«أغسطس ناري» بالأسواق الناشئة وسط ضغوط عالمية طاحنة

أسوأ أداء للعملات منذ 22 عاماً ونزوح قياسي للاستثمارات

شهدت الأسواق الناشئة في أغسطس الماضي أداء هو الأسوأ للأسهم والعملات منذ سنوات طويلة (أ.ف.ب)
شهدت الأسواق الناشئة في أغسطس الماضي أداء هو الأسوأ للأسهم والعملات منذ سنوات طويلة (أ.ف.ب)
TT

«أغسطس ناري» بالأسواق الناشئة وسط ضغوط عالمية طاحنة

شهدت الأسواق الناشئة في أغسطس الماضي أداء هو الأسوأ للأسهم والعملات منذ سنوات طويلة (أ.ف.ب)
شهدت الأسواق الناشئة في أغسطس الماضي أداء هو الأسوأ للأسهم والعملات منذ سنوات طويلة (أ.ف.ب)

تكبدت أسهم الأسواق الناشئة خسائر بلغت تقديراتها ما يفوق 873 مليار دولار الشهر الماضي، في حين سجلت عملاتها أسوأ أداء في شهور أغسطس (آب) منذ عام 1997. وذلك في وقت أظهرت فيه بيانات صادرة عن معهد التمويل الدولي أن المستثمرين سحبوا نحو 14 مليار دولار من الأسواق الناشئة في أغسطس الماضي، وهو أكبر نزوح للأموال من تلك الأسواق منذ أن فاز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016.
وأشارت «بلومبرغ» في تقرير لها أن صندوق استثمار «آي شيرز»، الذي يتتبع مؤشر «مورغان ستانلي» لصناديق المؤشرات المتداولة بالأسواق الناشئة، سجل زيادة قياسية في نسبة الأسهم المبيعة على المكشوف، وذلك مع تبدد كل مكاسب صناديق المؤشرات المتداولة بالأسواق الناشئة هذا العام تقريباً، وتراجع مبيعات السندات بالدولار الأميركي إلى أدنى مستوى منذ 42 شهراً.
وتوضح الوكالة أن مجموعة من العوامل اجتمعت لتسبب هذا التراجع، أهمها جاء من الولايات المتحدة، وأن ما حدث في أغسطس ظهرت مقدماته في نهاية يوليو (تموز)، عندما قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول إن خفض سعر الفائدة بنحو 25 نقطة أساس هو «تعديل في منتصف دورة السياسة النقدية». وهو ما سبب فزعاً في الأسواق، ضاعفت منه بعد ذلك تصريحات الرئيس ترمب بإمكانية فرض مزيد من الجمارك على الواردات الصينية إلى بلاده. كما وجد المستثمرون دافعاً آخر لسحب أموالهم من الأسواق الناشئة بعد أن خفض 12 بنكاً مركزياً على الأقل أسعار الفائدة.
أما الاضطرابات في الأسواق الناشئة نفسها فقد لعبت دوراً كبيراً هي الأخرى؛ حيث تراجعت الليرة التركية بنسبة 4 في المائة، مع انخفاض توقعات نمو الاقتصاد التركي في عام 2020 إلى النصف، في حين أدت نتائج الانتخابات الرئاسية الأولية في الأرجنتين إلى ثاني أكبر انهيار في تاريخ بورصة بوينس آيرس، لتواجه خطر التخلف عن سداد ديونها السيادية للمرة التاسعة في تاريخها.
ويشير التقرير إلى استمرار العوامل السلبية الضاغطة على الأسواق الناشئة، إذ إنه في ظل عدم توقع التوصل إلى اتفاق تجاري قريباً بين الولايات المتحدة والصين، فإنه من المتوقع أن تستمر الموجة البيعية في الأسواق الناشئة، حسبما ذكر محللون لـ«بلومبرغ». وقال بريندان ماكينا، محلل استراتيجيات العملات الأجنبية لدى «ويلز فارغو»، إن «سبتمبر (أيلول) سيشهد مزيداً من الشيء نفسه»، وأضاف: «رغم أن الصين وضعت بالفعل خطتها الانتقامية، فإني لن أندهش إذا ما قاموا بتدابير مضادة أكثر عدوانية».
وقال إريك باروميستر، رئيس فريق ديون الأسواق الناشئة لدى «مورغان ستانلي»، إن المستثمرين يريدون أن يروا أولاً دلائل على أن واشنطن وبكين ستتوصلان إلى اتفاق. وأضاف أن «التوقعات المتفائلة انتهت، والسوق الآن تحتاج إلى أن ترى وثائق موقعة واتفاقيات تجارية قبل أن يتحمسوا مجدداً».
وتأتي تلك التوقعات المتحفظة، في وقت أظهرت فيه بيانات من معهد التمويل الدولي يوم الخميس، أن المستثمرين سحبوا 13.8 مليار دولار من الأسواق الناشئة حتى 29 أغسطس الماضي، وهو أكبر نزوح للأموال من تلك الأسواق، منذ أن فاز ترمب بانتخابات. وقال المعهد إن «الصراع التجاري، مصحوباً بمخاوف متزايدة من تباطؤ عالمي، كانا عاملين مساعدين في الارتداد الحالي للمحافظ الاستثمارية (من الأسواق الناشئة)». ورغم أن السندات اجتذبت تدفقات بلغت نحو 300 مليون دولار، فإنه ما زالت هناك تدفقات كبيرة إلى الخارج في بعض الدول.
وفي تحرك مفاجئ بعض الشيء، اجتذبت الأسهم في الصين تدفقات بلغت 1.5 مليار دولار، لكن المخاوف المتزايدة من ركود عالمي والصراع التجاري المستمر منذ وقت طويل تسببا في نزوح 15.6 مليار دولار من الأسواق الناشئة، مع استبعاد الصين.
ويشير التقرير إلى أنه على عكس دورات التدفقات النقدية الخارجة السابقة، التي كانت تشهد اختلافاً واضحاً في الديناميكيات بين تدفقات الأسهم والسندات، فإن شهر أغسطس عانى من تدفقات كبيرة في الديون والأسهم معاً. ويظهر مؤشر معهد التمويل للتتبع اليومي أن هناك 18 يوماً من أصل 21 يوماً خلال شهر أغسطس شهدت «تدفقات خارجة».
وبحسب التقرير، فإن صافي تدفقات رأس المال للأسواق الناشئة، «بما في ذلك تدفقات المصارف والاستثمار الأجنبي المباشر»، بلغ 5.2 مليار دولار خلال شهر يوليو، وهو ما يمثل تحسناً حاداً عن الشهر السابق له، والذي شهد صافي تدفقات خارجة بقيمة 42 مليار دولار. ويرجع ذلك جزئياً إلى الانعكاس في التدفقات على الصين، والتي سجلت تدفقات صافية داخلة بقيمة 15 مليار دولار تقريباً في شهر يوليو الماضي، مقارنة مع تدفقات صافية خارجة بنحو 8 مليارات دولار في الشهر السابق له.
وقبل نهاية شهر أغسطس، أشارت بيانات «بلومبرغ» إلى أن صناديق المؤشرات المتداولة في الأسواق الناشئة شهدت عمليات بيع مكثفة للأسبوع السابع على التوالي، ما يجعلها قريبة من التحول للنطاق السالب هذا العام.
ووفقاً للبيانات، بلغت التدفقات الخارجة من صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة، والمدرجة في الولايات المتحدة، وتستثمر في الدول النامية، وكذلك تلك التي تستهدف دولاً محددة، نحو 972.3 مليون دولار في الأسبوع المنتهي في 23 أغسطس. وبحسب البيانات، يبلغ صافي التدفقات الوافدة منذ بداية هذا العام 109.9 مليون دولار فقط.
وكان صندوق «آي شيرز» الذي يملك 24.4 مليار دولار هو الخاسر الأكبر بين صناديق الأسهم في الدول النامية؛ حيث انخفض 556 مليون دولار في الأسبوع الخامس على التوالي من التدفقات الخارجة.



محضر «الفيدرالي»: المسؤولون أيَّدوا وتيرة تدريجية لخفض أسعار الفائدة

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

محضر «الفيدرالي»: المسؤولون أيَّدوا وتيرة تدريجية لخفض أسعار الفائدة

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

أيَّد مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي التحرك «تدريجياً» نحو خفض أسعار الفائدة، في ظل النمو الاقتصادي الأميركي الأقوى من المتوقع، وتلاشي المخاوف بشأن صحة سوق العمل، وفقاً لمحضر اجتماع نوفمبر (تشرين الثاني).

ويشير محضر الاجتماع إلى أن مسؤولي البنك المركزي الأميركي لم يعودوا يرون حاجة ملحة للوصول بسرعة إلى مستوى أسعار «محايدة» لا يعوق النمو، بعد خفض كبير بنحو نصف نقطة في سبتمبر (أيلول).

وفي اجتماع نوفمبر، خفَّضت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة إلى نطاق 4.5- 4.75 في المائة، وهو الخفض الثاني.

ويجتمع بنك الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول)، وهو اجتماعه الأخير قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

ومن المتوقع أن يمضي البنك المركزي قدماً بخفض آخر بنحو ربع نقطة، على الرغم من أن المسؤولين يراقبون البيانات الواردة من كثب.

وقال رئيس البنك، جيروم بأول، في وقت سابق من هذا الشهر، إن الاقتصاد الأميركي القوي يعني أن البنك المركزي لا يحتاج إلى «التسرع» في خفض أسعار الفائدة.

ولا يزال التضخم -على الرغم من انخفاضه الحاد عن ذروته في عام 2022- أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة.

وأشار مسؤولو البنك المركزي إلى أن التضخم كان يتراجع، وفقاً للمحضر؛ لكن البعض حذَّر من أنه قد يستغرق وقتاً أطول من المتوقع، نظراً للقوة الأساسية للاقتصاد، واحتمال أن تؤدي المخاطر الجيوسياسية وانقطاعات سلسلة التوريد إلى إبطاء الانخفاض.

وأظهر أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلك ارتفاع التضخم إلى 2.6 في المائة، بعد زيادة بنسبة 0.2 في المائة على أساس شهري.

واتخذ المسؤولون أيضاً موقفاً أكثر تفاؤلاً مما كان عليه في اجتماعهم السابق بشأن آفاق سوق العمل، قائلين إنه «لا توجد علامة» على التدهور السريع.

ومع ذلك، فإن التوقف المؤقت في خفض أسعار الفائدة سيكون مبرراً «إذا ظل التضخم مرتفعاً»، كما أشار المحضر، وهو ما يعكس وجهة نظر توم باركين، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، وعضو التصويت في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية لهذا العام، لصحيفة «فايننشيال تايمز» في مقابلة الأسبوع الماضي. وقال: «إذا كان التضخم يظل أعلى من هدفنا، فهذا يجعل من الضروري توخي الحذر بشأن خفض أسعار الفائدة... إذا كانت معدلات البطالة تتسارع، فإن هذا يجعل القضية أكثر توجهاً نحو المستقبل».

وحسب أسواق العقود الآجلة، يفضل المتداولون خفضاً آخر بمقدار ربع نقطة مئوية في ديسمبر. وقال نيل كاشكاري، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، هذا الأسبوع، إن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر «معقول»، في حين أيد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستن غولسبي فكرة تخفيضات أسعار الفائدة الإضافية.