خطة لبنان الاقتصادية تواجهها تحفظات على زيادة الضرائب

حالة طوارئ لتحسين مداخيل الخزينة ومنع ارتفاع العجز

TT

خطة لبنان الاقتصادية تواجهها تحفظات على زيادة الضرائب

استنفرت الدولة اللبنانية بكلّ قياداتها وأحزابها، لتجنّب الانهيار الاقتصادي الذي يهدد البلاد، خصوصاً إذا مضت وكالات التصنيف الدولية بخفض التصنيف الائتماني للبنان، ووضعت القيادات السياسية نفسها أمام مهلة زمنية لا تتعدى الستة أشهر، لانتشال الوضع الاقتصادي من أزمته، عبر إعلانها خطة طوارئ تستدعي اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة، في وقتٍ سارعت أطراف مشاركة في اللقاء الاقتصادي والمالي الذي عقد في قصر بعبدا يوم الاثنين وأولها «حزب الله»، إلى رفض بنود أساسية في الخطّة لا سيما تلك المتعلّقة بفرض بعض الضرائب، فيما حذّرت مصادر متابعة من أن «تطال الخطّة الطبقة الفقيرة والمتوسطة وتستثني الأثرياء».
ورغم أن اجتماع بعبدا الذي ضمّ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري، ورؤساء الكتل النيابية ووزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لا يتمتع بصفة دستورية، ولا يمكنه اتخاذ قرارات، فإن رمزيته تتمثل بتوفير الغطاء السياسي للقرارات التي ستتخذها الحكومة، أو القوانين التي سيقرها مجلس النواب، ورأى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور جاسم عجّاقة، أنه «منذ اتفاق الطائف في العام 1989 أصبح لبنان ملزماً بالتوافقات، إذ لا يمر قرار من دون أن توافق عليه كلّ الأطراف سواء الطوائف أو الأحزاب»، معتبراً أن أي ورقة إصلاحية تحتاج إلى غطاء سياسي.
ولفت عجاقة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن لبنان «يعاني من مشكلتين أساسيتين، الأولى تكمن في التخبط السياسي الذي يشلّ البلد، والثانية تتمثل بالفساد المحمي سياسيا»، آملاً بأن «تعالج ورقة بعبدا هاتين المشكلتين، وإذا تم تنفيذ البنود الواردة فيها، فيمكن أن ننقل لبنان إلى برّ الأمان، رغم أن التجارب التاريخية مع الحكومات السابقة غير مشجعة».
وأوضح عجّاقة أن الخطة «تتضمّن رفع الضريبة على القيمة المضافة للكماليات حتى 15 في المائة، وتجميد الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام لمدة ثلاث سنوات، (أي عدم دفع حوافز ودرجات ترقية طيلة هذه المدّة مع حفظ حقوق الموظفين وإعادة تسديدها بعد ثلاث سنوات)، ووضع حدّ أدنى وحدّ أقصى لسعر صفيحة البنزين، ورفع الضريبة على فوائد الحسابات المصرفية من 10 إلى 11 في المائة»، لافتاً إلى أن «أغلب الموجودين في اجتماع بعبدا عارضوا هذا الأمر، حتى أن النائب محمد رعد، رئيس كتلة نواب (حزب الله)، خرج من الاجتماع وأعلن أن لا ضرائب جديدة ولا مساس بالأجور، وهذا ما تم تأجيله إلى موازنة العام 2020».
وتشكك أطراف سياسية بقدرة الدولة على تطبيق هذه الخطة، رغم خطورة الوضع الاقتصادي، وأوضح عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب وهبي قاطيشا، أن «أغلب بنود ورقة بعبدا قدمتها (القوات اللبنانية) إلى مجلس الوزراء منذ ثمانية أشهر ولم يأخذوا بها». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العبرة في التنفيذ وليس بصياغة الأوراق والخطط». وقال: «ليسوا جديين في معالجة التهريب عبر المعابر البرية والمرافئ البحرية وفي المطار، ولا في معالجة أزمة الكهرباء والنفايات، وهذه يمكن تطبيقها بقرار من الوزير المختص». واستبعد قاطيشا أن تأخذ طريقها للتنفيذ، وأضاف: «عندما أقرّ إعلان بعبدا (في العام 2012 في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان لتحييد لبنان عن أزمات المنطقة)، انتظر (حزب الله) أسبوعاً لينعى هذا الإعلان، لكن بالأمس (الاثنين) خرج النائب محمد رعد، وأعلن على باب القصر الجمهوري رفضه تطبيق هذه الخطة، وهذا يظهر عدم جدية الفرقاء الذين يمسكون بالمؤسسات الربحية بعدم معالجة الأزمة بدءاً من الكهرباء».
وتزامنت الخطة المشار إليها، مع إعلان حالة طوارئ اقتصادية، من دون معرفة طبيعتها، لكنّ الخبير جاسم عجاقة لفت إلى أن «حالة الطوارئ تفرض عقد اجتماعات مكثفة للحكومة، بوتيرة لا تقل عن جلستين أو ثلاث في الأسبوع الواحد، وعدم تخطّي عجز موازنة العام 2019 المحدد بـ5.75 في المائة، خصوصاً أن المصارف اللبنانية فقدت القدرة على تمويل عجز الموازنة، ليس لعدم توفر الأموال، بل لأن المعايير الدولية تلزم القطاع المصرفي بالحفاظ على نسبة رأسمال عالية»، مشيراً إلى أن «حالة الطوارئ تستدعي أيضاً تكبير حجم الاقتصاد، لزيادة مداخيل الخزينة العامة، بالإضافة إلى عدم إهمال تفشّي حالات الفقر في المجتمع اللبناني».
من جهته، رحّب الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة النائب السابق وليد جنبلاط، بنتائج اجتماع بعبدا، واعتبر وزير الصناعة وائل أبو فاعور في تصريح، أن «الاقتراحات التي قدمها الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري هي مقدمة لمعالجة الوضع، وعلينا أن نواجه الصعوبات الهائلة التي حددها وزير المال (علي حسن خليل) وحاكم مصرف لبنان (رياض سلامة)»، مؤكداً أن جنبلاط «أبلغ المجتمعين في بعبدا، أن السبب الأساسي للعجز يكمن في الكهرباء، ودعا إلى اعتماد الموضوعية في معالجة هذا الملف». وكشف أبو فاعور أن جنبلاط «اقترح على المشاركين في لقاء بعبدا فرض ضريبة على أوقاف الطوائف، والاستفادة من أملاك الدولة بشكل فعّال».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم