنوع الثاني هو من طراز «هرمس 450» القادر على حمل ذخيرة، ويستخدمه الجيش الإسرائيلي في عمليات الاغتيال. وهي تنتج الكثير من الطائرات المسيّرة ذات الأهداف الأمنية التي تستخدمها الشرطة. ويقدَّر عدد هذه الطائرات في إسرائيل 25 ألفاً. أما الدرون الخفيفة، التي تُستخدم لأغراض مدنية فتشتريها إسرائيل من الصين وغيرها من دول العالم.


مقالات ذات صلة

مخاوف ألمانية بعد رصد مسيّرات مجهولة فوق منشآت صناعية وعسكرية

أوروبا قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية (أرشيفية-رويترز)

مخاوف ألمانية بعد رصد مسيّرات مجهولة فوق منشآت صناعية وعسكرية

أعلنت السلطات الألمانية أنها رصدت تحليق طائرات مسيّرة مجهولة فوق منشآت صناعية ومواقع عسكرية حساسة؛ بينها قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا مسيّرة أوكرانية (رويترز)

مسيّرة أوكرانية تضرب منشأة للشرطة في الشيشان وتصيب أربعة

قال رمضان قديروف رئيس الشيشان إن طائرة مسيرة أوكرانية استهدفت سطح منشأة تابعة للشرطة في منطقة الشيشان في وقت مبكر من اليوم الخميس، وهي الحادثة الثانية من نوعها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي رجلان مسلحان يراقبان طريقًا من جسر في دمشق 11 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

تقرير: أعضاء بالمخابرات الأوكرانية دعموا المعارضة السورية بمُسيرات

 ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، اليوم (الأربعاء)، أن مقاتلين سوريين تسلموا نحو 150 طائرة مسيرة، فضلا عن دعم سري آخر من أعضاء في المخابرات الأوكرانية الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا صورة لانفجار طائرة مسيّرة روسية في سماء مدينة كييف وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في 5 ديسمبر 2024 (رويترز)

روسيا وأوكرانيا تعلنان إسقاط عشرات المسيّرات في المواجهات بينهما الليلة الماضية

أعلنت روسيا تدمير 33 طائرة مسيَّرة أوكرانية، بينما أعلنت كييف إسقاط 32 مسيَّرة أطلقتها موسكو، وذلك خلال المواجهات المستمرة بين الطرفين الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

السودان: المسيّرات تتساقط على عطبرة... فمَن يقف وراءها؟

استهدفت طائرات مسيّرة، فجر الأربعاء، أبنية سكنية تابعة للمعسكر الشرقي لسلاح المدفعية بعطبرة، وهو من أعرق الأسلحة للجيش السوداني.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم