سارت نجاة صاحبة الأعوام الستة وهي تغطي شعرها بحجاب صغير، حاملة على ظهرها حقيبة مدرسية، وتمسك يد والدها بقوة في طريقها إلى مدرستها، بينما حمل وجهها علامات الإحباط وخيبة أمل. ولدى سؤالها عن سبب ارتباكها أجابت بأن السبب هو عدم حضور معظم زملائها في الفصل إلى المدرسة.
فمنذ الحملة الصارمة، التي تم شنها ضد الغالبية المسلمة في إقليم كشمير، ورغم الإعلان رسمياً عن فتح المدارس، فإن الغالبية العظمى من الآباء والأمهات تبدي تخوفها من إرسال أطفالهم إلى المدارس بسبب الظروف غير المسبوقة في الإقليم، إثر صدور قرار الهند بإلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير في الخامس أغسطس (آب) الماضي.
ونتيجةً لذلك، تحولت المدارس اليوم إلى أماكن مهجورة تسكنها الأشباح، ورغم إعادة السلطات في كشمير فتح نحو 800 مدرسة ابتدائية وإعدادية، لم ترد أنباء بخصوص موعد فتح المدارس الثانوية والجامعات.
وفي ظل هذه الظروف المتشنجة، يساور الآباء والأمهات قلق كبير بشأن ارتياد أطفالهم المدارس، خوفاً على سلامتهم، لا سيما أنه وقعت مظاهرات في سريناغار شهدت إلقاء الحجارة. وفي الواقع، يصف كثيرون ما شهدته كشمير خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بأنه «حظر تجول مدني»، فرضه المدنيون على أنفسهم طواعية، في اعتراض صامت على القرار الهندي الأخير.
تقول زليخة مير، من سكان كشمير، إنها لم ترسل ابنتها، التي تدرس بالصف الثاني بمدرسة خاصة في واحدة من الضواحي الراقية في سريناغار. وبررت قرارها بالخوف من اشتعال صدامات بين سكان محليين وقوات الأمن الهندية تؤدي إلى قطع خطوط الاتصال الهاتفية. وأضافت موضحة: «في الأيام العادية، تخطرنا المدرسة باستمرار بأي مستجدات فيما يخص توقيت حافلة المدرسة ومواعيد الدراسة، لكن كيف يمكنهم فعل ذلك الآن؟»
تجدر الإشارة هنا إلى أنه بينما تلقى العاملون في المدارس الحكومية تعليمات صارمة بضرورة الوجود في أماكن العمل، لا يزال الآباء والأمهات مترددين تجاه السماح بعودة أطفالهم إلى المدارس. ومن بين هؤلاء فاروق أحمد دار الذي برر ذلك بقوله: «لا يمكن أن أرسل أطفالي إلى المدرسة، فالوضع غير إيجابي، ولا يمكن أن أقدم على المخاطرة في هذا الأمر. هناك كثير من الضبابية في الموقف تجعل من المستحيل أن أقبل بإرسال أبنائي إلى المدرسة».
وتتمسك الغالبية العظمى من أولياء أمور الطلاب بهذا الموقف، ما دامت خطوط الهواتف الجوالة ستبقى معطلة. لكن على الجهة المقابلة، يؤكد مسؤول رفيع في سريناغار أن بضع مدارس على أطراف المدينة أعادت فتح أبوابها، إلا أن المدارس لا تزال مغلقة في قلب المدينة بسبب أعمال العنف التي شهدتها، الأيام الأخيرة.
ومع هذا شهدت بعض المدارس الخاصة والحكومية حضوراً ضعيفاً من الطلاب. أما إدارة مدرسة بيرن هول العريقة في سريناغار، التي تخرج فيها الحاكم السابق للإقليم عمر عبد الله، فذكرت أن حافلاتها تحركت في مساراتها المعتادة عبر مناطق مختلفة من المدينة لتوصيل الطلاب إلى المدرسة، لكنها لم تجد أحداً في انتظارها.
من ناحيته، قال منظور أحمد، وهو معلم بمدرسة حكومية للفتيات في سريناغار، إنه نجح في الوصول إلى مقر عمله بالمدرسة، ربما لكونه موظفاً حكومياً، لكنه اعترف بأنه «من المستحيل» نجاح الأطفال في الوصول إلى المدرسة. وقال أثناء جلوسه داخل غرفة العاملين بالمدرسة: «نجح سبعة فقط من إجمالي 30 موظفاً بالمدرسة في الوصول للمدرسة... لدينا عمال يعيشون في ضواحٍ مختلفة، ولم يتمكنوا من القدوم إلى العمل جراء القيود الشديدة المفروضة على الطرق؛ فمن الذي سيخاطر بحياته ليصل إلى عمله؟»، مبرزاً أن الخوف هو السبب الأكبر وراء امتناع الطلاب والمدرسين عن الذهاب إلى المدارس.
مراسل «الشرق الأوسط» زار كثيراً من المدارس داخل سريناغار، لكنه لم يجد إلا عدداً ضئيلاً للغاية من الطلاب.
التعليم ضحية التوترات
لطالما كان التعليم الضحية الأبرز على امتداد ثلاثة عقود من العنف في كشمير، ذلك أن إغلاق المدارس في كشمير ليس بالأمر الجديد بسبب المظاهرات والحصار. وعلى سبيل المثال، ففي أعقاب مقتل برهان واني، قائد «حزب» عام 2016. عندما أضرم مسلحون النار في كثير من المدارس، سارع انفصاليو كشمير والأحزاب السياسية، التي تشكل التيار الرئيسي، إلى المطالبة علانية وبقوة بإبعاد التعليم عن الفوضى السياسية المشتعلة بالإقليم. وكان ثمة إجماع بدأ يظهر في الإقليم في ظلال الفوضى، التي تعتمل به، حول ضرورة عدم السماح لهذه الفوضى بالتأثير سلباً على تعليم الجيل الجديد. ولجأ بعض الميسورين إلى نقل أطفالهم إلى جامو أو دلهي، وألحقوهم بمدارس خاصة أو مراكز تعليم خاصة هناك.
أما غير القادرين على ذلك، فما زالوا يعيشون حالة من اليأس، ويعانون بشدة بسبب قرارات إغلاق المدارس وأعمال العنف اليومية.
وعلى سبيل المثال، فالطفلة رفاة خان، التي تدرس في الصف الـ12، دخلت المستشفى في وقت سابق من هذا الأسبوع بعد إصابتها بنوبة هلع، وقد شخَّص الأطباء حالتها بإصابتها باكتئاب. وقال والدتها التي فضَّلت عدم الكشف عن اسمها: «لا تزال طفلتي حبيسة أربعة جدران في المنزل، وهذا الأمر بدأ يؤثر على صحتها الذهنية والبدنية. ومن الطبيعي على أي طالب أن يشعر بالاكتئاب في مثل هذه الظروف».
من جانبه، قال غلام رسول، أحد المسؤولين الحكوميين: «لا يرغب أي أب في أن يبقى أبناؤه الطلاب في المنزل، لكن إرسالهم إلى المدارس ينطوي على مخاطر كبيرة. وأنا شخصياً طلبت من ابنتي البقاء في المنزل في الوقت الحالي. ونحن نفكر اليوم في نقلها إلى خارج الإقليم كي لا يتضرر تعليمها».
بدوره، قال الطالب إشفاق خالق (21 عاماً): «يشعر والداي بالقلق إزاء سلامتي في ظل الأوضاع المتوترة الحالية بعد إلغاء المادة 370، فقررا أنه يتعين عليّ إكمال دراستي في جامو».
والملاحَظ أن كثيراً من الكشميريين بنوا لأنفسهم منازل بديلة في جامو، هرباً من التوتر السياسي في كشمير، وطلباً للملاذ من الشتاء القارس. وفي هذا السياق يقول زبير عباس، وهو طالب من كشمير: «لا أحد يرغب في الرحيل عن منزله، لكن للأسف لا يزال الوضع متوتراً معظم الوقت في كشمير، الأمر الذي يؤثر على دراستنا. واليوم، أنا أدرس في جامو مع اثنين من أصدقائي بسبب الظروف السلمية السائدة هناك... ليس هناك نقص في المؤسسات الجيدة في كشمير، لكن التوترات المستمرة تجبر الشباب على الانتقال إلى جامو للاستعداد للامتحانات الأكاديمية».