لماذا صنفت الباراغواي «حزب الله» إرهابياً؟

إرهاصات النهايات لأنشطة الحزب في أميركا اللاتينية

عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)
عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)
TT

لماذا صنفت الباراغواي «حزب الله» إرهابياً؟

عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)
عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)

بعد أقل من شهر على تصنيف «حزب الله» اللبناني منظمة إرهابية من قبل الأرجنتين، اتخذت باراغواي بدورها قراراً مشابهاً كثاني دولة في أميركا اللاتينية تصنف الحزب إرهابياً؛ وذلك في سياق إعادة النظر إلى هذه الجماعة، التي بات الجميع يعتبر أنها إحدى الأذرع الميليشياوية لنظام الملالي في طهران، والتي تستخدمها لتحقيق أهدافها الأوسع، وربما تهيئة للمعركة المرتقبة مع الغرب عامة، والولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص.

لم يتأت قرار الالباراغواي من فراغ، وإنما مما توافر للسلطات هناك من حقائق ومعلومات تؤكد على أن الحزب وأطرافه باتوا على علاقة جذرية بجماعات الجريمة المنظمة في المثلث الحدودي القائم ما بين البرازيل والأرجنتين والباراغواي، حيث تجري تجارات مشبوهة تبدأ بالمخدرات، ثم عملية غسل الأموال، وصولاً إلى الاتجار بالبشر.
والشاهد أن الدور الذي يقوم به «حزب الله» في أراضي أميركا اللاتينية بات يمثل إزعاجاً كبيراً، بل ومخيفاً لدول القارة بأكملها، وعليه فإنه يتوقع في القريب العاجل كذلك أن تحذو البرازيل حذو الباراغواي، وتصنف الحزب جماعة إرهابية وتحظر أنشطته على أراضيها.
يعنّ لنا أن نتساءل بداية: «هل من علاقة ما بين تسارع اعتبار (حزب الله) منظمة إرهابية والصراع الدائر بين واشنطن وطهران؟».
المؤكد أن هناك علاقة عضوية في الأمر، ذلك أن طهران كانت تمثل الحبل السري لتمويل كل جماعات الإرهاب المؤدلج الدائرة في فلكها، وفي المقدمة منها «حزب الله»، الذي اعترف زعيمه حسن نصر الله بأن معاشات أعضائه ومصروفاته كافة تأتي من طهران مباشرة، وفي حين العقوبات الأميركية الاقتصادية تضيّق الخناق على الحزب وقادته، يعيش الأخير أزمة مالية كبيرة جعلته يقوم بتوزيع صناديق التبرعات على الطرقات علها تقوم مقام تمويلات طهران، لكنها لا تفعل، ومن هنا يأتي دور الأعضاء المنتمين إلى الحزب الذين يسعون إلى جعل دول أميركا اللاتينية ساحة خلفية لتمويل أنشطة الحزب عوضاً عن طهران.
أحد الأسئلة الرئيسية في سياق البحث عن مستقبل جماعة «حزب الله» في أميركا اللاتينية: «هل من علاقة بين التطورات الأخيرة وتوجهات واشنطن جهة الحزب، والتي اعتبرت الحرس الثوري الإيراني النواة الرئيسية لتأسيسه؟».
الثابت أن ما يجري في واشنطن يعتبر حرباً لا هوادة فيها تجاه أنشطة الحزب على الأراضي المجاورة في القارة اللاتينية، والرئيس ترمب وإدارته باتوا يولون المشهد هناك أهمية خاصة، ناهيك عن الأصوات المتصاعدة، وجميعها تطالب باجتثاث الحزب من جذوره نظراً لمدى الخطورة التي يمثلها على الولايات المتحدة الأميركية في الداخل، وعلى مصالح واشنطن في القارة الواسعة المترامية الأطراف في الداخل.
قبل أن ينقضي شهر أغسطس (آب) الماضي كان السيناتور الأميركي الذي ينتظره مستقبل سياسي بارز في الداخل الأميركي تيد كروز، يحذر من أن ميليشيا «حزب الله» الإرهابي ما زالت نشطة في أميركا اللاتينية، وقد جاء ذلك خلال احتفال جرى في مبنى الكابيتول هيل، إحياء لذكرى حادث تفجير مبنى الجمعية التعاضدية الإسرائيلية - الأرجنتينية الذي وقع عام 1994 في الأرجنتين.
لم يتوقف كروز عند هذه الذكرى فقط، بل ذكّر الحضور بأن «حزب الله» مسؤول عن الهجوم الذي أودى بحياة 85 شخصاً وجرح 200، وأن أنشطته في نشر الفكر المتطرف والإرهاب في الأرجنتين والباراغواي والبرازيل لا تزال قائمة، وتتواصل من خلال المساجد والمدارس التي تروج لأجندة التطرف والإرهاب.
تصريحات السيناتور كروز في واقع الحال تفتح أعيننا على مشروع كبير وخطير تقوم به إيران من خلال «حزب الله» في داخل دول القارة اللاتينية، أي مشروع نشر التشيع هنا، ذاك الذي تستتبعه بالضرورة رؤى واعتقادات تزخم طريق الإرهاب، طريق تبدأ من عند المعتقدات الدوجمائية، غير القابلة للتفاوض، والتي تصنف العالم تصنيفاً حدياً بالمطلق، وتجعل من العالم فسطاطين لا أكثر، من معنا والذين ضدنا؛ ولهذا فإن خطرها الفكري في الاستقبال، يتجاوز تصرفاتها في الحال، والهول الأعظم يطل برأسه من نافذة مستقبل الأجيال القادمة، ولا سيما أنها ستكون وقوداً لنار معركة إرهابية كبرى مع الولايات المتحدة الأميركية، تلك التي بدأت تعي خطورة المشهد ولو متأخرة، غير أنه أن تصل متأخراً خير من ألا تصل بالمرّة.
كيف استطاع «حزب الله» الوكيل الإرهابي لإيران أن يمد أذرعه الأخطبوطية على هذا النحو داخل القارة اللاتينية؟
يمكن القطع بأن المشهد لم يحدث بين عشية وضحاها؛ فمنذ نهاية الحرب الإيرانية - العراقية، تلك التي انتهت بتجرع خوميني المرشد الأول للثورة كأس السم، كما قال، حين أُجبر على إنهاء تلك الحرب، وعين إيران على نشر أطرافها وتعضيد طيفها العقائدي حول العالم، لتكون لها عوناً في الملمات الجسام، وهي تعرف أنه في لحظة ما ستحين ساعة الصفر مع الغرب.
في هذا السياق، نظرت إيران إلى الخريطة الجغرافية والديموغرافية على حد سواء ورأت في الجالية العربية الكبيرة المنتشرة هناك ملعباً واسعاً وفسيحاً لاقتناص عملاء لها يذهبون في طريق ثورتها العنكبوتية، وترويع الآمنين عبر إرهابها المستمر والمستقر.
في هذا الإطار، نجح «حزب الله» في تعميق روابطه مع الكثير من الحكومات الشعبوية اللاتينية، ولا سيما عبر مجالات التجارة والاقتصاد، وتجلى الأمر بصورة خاصة في العلاقة بين فنزويلا وإيران في زمن الرئيس الراحل هوغو تشافيز، فقد اعتبر الرجل أنه من أجل تعظيم المكايدة السياسية لواشنطن فإنه يتوجب عليه تعزيز علاقته بطهران؛ الأمر الذي سهّل كثيراً جداً أعمال «حزب الله» في فنزويلا ومن بعد في بقية دول القارة اللاتينية، وليس سراً أن الأوضاع الأمنية في تلك الدول ضعيفة بصورة أو بأخرى، كما أن الفساد المستشري في الكثير جداً من إداراتها الحكومية يجعل من السهل اختراقها بالأموال والفرص الاقتصادية عبر الشراكات المغشوشة.
ولعل المثير في شأن سياسات «حزب الله» في القارة اللاتينية هي أنها تتشابه من الناحية العسكرية والمفاهيم السياسية مع ما تقوم به على الحدود مع إسرائيل، والعهدة هنا على الراوي، لويس فيشمان، الأستاذ الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية والخبير في قضايا الشرق الأوسط وتعود جذوره إلى أوروغواي؛ إذ يرى: «أن هناك تكاملاً بين إيران و(حزب الله) وعصابات المخدرات»، وأوضح في تصريحات له أن «الأنفاق التي بنتها عصابات المخدرات لنقل منتجاتها عبر الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة تشبه تلك الأنفاق التي بناها (حزب الله) في لبنان لنقل الأسلحة».
جزء غير قليل من إرهاصات نهاية «حزب الله» في أميركا اللاتينية مرتبط بالمواجهة الساخنة الدائرة مع واشنطن في الأوقات الراهنة، الأمر الذي أشار إليه ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤخراً في تقرير مطول له قال فيه «قريباً جداً سيكون (حزب الله) قادراً على جمع المزيد من الأموال من تجارة المخدرات أكثر من جميع مصادر تمويله الأخرى».
ولعل الأكثر إزعاجاً للإدارة الأميركية قطع الخبير ليفيت، بأن خلايا «حزب الله» النائمة في الداخل الأميركي، باتت في انتظار إشارة إيران لضرب الأهداف الأميركية، وهنا فإن أطراف «حزب الله» في أميركا اللاتينية سوف تكون بمثابة القاعدة والخلفية اللوجيستية لأي أعمال إرهابية في الداخل الأميركي، ومن هنا يفهم المرء تكثيف واشنطن أنشطتها بحثاً عن عناصر عربية معروفة بانتمائها إلى جماعات إرهابية تعيش على أراضي المثلث الحدودي المشار إليه سلفاً.
إرهاصات نهاية «حزب الله» في أميركا اللاتينية تتسارع، ولا سيما أن الأخبار الواردة من البرازيل تقول بأن العلاقة الجيدة للغاية بين الرئيس ترمب، ورئيس البرازيل الموسوم بميل إلى جهة اليمين بولسونارو، سوف تسفر عن قرار برازيلي قريب جداً يصف «حزب الله» بأنه جماعة إرهابية قائمة على أراضي الدولة، ولا سيما أن الكونغرس الأميركي قد أكد في تقارير عدة أخيرة له أن «حزب الله» له جذور قوية في البرازيل، وأن سبعة ملايين شخص من أصول لبنانية بينهم مليون شيعي يعيشون هناك وولاؤهم العقائدي والآيديولوجي لـ«حزب الله».
ولعل المثير في الأمر أن الحزب يعتبر هؤلاء بمثابة الفيروسات القادرة على اختراق أي استحكامات أمنية أو حكومية برازيلية من أجل تحقيق درجة عالية من التمكين الذي يقود إلى مقدرة على المواجهة فيما بعد.
أحد التقارير الأميركية الاستخباراتية يشير إلى أن هناك قلقاً كبيراً من عناصر الحزب المتواجدين في البرازيل، الذين يقومون بإنشاء مؤسسات قوية للغاية عبر الحدود، وداخل الباراغواي والأرجنتين، وبالنسبة لخوان فيليكس مارتو، الرئيس السابق لمكتب مكافحة غسل الأموال في الأرجنتين، فلقد ثبت أن هناك تحالفات بين العائلات اللبنانية التي تمتلك جزءاً كبيراً من التجارة غير المشروعة، ومن الواضح أنها بدأت في مشاركة الحزب برعاية وحماية الأموال التي تأتي من تجارة المخدرات.
النيابة العامة البرازيلية بدورها اكتشفت تالياً أدلة ملموسة على علاقات تربط أطرافاً منتمية إلى «حزب الله» مع عصابتين برازيليتين شهيرتين، «القيادة الحمراء»، و«القيادة الأولى في العاصمة».
غير أنه تتبقى هناك عقبة خطيرة ومثيرة تتمثل في اعتبار فنزويلا بؤرة تجمّع لجماعة «حزب الله» وعناصره الإرهابية من دول أميركا اللاتينية كافة، والمعروف أن الصراع المحتدم بين واشنطن وبين نظام الرئيس مادورو، يفتح الباب الفنزويلي ومن جديد، بل أكثر مما كان الحال في زمن الرئيس تشافيز لاستضافة المزيد من عناصر «حزب الله» على الأراضي الفنزويلية، والمعروف أن الرئيس تشافيز كان قد منح الكثيرين منهم أوراقاً ثبوتية تسهل لهم الانتقال في القارة بأكملها، كما وفّر لهم أرض جزيرة مارجريتا التي تقع قبالة سواحل فنزويلا ملاذاً آمناً لعناصر الحزب.
على أنه رغم تلك المحاولة اليائسة الأخيرة، فإن مستقبل الجماعة في الداخل الأميركي اللاتيني تبدو شبه معدومة من جراء التضييق القادم، الذي قد يصل إلى حد المواجهة العاصفة المسلحة، حال جنوح الجماعة إلى مزيد من العمليات الإرهابية التي تسقط الآمنين في حال نشبت المعركة المنتظرة مع الولايات المتحدة الأميركية من قبل إيران، وساعتها يمكن الاستنتاج من دون أدنى تزيد أن مؤشر تصاعد «حزب الله» قد أخذ في الانكسار مرة وإلى الأبد.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».