روسيا ضامناً لاتفاق السلام المحتمل بين «طالبان» والولايات المتحدة

هجمات متواصلة من الحركة توقع عشرات القتلى والجرحى

روسيا ضامناً لاتفاق السلام المحتمل بين «طالبان» والولايات المتحدة
TT

روسيا ضامناً لاتفاق السلام المحتمل بين «طالبان» والولايات المتحدة

روسيا ضامناً لاتفاق السلام المحتمل بين «طالبان» والولايات المتحدة

واصلت قوات «طالبان» شن هجماتها على المراكز الحكومية في كثير من الولايات بعد تسليم المبعوث الأميركي لأفغانستان زلماي خليل زاد مسودة اتفاقه مع ممثلي الحركة في الدوحة. فقد أعلن ذبيح الله مجاهد، الناطق باسم «طالبان»، مسؤولية الحركة عن تفجير ضخم هز «القرية الخضراء» شرق كابل، وهي مجمع تستخدمه القوات الأجنبية والحكومية والاستخبارات؛ كما قال بيان «طالبان»، وتبع التفجير تسلل عدد من مقاتلي الحركة داخل «القرية الخضراء».

وقال ذبيح الله في بيانه عن العملية إن «القرية الخضراء» كانت «قاعدة ضخمة لتخطيط وطرح استراتيجيات وعمليات للشركات الأمنية الأجنبية مثل شركة (بلاك ووتر)، ومتعاقدين عسكريين وأمنيين، وعملاء القوات الأميركية». ويقع المجمع شرق مدينة كابل على الطريق الممتدة لمدينة جلال آباد.
وقال نصرت رحيمي، الناطق باسم الداخلية الأفغانية، إن المجمع يضم وكالات إغاثة ومنظمات دولية، وإن 16 شخصاً قتلوا وأصيب 119 آخرون.
و«القرية الخضراء» منفصلة عن المنطقة الخضراء المحاطة بأسوار عالية والتي تخضع لحراسة مشددة على مدار الساعة وتضمّ سفارات عدة؛ بينها السفارتان الأميركية والبريطانية.
وهذا ثالث هجوم واسع النطاق تشنه «طالبان» خلال أيام، حيث هاجمت مدينة قندوز الشمالية، وتبعه هجوم آخر على مدينة بولي خمري في ولاية بغلان المجاورة، كما هاجمت مقر قناة «طلوع نيوز» التلفزيونية أثناء بث مقابلة مع الموفد الأميركي زلماي خليل زاد الذي قال إنّ بلاده ستسحب قواتها من 5 قواعد في هذا البلد إذا التزمت «طالبان» ببنود اتفاق السلام الذي يجري التفاوض حوله.
من جهته، تعهد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، يانس ستولتنبرغ، بمواصلة الحلف دعم القوات الحكومية الأفغانية، وجاءت أقواله بعد لقاء له مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بروكسل؛ مقر قيادة حلف شمال الأطلسي، أول من أمس، في ظل ما تجريه واشنطن من محادثات مع «طالبان» للتوصل إلى اتفاق تنسحب بموجبه القوات الأميركية من أفغانستان.
وقال المبعوث الروسي لأفغانستان ضمير كابلوف إن بلاده ستشارك مع عدد من الدول بصفتهم ضامنين لاتفاق «طالبان» مع الإدارة الأميركية، وأعرب كابلوف عن اعتقاده بأن انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي من أفغانستان سيزيل «عامل استفزاز» من أفغانستان والمنطقة، ويؤدي إلى تراجع العنف هناك، مضيفاً: «إذا توافقت (طالبان) مع الأميركيين، فسوف يتم الإعلان عن وقف لإطلاق النار، على الأقل من قبل الأميركيين والقوات الأجنبية و(طالبان). لذا فمن المنطقي أن ينخفض العنف».
وقال نائب وزير الخارجية الروسي إيغور مورغولوف، أمس الثلاثاء، إن موسكو قد تستجيب لإصرار الولايات المتحدة و«طالبان» معاً على وجوب أن تكون روسيا حاضرة بصفتها ضامناً بشكل أو بآخر عند التوقيع المحتمل على الاتفاقيات التي يعمل عليها الطرفان حالياً. وقال: «أولاً وقبل كل شيء، علينا أن نفهم متى سيتم التوقيع على هذا الاتفاق، وما جوهره».
وفي الوقت نفسه، قالت قوة حلف شمال الأطلسي التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان إن مشكلة فنية تسببت في سقوط طائرة من دون طيار تابعة للتحالف في ولاية غور، لكن مقاتلي «طالبان» قالوا في بيان أصدرته الحركة إنهم هم الذين أسقطوا الطائرة ونشروا صوراً تلفزيونية لمجموعة من المقاتلين وهم يعاينون حطام الطائرة الأميركية. وكانت قوات «طالبان» واصلت هجماتها في عدد من الولايات، حيث تركزت عمليات الأحد والاثنين الماضيين في ولاية هلمند جنوب أفغانستان، وذكرت بيانات الحركة أن قواتها هاجمت مقراً أمنياً للقوات الحكومية في منطقة «ناد علي» ما أسفر عن تدمير مركبتين وقتل 3 أفراد من القوات الحكومية وإصابة 4 آخرين، كما شهدت المنطقة نفسها هجوماً آخر على تجمع للقوات الحكومية أسفر عن مقتل 8 وتدمير عربة مدرعة، ومقتل 4 من قوات «طالبان». وشهدت منطقة يكلانغ اشتباكات بين قوات الحكومة وقوات «طالبان» أسفرت عن مقتل جنديين حكوميين، فيما تعرض مركز أمني حكومي بمنطقة دوراهي لهجوم الليلة قبل الماضية من قوات «طالبان» التي استولت على المركز بعد مقتل 8 جنود حكوميين وجرح آخر.
وقال زلماي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «ممارسة الضغط تشكل جزءاً من استراتيجية حركة (طالبان). إنهم مقتنعون بأنه بفضل قوتهم العسكرية والاعتداءات التي يقومون بها، أرغم الأميركيون على التفاوض معهم»، مضيفاً: «إنه السلاح الذي يملكونه بين أيديهم، وسيواصلون استخدامه إلى أن يحققوا أهدافهم».
وقال علي جلالي، وزير الداخلية الأفغاني الأسبق، إن هجمات «طالبان» المتزايدة على المدن وتفجيراتها الضخمة تهدف إلى منع الانشقاقات في صفوف «طالبان» بعد التوصل إلى اتفاق سلام مع المبعوث الأميركي لأفغانستان. وكان المبعوث الأميركي لأفغانستان قال إن واشنطن ستسحب 5 آلاف جندي خلال 4 أشهر ونصف من توقيع الاتفاق في مرحلة أولى وتغلق 5 قواعد أميركية في أفغانستان، وإن الاتفاق يجب أن يوافق ويصادق عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أن يصبح نافذاً، وفي المقابل، فإن «طالبان» ـ حسبما قال زلماي خليل زاد - لن تسمح باستخدام أفغانستان من قبل تنظيمات مسلحة قاعدة لعمليات ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وإن الاتفاق يهدف حالياً إلى خفض العنف والعمليات المسلحة ولم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذي ترك للمفاوضين من القوى السياسية الأفغانية في كابل في لقاءاتهم المقبلة مع ممثلي «طالبان».
ولم يتم نشر كثير من التفاصيل التي تم التوصل لها في الاتفاق بين زلماي خليل زاد ووفد حركة «طالبان»، فيما اعترض مسؤولون أفغان على وضع اسم «الإمارة الإسلامية لأفغانستان» للتعريف بـ«طالبان»، بالقول إن هذا يتعارض مع الاعتراف الدولي بـ«جمهورية أفغانستان الإسلامية»، كما بقي مستقبل مسألة الانتخابات الرئاسية الأفغانية غير معروف؛ حيث تعارض «طالبان» إجراءها، كما انسحب عدد من المرشحين من التنافس فيها، فيما أعلن عدد آخر من المرشحين تفضيلهم التوقيع على اتفاق سلام بدلاً من المضي في إجراء انتخابات رئاسية.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».