هدوء حذر في ادلب مع سريان «الهدنة الروسية»

وقف المعارك شمال سوريا... وأنباء عن تعزيزات للنظام

مواطنون قرب حفرة سببتها غارة روسية على بلدة أورم الكبرى بين حلب وإدلب شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)
مواطنون قرب حفرة سببتها غارة روسية على بلدة أورم الكبرى بين حلب وإدلب شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)
TT

هدوء حذر في ادلب مع سريان «الهدنة الروسية»

مواطنون قرب حفرة سببتها غارة روسية على بلدة أورم الكبرى بين حلب وإدلب شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)
مواطنون قرب حفرة سببتها غارة روسية على بلدة أورم الكبرى بين حلب وإدلب شمال سوريا أمس (أ.ف.ب)

توقفت الغارات على محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، مع دخول وقف لإطلاق النار أعلنته موسكو، حليفة دمشق، حيز التنفيذ صباح أمس (السبت)، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بعد أشهر من التصعيد، في وقت أفاد معارضون بتعزيز قوات النظام عناصرها قرب إدلب.
وهذه الهدنة هي الثانية هذا الشهر، بعدما أعلنت دمشق موافقتها مطلع الشهر الحالي على وقف لإطلاق النار استمر أياماً قبل أن تستأنف بدعم روسي عملياتها العسكرية في المنطقة، حيث تسبب التصعيد منذ نهاية أبريل (نيسان) في مقتل أكثر من 950 مدنياً وفرار أكثر من 400 ألف شخص.
وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس (السبت)، إن «الطائرات الحربية غابت عن الأجواء منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ قرابة السادسة صباحاً (03:00 ت غ) والغارات الجوية قد توقفت».
وبينما توقفت المواجهات بين قوات النظام والفصائل عند أطراف إدلب منذ بدء الهدنة، يستمر القصف الصاروخي والمدفعي، وفق «المرصد».
وأعلن الجيش الروسي، الجمعة، وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد في إدلب. ودعا المركز الروسي للمصالحة «قيادات المجموعات المسلحة إلى وقف الاستفزازات والانضمام إلى عملية التسوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها».
وسارعت دمشق إلى إعلان موافقتها على وقف إطلاق النار، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري «مع الاحتفاظ بحق الرد على أي خرق من الإرهابيين».
واستغل أحمد أبو إبراهيم إعلان وقف إطلاق النار ليعود إلى بلدته معرشورين في جنوب إدلب، من أجل أخذ مقتنياته، بعد نزوحه منذ نحو أسبوعين.
ويقول أحمد وهو أب لستة أطفال، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «عدت حتى أجمع أغراضي وسأتوكل على الله وأتابع حياتي في الشمال السوري».
ويتوقع هذا الرجل أن «ينكث النظام كالعادة بعهده وألا يبقى عند كلامه» فيما يتعلق بالهدنة.
كانت دمشق قد أعلنت موافقتها على وقف لإطلاق النار في الأول من أغسطس (آب) ثم قررت في الرابع منه استئناف عملياتها القتالية بعدما اتهمت الفصائل بانتهاك وقف إطلاق النار واستهداف قاعدة حميميم الجوية التي تتخذها روسيا مقراً لقواتها في محافظة اللاذقية الساحلية غرباً.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة. كما تنتشر في المنطقة فصائل إسلامية ومعارضة أقلّ نفوذاً.
وبعد أشهر من القصف الكثيف من الطيران الروسي والسوري، بدأت قوات النظام في 8 أغسطس هجوماً برياً تمكنت بموجبه من السيطرة على مدينة خان شيخون الاستراتيجية والتوسّع جنوبها، حيث سيطرت على بلدات عدة في ريف حماة الشمالي وطوقت نقطة المراقبة التركية في مورك.
وقبل ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، استهدفت غارة جوية روسية منشأة صحية قرب بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي المجاور لإدلب، ما أدى إلى إصابة العديد بجروح بينهم موظفون في المنشأة وخروجها من الخدمة، حسب «المرصد».
ومنذ بدء التصعيد في نهاية أبريل، تضرر 43 مستشفى ومنشأة صحية بالإضافة إلى 87 مدرسة في إدلب ومحيطها جراء القصف، حسب الأمم المتحدة.
ويقول منسّق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية بانوس مومتزيس، إن «الهجمات التي رأيناها على المرافق الصحية والمنشآت التربوية هي من بين الأعلى في العالم (...) وهذا أمر غير مقبول».
وباتت بلدات وقرى بأكملها في جنوب إدلب وشمال حماة خالية من سكانها، وفق الأمم المتحدة. ويعيش قرابة نصف عدد النازحين في مخيمات ومراكز إيواء أو في العراء.
ويوضح مومتزيس أنّ «معدل نزوح العائلة الواحدة في إدلب هو خمس مرات»، وهو من بين الأعلى الذي سجلته الأمم المتحدة خلال سنوات النزاع في سوريا.
وتظاهر مئات السوريين، الجمعة، قرب الحدود مع تركيا، وحاول بعضهم اختراق معبر باب الهوى، تعبيراً عن استنكارهم لهجوم قوات النظام على إدلب، قبل ساعات من إعلان الهدنة. وأطلق حرس الحدود التركي الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين لتفريقهم. وقال المتظاهر محمد العموري (53 عاماً)، الجمعة، إنه إذا استمر القصف على حاله «سنتوجه إلى تركيا ونحو أوروبا لأن المدنيين لن يستطيعوا التحمل أكثر».
وتخشى تركيا تدفق موجات جديدة من اللاجئين نحو أراضيها في حال استمر التصعيد في إدلب.
وتؤي إدلب ومحيطها نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم تقريباً من النازحين من مناطق شكلت معاقل للفصائل المعارضة قبل أن تسيطر قوات النظام عليها إثر هجمات عسكرية واتفاقات إجلاء. والمحافظة ومحيطها مشمولة باتفاق أبرمته روسيا وتركيا في سوتشي في سبتمبر (أيلول) 2018 ونص على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مواقع سيطرة قوات النظام والفصائل، على أن تنسحب منها المجموعات، إلا أن تنفيذ الاتفاق لم يُستكمل، وتتهم دمشق أنقرة بالتلكؤ في تطبيقه.
ولا يستبعد الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر، أنّ «تكون روسيا والحكومة السورية على استعداد لمنح تركيا فرصة جديدة من أجل تنفيذ بنود اتفاق» سوتشي.
ولكن في الوقت ذاته، «قد يكون هدف دمشق وموسكو من توقف العمليات هذا لفترة من الزمن، تعزيز مكاسبهما الميدانية والاستعداد للمرحلة المقبلة من الهجوم».
ولطالما كرر الرئيس السوري بشار الأسد عزمه على استعادة كامل المناطق الخارجة عن سيطرته، بينها إدلب.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في 2011 في مقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.