لماذا صنفت الباراغواي «حزب الله» إرهابياً؟

إرهاصات النهايات لأنشطة الحزب في أميركا اللاتينية

عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)
عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)
TT
20

لماذا صنفت الباراغواي «حزب الله» إرهابياً؟

عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)
عمال الإغاثة والإنقاذ وآثار الخراب والدمار بعد انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات خارج مبنى الجمعية الإسرائيلية - الأرجنتينية في 18 يوليو 1994 في بوينس آيرس (رويترز)

بعد أقل من شهر على تصنيف «حزب الله» اللبناني منظمة إرهابية من قبل الأرجنتين، اتخذت باراغواي بدورها قراراً مشابهاً كثاني دولة في أميركا اللاتينية تصنف الحزب إرهابياً؛ وذلك في سياق إعادة النظر إلى هذه الجماعة، التي بات الجميع يعتبر أنها إحدى الأذرع الميليشياوية لنظام الملالي في طهران، والتي تستخدمها لتحقيق أهدافها الأوسع، وربما تهيئة للمعركة المرتقبة مع الغرب عامة، والولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص.

لم يتأت قرار الالباراغواي من فراغ، وإنما مما توافر للسلطات هناك من حقائق ومعلومات تؤكد على أن الحزب وأطرافه باتوا على علاقة جذرية بجماعات الجريمة المنظمة في المثلث الحدودي القائم ما بين البرازيل والأرجنتين والباراغواي، حيث تجري تجارات مشبوهة تبدأ بالمخدرات، ثم عملية غسل الأموال، وصولاً إلى الاتجار بالبشر.
والشاهد أن الدور الذي يقوم به «حزب الله» في أراضي أميركا اللاتينية بات يمثل إزعاجاً كبيراً، بل ومخيفاً لدول القارة بأكملها، وعليه فإنه يتوقع في القريب العاجل كذلك أن تحذو البرازيل حذو الباراغواي، وتصنف الحزب جماعة إرهابية وتحظر أنشطته على أراضيها.
يعنّ لنا أن نتساءل بداية: «هل من علاقة ما بين تسارع اعتبار (حزب الله) منظمة إرهابية والصراع الدائر بين واشنطن وطهران؟».
المؤكد أن هناك علاقة عضوية في الأمر، ذلك أن طهران كانت تمثل الحبل السري لتمويل كل جماعات الإرهاب المؤدلج الدائرة في فلكها، وفي المقدمة منها «حزب الله»، الذي اعترف زعيمه حسن نصر الله بأن معاشات أعضائه ومصروفاته كافة تأتي من طهران مباشرة، وفي حين العقوبات الأميركية الاقتصادية تضيّق الخناق على الحزب وقادته، يعيش الأخير أزمة مالية كبيرة جعلته يقوم بتوزيع صناديق التبرعات على الطرقات علها تقوم مقام تمويلات طهران، لكنها لا تفعل، ومن هنا يأتي دور الأعضاء المنتمين إلى الحزب الذين يسعون إلى جعل دول أميركا اللاتينية ساحة خلفية لتمويل أنشطة الحزب عوضاً عن طهران.
أحد الأسئلة الرئيسية في سياق البحث عن مستقبل جماعة «حزب الله» في أميركا اللاتينية: «هل من علاقة بين التطورات الأخيرة وتوجهات واشنطن جهة الحزب، والتي اعتبرت الحرس الثوري الإيراني النواة الرئيسية لتأسيسه؟».
الثابت أن ما يجري في واشنطن يعتبر حرباً لا هوادة فيها تجاه أنشطة الحزب على الأراضي المجاورة في القارة اللاتينية، والرئيس ترمب وإدارته باتوا يولون المشهد هناك أهمية خاصة، ناهيك عن الأصوات المتصاعدة، وجميعها تطالب باجتثاث الحزب من جذوره نظراً لمدى الخطورة التي يمثلها على الولايات المتحدة الأميركية في الداخل، وعلى مصالح واشنطن في القارة الواسعة المترامية الأطراف في الداخل.
قبل أن ينقضي شهر أغسطس (آب) الماضي كان السيناتور الأميركي الذي ينتظره مستقبل سياسي بارز في الداخل الأميركي تيد كروز، يحذر من أن ميليشيا «حزب الله» الإرهابي ما زالت نشطة في أميركا اللاتينية، وقد جاء ذلك خلال احتفال جرى في مبنى الكابيتول هيل، إحياء لذكرى حادث تفجير مبنى الجمعية التعاضدية الإسرائيلية - الأرجنتينية الذي وقع عام 1994 في الأرجنتين.
لم يتوقف كروز عند هذه الذكرى فقط، بل ذكّر الحضور بأن «حزب الله» مسؤول عن الهجوم الذي أودى بحياة 85 شخصاً وجرح 200، وأن أنشطته في نشر الفكر المتطرف والإرهاب في الأرجنتين والباراغواي والبرازيل لا تزال قائمة، وتتواصل من خلال المساجد والمدارس التي تروج لأجندة التطرف والإرهاب.
تصريحات السيناتور كروز في واقع الحال تفتح أعيننا على مشروع كبير وخطير تقوم به إيران من خلال «حزب الله» في داخل دول القارة اللاتينية، أي مشروع نشر التشيع هنا، ذاك الذي تستتبعه بالضرورة رؤى واعتقادات تزخم طريق الإرهاب، طريق تبدأ من عند المعتقدات الدوجمائية، غير القابلة للتفاوض، والتي تصنف العالم تصنيفاً حدياً بالمطلق، وتجعل من العالم فسطاطين لا أكثر، من معنا والذين ضدنا؛ ولهذا فإن خطرها الفكري في الاستقبال، يتجاوز تصرفاتها في الحال، والهول الأعظم يطل برأسه من نافذة مستقبل الأجيال القادمة، ولا سيما أنها ستكون وقوداً لنار معركة إرهابية كبرى مع الولايات المتحدة الأميركية، تلك التي بدأت تعي خطورة المشهد ولو متأخرة، غير أنه أن تصل متأخراً خير من ألا تصل بالمرّة.
كيف استطاع «حزب الله» الوكيل الإرهابي لإيران أن يمد أذرعه الأخطبوطية على هذا النحو داخل القارة اللاتينية؟
يمكن القطع بأن المشهد لم يحدث بين عشية وضحاها؛ فمنذ نهاية الحرب الإيرانية - العراقية، تلك التي انتهت بتجرع خوميني المرشد الأول للثورة كأس السم، كما قال، حين أُجبر على إنهاء تلك الحرب، وعين إيران على نشر أطرافها وتعضيد طيفها العقائدي حول العالم، لتكون لها عوناً في الملمات الجسام، وهي تعرف أنه في لحظة ما ستحين ساعة الصفر مع الغرب.
في هذا السياق، نظرت إيران إلى الخريطة الجغرافية والديموغرافية على حد سواء ورأت في الجالية العربية الكبيرة المنتشرة هناك ملعباً واسعاً وفسيحاً لاقتناص عملاء لها يذهبون في طريق ثورتها العنكبوتية، وترويع الآمنين عبر إرهابها المستمر والمستقر.
في هذا الإطار، نجح «حزب الله» في تعميق روابطه مع الكثير من الحكومات الشعبوية اللاتينية، ولا سيما عبر مجالات التجارة والاقتصاد، وتجلى الأمر بصورة خاصة في العلاقة بين فنزويلا وإيران في زمن الرئيس الراحل هوغو تشافيز، فقد اعتبر الرجل أنه من أجل تعظيم المكايدة السياسية لواشنطن فإنه يتوجب عليه تعزيز علاقته بطهران؛ الأمر الذي سهّل كثيراً جداً أعمال «حزب الله» في فنزويلا ومن بعد في بقية دول القارة اللاتينية، وليس سراً أن الأوضاع الأمنية في تلك الدول ضعيفة بصورة أو بأخرى، كما أن الفساد المستشري في الكثير جداً من إداراتها الحكومية يجعل من السهل اختراقها بالأموال والفرص الاقتصادية عبر الشراكات المغشوشة.
ولعل المثير في شأن سياسات «حزب الله» في القارة اللاتينية هي أنها تتشابه من الناحية العسكرية والمفاهيم السياسية مع ما تقوم به على الحدود مع إسرائيل، والعهدة هنا على الراوي، لويس فيشمان، الأستاذ الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية والخبير في قضايا الشرق الأوسط وتعود جذوره إلى أوروغواي؛ إذ يرى: «أن هناك تكاملاً بين إيران و(حزب الله) وعصابات المخدرات»، وأوضح في تصريحات له أن «الأنفاق التي بنتها عصابات المخدرات لنقل منتجاتها عبر الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة تشبه تلك الأنفاق التي بناها (حزب الله) في لبنان لنقل الأسلحة».
جزء غير قليل من إرهاصات نهاية «حزب الله» في أميركا اللاتينية مرتبط بالمواجهة الساخنة الدائرة مع واشنطن في الأوقات الراهنة، الأمر الذي أشار إليه ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤخراً في تقرير مطول له قال فيه «قريباً جداً سيكون (حزب الله) قادراً على جمع المزيد من الأموال من تجارة المخدرات أكثر من جميع مصادر تمويله الأخرى».
ولعل الأكثر إزعاجاً للإدارة الأميركية قطع الخبير ليفيت، بأن خلايا «حزب الله» النائمة في الداخل الأميركي، باتت في انتظار إشارة إيران لضرب الأهداف الأميركية، وهنا فإن أطراف «حزب الله» في أميركا اللاتينية سوف تكون بمثابة القاعدة والخلفية اللوجيستية لأي أعمال إرهابية في الداخل الأميركي، ومن هنا يفهم المرء تكثيف واشنطن أنشطتها بحثاً عن عناصر عربية معروفة بانتمائها إلى جماعات إرهابية تعيش على أراضي المثلث الحدودي المشار إليه سلفاً.
إرهاصات نهاية «حزب الله» في أميركا اللاتينية تتسارع، ولا سيما أن الأخبار الواردة من البرازيل تقول بأن العلاقة الجيدة للغاية بين الرئيس ترمب، ورئيس البرازيل الموسوم بميل إلى جهة اليمين بولسونارو، سوف تسفر عن قرار برازيلي قريب جداً يصف «حزب الله» بأنه جماعة إرهابية قائمة على أراضي الدولة، ولا سيما أن الكونغرس الأميركي قد أكد في تقارير عدة أخيرة له أن «حزب الله» له جذور قوية في البرازيل، وأن سبعة ملايين شخص من أصول لبنانية بينهم مليون شيعي يعيشون هناك وولاؤهم العقائدي والآيديولوجي لـ«حزب الله».
ولعل المثير في الأمر أن الحزب يعتبر هؤلاء بمثابة الفيروسات القادرة على اختراق أي استحكامات أمنية أو حكومية برازيلية من أجل تحقيق درجة عالية من التمكين الذي يقود إلى مقدرة على المواجهة فيما بعد.
أحد التقارير الأميركية الاستخباراتية يشير إلى أن هناك قلقاً كبيراً من عناصر الحزب المتواجدين في البرازيل، الذين يقومون بإنشاء مؤسسات قوية للغاية عبر الحدود، وداخل الباراغواي والأرجنتين، وبالنسبة لخوان فيليكس مارتو، الرئيس السابق لمكتب مكافحة غسل الأموال في الأرجنتين، فلقد ثبت أن هناك تحالفات بين العائلات اللبنانية التي تمتلك جزءاً كبيراً من التجارة غير المشروعة، ومن الواضح أنها بدأت في مشاركة الحزب برعاية وحماية الأموال التي تأتي من تجارة المخدرات.
النيابة العامة البرازيلية بدورها اكتشفت تالياً أدلة ملموسة على علاقات تربط أطرافاً منتمية إلى «حزب الله» مع عصابتين برازيليتين شهيرتين، «القيادة الحمراء»، و«القيادة الأولى في العاصمة».
غير أنه تتبقى هناك عقبة خطيرة ومثيرة تتمثل في اعتبار فنزويلا بؤرة تجمّع لجماعة «حزب الله» وعناصره الإرهابية من دول أميركا اللاتينية كافة، والمعروف أن الصراع المحتدم بين واشنطن وبين نظام الرئيس مادورو، يفتح الباب الفنزويلي ومن جديد، بل أكثر مما كان الحال في زمن الرئيس تشافيز لاستضافة المزيد من عناصر «حزب الله» على الأراضي الفنزويلية، والمعروف أن الرئيس تشافيز كان قد منح الكثيرين منهم أوراقاً ثبوتية تسهل لهم الانتقال في القارة بأكملها، كما وفّر لهم أرض جزيرة مارجريتا التي تقع قبالة سواحل فنزويلا ملاذاً آمناً لعناصر الحزب.
على أنه رغم تلك المحاولة اليائسة الأخيرة، فإن مستقبل الجماعة في الداخل الأميركي اللاتيني تبدو شبه معدومة من جراء التضييق القادم، الذي قد يصل إلى حد المواجهة العاصفة المسلحة، حال جنوح الجماعة إلى مزيد من العمليات الإرهابية التي تسقط الآمنين في حال نشبت المعركة المنتظرة مع الولايات المتحدة الأميركية من قبل إيران، وساعتها يمكن الاستنتاج من دون أدنى تزيد أن مؤشر تصاعد «حزب الله» قد أخذ في الانكسار مرة وإلى الأبد.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT
20

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.