محاولة لإحياء مهرجان في بصرى الشام... رمز التمرد والتسوية مع الروس

محاولة لإحياء مهرجان في بصرى الشام... رمز التمرد والتسوية مع الروس
TT

محاولة لإحياء مهرجان في بصرى الشام... رمز التمرد والتسوية مع الروس

محاولة لإحياء مهرجان في بصرى الشام... رمز التمرد والتسوية مع الروس

انطلقت قبل أيام فعاليات لمهرجان التسوق في مدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي وحمل في هذا العام اسم «مهرجان حوران»، وبدأت الفعاليات بحضور رسمي وشعبي كبير، وسبقها دعوات وحملة دعائية لاستقطاب أعداد كبيرة سواء من التجار أو الحضور الشعبي، في محاولة لعودة الطقوس المهرجانية لمدينة بصرى الشام التي كانت تحضرها هذه الأجواء في صيف كل عام قبل بدء الحرب في سوريا، وغابت عنها مع بداية أول عام انطلقت فيه المظاهرات المناهضة للنظام في درعا في عام 2011.
يقول أحد السكان المحليين إن لـ«مهرجان بصرى الشام الدولي» شكل مختلف وكان يقام في منطقة الآثار الرومانية الممتلئة في المدينة، وكان الزوار يستمتعون بالمناظر الأثرية وجمالها، فضلاً عن تنسيق المحال والمعروضات في المهرجان بطريقة جميلة، وكانت عدة دول تشارك في مهرجان التسوق في بصرى الشام ويكون لها جناح مستقل لعرض منتجات من بلدهم، ومحال مخصصة لبيع مصنوعات على أشكال أثرية، وكان يقصده زوار من مختلف مناطق سوريا والدول العربية وحتى الأجنبية. أما اليوم فالمهرجان افتقد لكل هذه الطقوس، واقتصر حضوره على السكان المحليين، واحتل مساحة صغيرة بعيداً عن المناطق الأثرية في المدينة، معبراً أنها خطوة جيدة لعودة هذه الفعاليات إلى محافظة درعا وتحديداً مدينة بصرى الشام التاريخية التي كانت قبلة للزوار الأجانب، كونها تحوي المدرج الروماني الكبير وسرير بنت الملك وباب الهوى والكثير من الآثار الرومانية الكبيرة والكثيرة، التي لا يزال عليها غبار القصف وآثاره.
وأضاف أن المهرجان أعاد شيئاً من الماضي لسكان المنطقة التي كانت تعج بالزوار في هذا الشهر من كل عام، حيث يشهد المهرجان إقبالاً شعبياً جيداً، باعتبار أن السوق شامل لكل المستلزمات المنزلية الغذائية والمفروشات والبسة والقرطاسية، التي تباع بأسعار أقل من سعر السوق العادي، لتشجيع الأهالي على زيارة المهرجان، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الزوار، ليكون المهرجان بداية على حال جديدة للمنطقة بعد أن عاشت مرحلة من الحرب عصفت بسكانها وأربكت حياتهم وأبعدت عنهم هذه الأجواء.
واعتبر أحد تجار المنطقة أن مهرجان سوق التسوق في بصرى الشام أعطى للسكان المحليين فرصة للتسوق بأسعار وعروض منافسة، وأن الهدف من المشاركة في المهرجان ليست ربحية على قدر ما غايتها المعنوية، للتأكيد على استمرار العمل التجاري والصناعي في المنطقة رغم كل الظروف التي مرت عليها، وأن المنطقة مهيئة للنهوض الاقتصادي والتجاري الكبير في الوقت المناسب، وأشار إلى أن أكثر من 90 فعالية تجارية شاركت في المهرجان، وكلها من أبناء المنطقة الجنوبية، بهدف تشجيع عودة الاستثمار التجاري من أبناء القطر السوري إلى المنطقة، ولتكون بداية لعودة مهرجان بصرى الشام الدولي، الذي كان يعتبر من المهرجانات السورية والعربية المتميزة، في إشارة إلى الظروف الأمنية الأقل تعقيداً من السابق التي تساعد على ذلك وفقاً لتعبيره.
وقال ناشط من درعا إنه كان يحضر المهرجان، قبل اندلاع الحرب في سوريا، جمهور كبير يقصد المدينة التاريخية من كل مكان، وكانت تسير رحلات يومية للقطار من دمشق إلى بصرى، ويشمل فعاليات فنية ثقافية سياحية وتسويقية، تشارك فيه دول عربية وأجنبية، وتقام فعالياته الفنية على مسرح المدرج الروماني الذي يقع داخل قلعة بصرى الشام، ويشارك فيه فرق فلكلورية وفرق للرقص وفنانون وفنانات من سوريا ومن جميع دول العالم.
وتابع: «مع اندلاع الحرب في سوريا ومشاركة أبناء بصرى الشام بالحراك أصبحت المدينة ساحة للصراع خاصة مع وجود سكان بها من الطائفة الشيعية، وكان قسم من المدينة تحت سيطرة النظام والآخر كانت تسيطر عليه المعارضة، وحول النظام السوري المدرج الروماني وقلعة بصرى الشام إلى ثكنة عسكرية، حتى تمكنت فصائل المعارضة في عام 2013 من السيطرة على المدينة بشكل كامل».
وشهدت مدينة بصرى الشام أولى جولات التفاوض بين المعارضة والنظام السوري برعاية روسية قبل عام، ودخلت المدينة ضمن اتفاق التسوية، وباتت مركزاً لقيادة «الفيلق الخامس» الروسي في المنطقة الجنوبية، المشكل من فصائل التسوية في درعا بقيادة أحمد العودة المتحدر من مدينة بصرى الشام وهو قيادي سابق في المعارضة، ويسيطر على المدينة حالياً قوات الفيلق الخامس الروسي، مع وجود شرطة مدينة تابعة للنظام السوري ووجود رمزي لقوات من النظام السوري في المدينة، ورفضت قيادة الفيلق الخامس في بصرى الشام ممثلة بفصائل التسويات عودة السكان الشيعة إلى المدينة، رغم كل المفاوضات التي جرت لعودتهم حتى الآن.
ويذكر أن مجهولين في مدينة بصرى الشام اختطفوا مصور وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في درعا أثناء تغطيته مهرجان بصرى الشام للتسوق، يوم السبت الماضي، واقتادوه إلى جهة مجهولة، وعاد عليه آثار تعرضه للضرب المبرح، ونقل إلى مشفى درعا الوطني لتلقي العلاج على أثرها، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثة، فيما قال أحد زملائه عبر «فيسبوك» إن سبب الضرب يعود إلى ما ينشره مراسل الوكالة على صفحته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما رجح آخرون أن ما تعرض له المصور نتيجة لشتم فصائل التسويات عبر صفحته الشخصية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.