مسيرة حياة نجيب محفوظ طالباً وموظفاً... بـ {ختم النسر}

كشف الستار عن 70 مستنداً حكومياً لأديب «نوبل»

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
TT

مسيرة حياة نجيب محفوظ طالباً وموظفاً... بـ {ختم النسر}

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

جانب مهم وخفي في حياة الأديب المصري والعالمي نجيب محفوظ، يبرزه متحفه الجديد بمبنى «تكية محمد بك أبو الدهب» بمنطقة القاهرة الفاطمية، بجوار الجامع الأزهر، عبر المعرض المؤقت «نجيب محفوظ بختم النسر» الذي يحتفي بالمستندات والوثائق الرسمية في حياة أديب «نوبل»، الطالب والموظف، ويلخص المعرض مسيرة حياة محفوظ على مدار 37 عاماً، منذ سنة 1934 وحتى 1971.
ويغطي المعرض الذي قام بإعداده الكاتب الصحافي طارق الطاهر، مراحل من حياة محفوظ في الوظيفة، بدايةً من «إدارة المستخدمين» بالجامعة المصرية، في الفترة من 1934 حتى 1938، ثم عمله 12 عاماً بوزارة الأوقاف، حتى عام 1950، قبل أن ينتقل إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ويعمل مديراً لمكتب الوزير فتحي رضوان، ثم ثروت عكاشة، وهناك صدر قرار بتعيينه رئيساً للرقابة على المصنفات الفنية في 1968، ثم ترقيته رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة دعم السينما، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى إحالته إلى التقاعد عام 1971. وقد كانت آخر وظيفة شغلها محفوظ وتظهرها الوثائق في المعرض عمله مستشاراً خاصاً لثروت عكاشة، وكان يتقاضى عن هذه الوظيفة 100 جنيه شهرياً، وكان الجنيه وقتها يعادل دولارين ونصف دولار، وحين تقاعد حصل على معاش 160 جنيهاً مصرياً.
ويقدم المعرض الذي شارك في افتتاحه لفيف من الكتاب والمثقفين ورجال السينما المصرية بينهم الممثل الدكتور أشرف زكي، والمترجم الدكتور محمد نصر الدين الجبالي، والشاعر جرجس شكري، والأديب يوسف القعيد مدير المتحف... صورة لنجيب محفوظ الموظف الذي يعرف تماماً مقتضيات وظيفته ويلتزم بها، ويتضمن صوراً ضوئية من سبعين وثيقة من أرشيفه الوظيفي الموجود في المركز القومي للسينما؛ ويعبّر بجلاء عن مسيرة محفوظ في العمل الحكومي خلال 37 عاماً، ويحتوي على عدة أقسام كلٌّ منها يعرض لمرحلة معينة من حياته العملية، وهناك مجموعة من الشهادات التي تمثل مراحله الدراسية المختلفة، منها شهادة حصوله على الابتدائية، صادرة من وزارة المعارف العمومية تفيد بأن نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم، المولود في القاهرة عام 1911، أتم الدراسة الابتدائية للبنين، ونجح في الامتحان الخاص بذلك عام 1925، المدهش في أمر هذه الشهادة وباقي شهادات محفوظ التعليمية أنها مختومة وموقّعة من وزير المعارف شخصياً ومؤرّخة طبقاً للتاريخين الهجري والميلادي معاً.
أما شهادة الثانوية العامة فلا تختلف صياغتها كثيراً عن شهادة الابتدائية، لكنها يُستهل المكتوب فيها بأن الوزارة تشهد بأن محفوظ حصل على الثانوية العامة نظام خمس سنوات وهي مؤرّخة بالتقويمين معاً، وقد حصل عليها عام 1930، وهناك شهادة محفوظ في المرحلة الجامعية التي حصل خلالها على ليسانس الآداب عام 1934.
ومن بين الأوراق التي يحتفي بها المعرض، إقرار من محفوظ مكتوب بخط يده بأنه لا يتقاضى معاشاً ولا مرتبات أخرى من أي جهة حكومية، في أثناء عمله بوزارة الأوقاف، وفي نهايته وقّع وكتب التاريخ 7 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1934. وهناك تقرير سري صادر في 11 نوفمبر 1934 من قسم المحفوظات بالوزارة نفسها، ويتضمن معلومات مكتوبة بمعرفة قسم المستخدمين والمعاشات، ومثبت به مرتبه وقتها 12 جنيهاً مصرياً، وتاريخ آخر علاوة، وأخلاقه، وكفاءته، ورأي القسم في منحه علاوة مالية، وإلى جوار هذه الوثيقة هناك قرار بترقية محفوظ سنة 1945 إلى الدرجة الخامسة، وكان يعمل موظفاً ضمن السكرتارية البرلمانية بمكتب وزير الأوقاف.
وبجانب هذه المكاتبات هناك طلب إجازة بتاريخ 9 مايو (أيار) عام 1929 وقت أن كان محفوظ يعمل موظفاً في الجامعة المصرية، قدمه أحد زملائه، بلغة مميزة، ويقول فيه «حضرة صاحب العزة السكرتير العام للجامعة المصرية، أبلغني زميلي نجيب محفوظ أفندي، بأنه تعرض لمرض خفيف، وأنه لن يستطيع الحضور اليوم، لذا يطلب اعتباره إجازة»، وهناك طلب إجازة آخر مكتوب بخط محفوظ نفسه، وموجّه إلى «حضرة صاحب العزة» أيضاً، ويقول فيه: «أتشرف بإبلاغ عزتكم، بأني تغيبت يومي الاثنين والثلاثاء 2 و3 ديسمبر (كانون الأول) 1935 بسبب المرض، وأرجو التفضل باحتسابها من إجازتي العادية»، كان وقتها محفوظ كاتباً بقلم المستخدمين، وظل يعمل هناك لثلاث سنوات تالية، ثم انتقل إلى الأوقاف.
ولم يختلف نجيب محفوظ الموظف في العصر الملكي عنه في عصر الجمهورية والثورة، وهو ما تثبته الوثائق التي تخص هذه الفترة، ومن بينها طلبه إجازة بعد عودته من يوغوسلافيا عام 1959، إذ كان وقتها يعمل في إدارة الرقابة على المصنفات، وبعد ذلك بثلاثة أعوام تسلم محفوظ رئاسة مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، ويقر في وثيقة خاصة موقّعة بخط يده أنه تسلم مهام عمله، ومن بين الوثائق هناك خطة لإنشاء إدارة للدراسات الأدبية بالمؤسسة مهمتها دراسة السيناريوهات والمسرحيات والقصص القصيرة الصالحة للسينما.
وبعد هذه المسيرة وبعد خروجه إلى سن المعاش، بدأت التحركات لمكافأة محفوظ ومنحه وساماً مناسباً، كما يشير المعرض. ويعد محفوظ الأديب الوحيد الذي حصل على جائزة الدولة التقديرية مرتين؛ الأولى عام 1957 والأخرى في عام 1968.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».