لبنان: شُحّ الدولار يحرّك السوق السوداء... وإجماع سياسي على تثبيت الليرة

توقيف صرافين تلاعبوا بالسعر الرسمي

تسبب الطلب المرتفع على الدولار في لبنان إلى صعوده مقابل الليرة بشكل غير مسبوق منذ عام 2005 (رويترز)
تسبب الطلب المرتفع على الدولار في لبنان إلى صعوده مقابل الليرة بشكل غير مسبوق منذ عام 2005 (رويترز)
TT

لبنان: شُحّ الدولار يحرّك السوق السوداء... وإجماع سياسي على تثبيت الليرة

تسبب الطلب المرتفع على الدولار في لبنان إلى صعوده مقابل الليرة بشكل غير مسبوق منذ عام 2005 (رويترز)
تسبب الطلب المرتفع على الدولار في لبنان إلى صعوده مقابل الليرة بشكل غير مسبوق منذ عام 2005 (رويترز)

في 23 أغسطس (آب) الماضي، استفاق اللبنانيون على تغيير ملحوظ في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. فالسعر الذي تم تثبيته منذ عام 1999 على 1507.5 ليرة للدولار، شهد صعوداً ليلامس الـ1585 ليرة للدولار. وهو سعر صرف لم يبلغه حتى في أحلك الظروف الأمنية التي عصفت بالبلاد منذ عام 2005، عام اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
هذا المشهد أربك القيمين على الوضعين الاقتصادي والنقدي، وشرع باب التساؤلات حول الأسباب التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه، وما إذا دخل لبنان مرحلة تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
الخبير المالي والنقدي والاقتصادي مروان مخايل، يعلل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» هذا التغير بأنه «جاء نتيجة طبيعية لزيادة الطلب على العملة الخضراء بفعل حالة الهلع والخوف والشائعات حول قرب انهيار الوضعين النقدي والمالي، والتي سبقت صدور التصنيف الائتماني للبنان («فيتش» خفّضت تصنيف لبنان السيادي إلى «CCC»، فيما أبقت «ستاندرد آند بورز» التصنيف على حاله دون تغيير على (B-)، وهو ما دفع بالمودعين إلى الطلب من مصارفهم تحويل موجوداتهم بالليرة إلى دولار، فيما قام بعضهم بتحويل ودائعه بالعملات إلى الخارج. وبالتالي، فإن زيادة الطلب على العرض تؤدي طبيعياً إلى ارتفاع سعر المعروض».
كان مصرف لبنان المركزي قد سمح للمصارف التجارية باعتماد سعر صرف تراوح بين 1517 و1518 ليرة للدولار، كي يبقى سعر الصرف الأعلى لدى المصارف، مقارنةً مع سعر صرف أدنى لدى محال الصيرفة، وذلك تجنباً للمضاربة في السوق.
ومن بين الأسباب الأخرى التي عززت زيادة سعر صرف الليرة، حسب مخايل، شُحّ الدولار في السوق المحلية نتيجة اعتماد مصرف لبنان سياسة نقدية تقشفية للحد من السيولة بالدولار، والتي تسبب حالة من المضاربة تكون تداعياتها غير محمودة على الاقتصاد وعلى البلد ككل. مع العلم أن مصرف لبنان يحتاج إلى الدولار لتمويل حاجات وديون لبنان الأجنبية.
وللسياسة النقدية التقشفية هذه هدف آخر أيضاً، هو حث الدولة اللبنانية على القيام بواجباتها وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لاستعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني، والتي هي حاجة أساسية في الوقت الراهن.
ومن التدابير التي اتخذها بعض المصارف (لا سيما المتوسطة والصغيرة منها) في اليوم المذكور، أنها حددت سقفاً لسحب المودعين من ودائعهم بالعملات الأجنبية. ويشرح مخايل هذه النقطة بالقول إن «المصارف لا تمنع السحوبات للمودعين؛ حتى لو كانت بالعملات الصعبة... إنما لجوء بعض المودعين إلى تحويل ودائعهم من الليرة إلى الدولار، ومن ثم طلب تحويله إلى مصرف آخر أو إلى الخارج، أمر لا تقبل به المصارف إلا بعد مرور ستة أشهر على عملية التحويل من الليرة إلى الدولار».

سيناريوهات متوقعة
ويشير مخايل إلى أن «تثبيت سعر صرف الليرة هو إجراء حرص مصرف لبنان على تطبيقه منذ عام 1999، وأن أي حديث عن تحرير سعر صرف الليرة بعيد كل البعد عن الحقيقة. لكن الحاجة إلى الدولار قد تؤدي إلى عودة لجوء محال الصيرفة، أو غيرها من المؤسسات المالية، إلى رفع سقف صرف الدولار مقابل الليرة إذا زاد الطلب عليه».
ويعدد مخايل «بعض الحلول» التي يمكنها أن تسهم في الحد من الأزمة الراهنة، من بينها الاستقرار السياسي والأمني، وإقدام الحكومة اللبنانية ومجلس النواب على إقرار موازنة عام 2020، وهو ما يعطي إشارة إيجابية إلى المجتمع الدولي، لا سيما الدول المانحة التي شاركت في مؤتمر «سيدر» لدعم اقتصاد لبنان، بأن الأخير جادٌّ في النهوض بالاقتصاد مجدداً. إضافة إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية ومالية شاملة تعزز الثقة مجدداً بلبنان واقتصاده، وتعيد التدفقات المالية إليه، من استثمارات أجنبية، وتحويلات المغتربين، وإيداعات الأجانب لا سيما من القطاع الخاص الأجنبي والعربي. وكذلك حصول المصارف التجارية على جزء من ودائعها بالعملات الأجنبية المودعة في مصرف لبنان المركزي.

تداعيات تغير سعر الصرف
حسب تجار أعضاء في جمعية تجار بيروت، فإن تجارة التجزئة هي أكثر المتضررين جراء تغير سعر صرف الدولار، حيث إن التجار يبيعون السلع بالعملة المحلية فيما هم مضطرون إلى سداد ثمنها بالدولار الذي لا يحصلون عليه بسهولة من المصارف، مما ضيّق الخناق كثيراً على عملهم وفاقم الأزمة التي يواجهونها منذ أكثر من خمس سنوات. وقد علت صرخة هؤلاء حين اضطروا إلى اللجوء إلى محال الصيرفة لشراء الدولار لسداد مستحقاتهم، فكان أن اغتنم الصرافون الفرصة وقاموا برفع سعر الصرف ليصل في بعض الأحيان إلى نحو 1560 ليرة للدولار الواحد. فكان أن تدخلت وزارة الاقتصاد وحذّرت الصرافين من التلاعب بالسعر الرسمي، وأرسلت بعضاً منهم إلى التحقيق وتم توقيف ثمانية منهم.
وفي هذا الإطار، يشير المحامي زكريا الغول إلى أن القانون الجزائي تناول الأعمال المالية غير المشروعة في نظر القانون، وعاقب عليها بأشكال عدة. فمثلاً تطرق قانون أصول محاكمات جزائية في المادة 19 إلى تولي النائب العام المالي مهام الملاحقة في الجرائم الناشئة عن مخالفة القوانين المصرفية، والمؤسسات المالية والبورصة. كما نص قانون العقوبات في المواد 297 و319 و320 إلى مسألة التعرض لمكانة الدولة المالية وجرّم مَن يقوم بهذا الفعل، وما حدث مؤخراً من التلاعب بسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية يطبَّق عليه قانون العقوبات بالمواد المذكورة أعلاه.
ويضيف الغول أن القانون رقم 347-2001، المتعلق بتنظيم مهنة الصيرفة، حدد في مواده 18 و19 و20 عقوبات وإجراءات يتخذها مصرف لبنان بحق المسيئين من الصرافين إلى سمعة لبنان المالية والسياحية. وتعد قرارات الهيئة المصرفية الخاصة المتخذة في هذا الإطار غير قابلة للمراجعة.
وفي هذا الإطار، جاء تحرك النيابة العامة المالية، التي طلبت من مكتب مكافحة الجرائم المالية التحقيق والملاحقة للأعمال التي حصلت يوم 23 أغسطس، حيث جاء توقيف الصرافين الثمانية. مع الإشارة إلى أن الملف لا يزال قيد المتابعة، ولم تنتهِ التحقيقات والملاحقات حتى اليوم، ولا تزال لجنة الرقابة على المصارف تتابع ما يجري مع الصرافين منعاً لتكرار ما حصل. في حين تكثفت التصريحات الرسمية في الأيام الأخيرة التي تؤكد الاستمرار في سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.



السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.